الحصان الخاسر.. «أردوغان» للخلف دُر

كتبت – علياء عصام الدين

التحول المفاجئ وفق ما تقتضيه المصلحة تصرف ليس بغريب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فهي ليست المرة الأولى التي يتحول فيها أردوغان من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين في نفاق صريح وفقًا لما تقتضيه قواعد المنفعة.

قانون المنفعة

مصلحتي أولًا ولتذهب كافة الأيديولوجيات والشعارات الرنانة إلى الجحيم.

لم يتوان أردوغان لحظة عن مهاجمة الرئيس المصري في كل مناسبة، فقد وصف مرسي بعد وفاته “بالشهيد” وسارع لاتهام الاتحاد الأوروبي بالنفاق في دعم الرئيس المصري، وغض الطرف عن استخدام القاهرة لعقوبة الإعدام، كما دخل أردوغان صراعًا مع المعارضة التركية التي احتجت آنذاك على قطع الحكومة التركية العلاقات مع مصر ودعمها للجماعة الإرهابية.

في 2019 خرج أردوغان ليؤكد أنه لن يتحدث مع شخص مثل السيسي! الآن يتخلى الرئيس التركي تدريجيًا عن خطابه في معاداة الرئيس المصري بغية فتح صفحة جديدة مع مصر للتخلص من حالة العزلة التي واجهتها أنقرة في المنطقة بسبب التشبث العنيد بمجموعة من القضايا الخلافية بما في ذلك الحرب في ليبيا والاتفاقيات البحرية في شرق المتوسط.

خلال الأسبوع الفائت انتشرت التصريحات الخجولة من الجانب التركي بداية من رئيس الجمهورية ومستشاره السياسي والمتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم وصولًا إلى وزير الدفاع والخارجية  في محاولة لرأب الصدع وخطب ود الجانب المصري واسترجاع العلاقات من جديد، تلك العلاقات المقطوعة بين البلدين منذ 2013، بعدما عارض أردوغان بقوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعد عزله لرئيس جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي استجابة لمطالب ملايين من جماهير الشعب المصري في ثورة شعبية عرفت بـ30 يوليو، في المقابل لم يتحدث أي مسؤول سياسي مصري بارز، حيث جاء الردّان اللذان ظهرا في وسائل الإعلام مساء الجمعة، على لسان مصادر أمنية رسمية لم تفصح عن اسمها.

لقد وُصفت الجهود التركية للتقارب مع مصر في وسائل الإعلام العالمية ومنصات التواصل الاجتماعي في الأيام القليلة الماضية بالبراجماتية وبات الجميع يسترجعون تصريحات أردوغان المنتقدة للسيسي في إشارة واضحة للنفاق الصارخ من الجانب التركي، ناهيك عن قنوات الإخوان التي تبنت لهجة أردوغان في التودد للرئيس المصري في تناقض صارخ ومثير للاشمئزاز.

واعتبر محللون أن هذا النوع من الردود المقتضبة غير المكترثة من جانب القاهرة ينطوي على إهانة بالغة لأنقرة، بينما رأها آخرون دلالة على التريث وعدم الانجراف وراء التصريحات الصاخبة التي تبناها الجانب التركي، لاسيما أن التطورات الأخيرة قد خدمت توجهات مصر في التعامل مع أنقرة بوصفها أزمة أمنية، وباتت القاهرة على يقين من أن تركيا في حاجة إليها.

حصان خاسر

تأتي التفاتة أردوغان الأخيرة صوب تصحيح العلاقات مع القاهرة بعد ما اقتنعت تركيا بأن لا فرصة للإخوان بالعودة إلى السلطة في مصر بعد أن أصبحت الجماعة حصانًا خاسرًا راهنت عليه أنقرة وخسرت الرهان.

ولعل الحكومة التركية أدركت متأخرة أن لا بصيص أمل للجماعة التي دأبت على دعمها للوصول إلى السلطة مجددًا، فلا بأس الآن من الاستدارة إلى الخلف وتغيير المسار.

لقد نجحت مصر في تقويض التنظيمات الإرهابية المدعومة من تركيا في الداخل وأصبح لدى أنقرة قناعة بعدم نجاعة هذه الجماعات.

فبعد فشل مشروع الإسلام السياسي في كل من مصر والسودان وترنّحه في تونس، باتت القوى الدولية أكثر واقعية في تعاملها مع رؤية مصر الأمنية، الأمر الذي من شأنه أن يجبر تركيا وغيرها لتخفيف حدة عدائها لمصر والتفكير في مصالحة تستعيد بها مصالحها، وهو ما تقبله مصر شريطة الالتزام بكافة الإجراءات اللازمة لتصفية الحسابات في الملفات الأمنية العالقة وفق ما صرحت مصادر مصرية رسمية.

أمني لا سياسي

في الوقت الذي صبغت فيه أنقرة تصريحاتها بالطابعين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتاريخي، لم تعطي مصر التصريحات الرسمية التركية حول عودة العلاقات أهمية تذكر، فالقاهرة تنظر للجانب التركي بشكل (أمني) يحتاج إلى تفكيك عناصره أولًا، لاسيما فيما يتعلق بالمئات من العناصر الإخوانية التي هربت إلى أنقرة فضلًا عن المرتزقة الذين دفعت بهم تركيا إلى ليبيا.

بعد ذلك يمكن التفكير في الارتقاء بالعلاقات والتعاطي مع تركيا بعد حل الخلافات الأمنية للانتقال للمستوى السياسي وليس العكس.

وتنتظر مصر من أنقرة خطوات عملية تجعلها تغير نظرتها من الأمني إلى السياسي وإلى حين تبيان ذلك بالمواقف سيظل التعامل مع الجانب التركي أمنيًا حتى