ألمانيا – عنصرية كامنة لدى قوات الأمن والشرطة.. الأسباب والتداعيات

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

تشهد ألمانيا تفاعلاً واسع حول مسألة تورط الشرطة الألمانية وموظفون حكوميون، في ممارسات يمينية متطرفة ، تعيد للأذهان حقبة النازية والحروب، ربما لم يعيها هذا الجيل الجديد، ولا يعرف عقباها. الاستخبارات الألمانية من جانبها، أدركت، خلال السنتين الماضيتين، تهديد “النازيون الجدد” وحذرت اكثر من مرة حول مخاطر تمدد اليمين المتطرف في النسيج الاجتماعي وداخل الطبقة السياسية.

وفي حادثة جديدة حول تورط الشرطة و موظفون حكوميون، أثار غضب الشارع الألماني، بعد نشر  صحيفة بيلد الألمانية يوم أمس 13 مارس 2021 تسجيلا مصوّرا أثار غضبا واسعا لدى وسائل الإعلام الألمانية ومواقع التواصل الاجتماعي، وينذر بجدل واسع حول دور الشرطة في حماية السكان، يظهر التسجيل رجلا ممددا على سرير الإسعاف مربوط اليدين والرّجلين، يقوم أحد المسعفين بضربه بقوة على وجهه وذلك أمام أنظار عنصرين من الشرطة.

ممارسات عنصرية بين رجال الأمن

كشفت تحقيقات إعلامية وتقارير للاستخبارات الألمانية، عن عدة حالات ليمينيين متطرفين مشتبه بهم داخل الشرطة والجيش في ألمانيا. وفي ولاية هيسن وحدها جرى مؤخرا اتخاذ إجراءات قانونية جنائية ضد 40  فرد شرطة تقريبا على خلفية أحداث يمينية متطرفة. وذكرت رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، زاسكيا إسكن، أن هناك عنصرية كامنة أيضا لدى قوات الأمن الألمانية و اقترحت إسكن إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة عمل الشرطة.

تزايد التطرف 

وفقا لتقرير الــDW بعنوان  “ألمانيا.. زيادة التطرف” صدر يوم أمس 13 مارس 2021، كشف ازدياداً في الجرائم ذات الدوافع السياسية في عام 2020، نصفها ذات دوافع يمينية متطرفة. كما ارتفع عدد تراخيص حمل أسلحة الصوت. سجلت السلطات الألمانية 44 ألفاً و34 جريمة ذات دوافع سياسية في عام 2020، بحسب أرقام أولية يمكن تعديلها لاحقاً. وعلى سبيل المقارنة، تم تسجيل 41 ألفاً و177 جريمة من هذا النوع في عام 2019، كما جاء في رد وزارة الداخلية الألمانية على طلب إحاطة من الكتلة البرلمانية لحزب الخضر.

وشهدت ألمانيا ارتفاع في الجرائم ذات الدوافع السياسية مقارنة بالعام الماضي 2020، لكن ليس في كل التيارات. فبينما ارتفع عدد الجرائم التي نفذها جناة من التيار اليميني واليساري، رصدت سلطات الأمن تراجعاً بنسبة تزيد عن 27% في الجرائم ذات الدوافع الدينية، لتصل إلى 425 جريمة، بحسب الإحصائية الجنائية للشرطة الألمانية.

اليمين المتطرف مصدر تهديد لأمن ألمانيا

كشف التقرير السنوي للاستخبارات الداخلية الألمانية  عن وجود زيادة كبيرة في عدد المتطرفين اليمينيين المستعدين لاستخدام العنف كما زادت أعمال عنف اليسار المتطرف وبحسب زيهوفر، رصد التقرير ما لا يقل عن 22.300 جريمة تم ارتكابها في الوسط اليميني المتطرف خلال العام الماضي (2019)، بزيادة قدرها عشرة في المائة، مقارنة بعام 2018. وأوضح: “هذا أكبر مصدر تهديد للأمن في ألمانيا. لم يتغير شيء هنا، بل العكس، فعدد الجرائم المرتكبة، ازداد في هذا الوسط، كما زاد الاستعداد لاستخدام العنف بشكل أكبر”. شئ واحد تقريبا يجمع عليه تقريبا المتطرفون اليمينيون وهو العداء للسامية: “أكثر من 90 في المائة من الجرائم المتعلقة بمعاداة السامية ترجع إلى التطرف اليميني”. واستطرد زيهوفر بعد توقف قصير: “هذه وصمة عار لبلادنا”.

وارتفع إجمالي عدد الجرائم ذات الدوافع السياسية التي سجلتها الشرطة العام الماضي 2020 بنسبة نحو 14% إلى 41177 جريمة. كما سجلت السلطات ارتفاعاً بنسبة 13% في الجرائم المعادية للسامية لتصل إلى 2032 جريمة. ووفقا لبيانات الشرطة، فإن 93% من مرتكبي الجرائم المعادية للسامية من التيار اليميني المتطرف. كما ارتفعت الجرائم المعادية للإسلام بنسبة 4.4% لتصل إلى 950 جريمة.

زيادة تراخيص أسلحة الصوت

وكشفت تقارير صحفية صدرت في ألمانيا آخر حديثة صدرت يوم امس،  حدوث ارتفاع جديد في عدد تراخيص حمل أسلحة الصوت في العام الماضي 2020. وذكرت صحيفة “راينيشه بوست” الألمانية أنه استناداً إلى استطلاع بين وزارات الداخلية في الولايات الألمانية، وصل عدد تراخيص حمل هذه الأسلحة العام الماضي إلى أكثر من 704 ألف ترخيص بزيادة بمقدار نحو 40 ألف ترخيص أي ما يعادل 6% مقارنة بعام 2019.

وتراجعت عمليات الجماعات الإسلاموية المتطرف خلال العام الماضي والعام الحالي 2021  وربما يعود ذلك إلى خسارة التنظيم معاقله في سوريا والعراق، يقابلها، فرض سياسات مشددة على أنشطة الجماعات المتطرفة فقد حظرت ألمانيا خلال الأعوام الماضية العديد من التنظيمات الإسلاموية المتطرفة، مثل “دائرة الإسلام الناطقة بالألمانية في هيلدسهايم” عام 2017 .

الاستخبارات الألمانية ـ اتخاذ إجراءات صارمة ضد التطرف

وطالب هولغر مونش رئيس الهيئة الاتحادية لمكافحة الجرائم في ألمانيا بالدعوة إلى اتخاذ إجراء صارم ضد أي متطرفين ينتمون إلى الأجهزة الأمنية. وقال -في تصريحات سابقة لوسائل الإعلام الألمانية- إننا “نرى حالات فردية في الشرطة ذات أمور لافتة للأنظار… أقول بشكل واضح تماما: أتباع حركة مواطني الإمبراطورية الألمانية ، الرايخ الألماني، لا ينتمون للشرطة”. يذكر أن حركة “مواطني الرايخ الألماني” هي حركة لا تعترف بجمهورية ألمانيا الاتحادية كدولة، وغالبا ما يرفض المتعاطفون مع الحركة دفع الضرائب، تحت مزاعم أن الرايخ الألماني لا يزال قائما حتى اليوم.

رصد توماس هالدنفانغ، رئيس هيئة حماية الدستور في ألمانيا (الاستخبارات الداخلية)، “زخما” متناميا جديدا داخل صفوف التيار اليميني المتطرف في ألمانيا. وقال هالدنفانغ في تصريحات لشبكة “إيه آر دي” الألمانية الإعلامية في وقت سابق، إنه من الممكن رصد الكثير من هذه التطورات في مدينة كيمنتس شرقي ألمانيا، وأضاف: “أتذكر على وجه الخصوص الترابط الكثيف للغاية (لليمين المتطرف)، والأخبار الكاذبة والدعاية الخاطئة والعنف الكبير في الشوارع”. وذكر هالدنفالغ أن المجموعات المستعدة للعنف من الممكن أن ينبثق منها جماعات إرهابية صغيرة، وقال: “كل هذا أظهره نموذج كيمنتس”.

النتائج

– إن التيارات اليمينية المتطرفة، بكل أطيافها، تعمل من داخل ألمانيا بشكل ممنهج، وذكي للغاية، من خلال التسلل إلى مؤسسات الأمن والدفاع، من اجل الحصول على المعلومات والبيانات، إلى الأفراد والمسؤولين، من اجل استهدافهم بعد وضعهم على قوائم “القتل”، والى جانب ذلك تسلل اليمين المتطرف إلى مؤسسات الأمن والدفاع، يمنحه فرصة للحصول على السلاح وكذلك التدريب.

ـ لذا يمكن وصف تهديدات اليمين المتطرف في هذه المرحلة، هي الأخطر من باقي الجماعات المتطرفة بالتوازي مع جماعات الإسلام السياسي، التي تنتهج ذات النهج اليميني المتطرف بالتسلل إلى المجتمع ومؤسسات الدولة.

ـ تبذل ألمانيا ما بوسعها في محاربة التطرف اليميني، ولكن التحديات، هي اكبر من حجم القدرات والإمكانيات للحكومة الألمانية، ربما الموضوع يتعلق أيضا بالموارد البشرية والموالية إلى جانب الإعداد والتدريب، وهذا يعني أن تهديد اليمين المتطرف، سيبقى قائما، ومن المرجح أن يصعد عملياته “الشعبوية” في أعقاب وضع حزب البديل تحت مراقبة الاستخبارات الداخلية “رغم أن هذه المسألة ما زالت موضع نقاش”.

ربما يعجبك أيضا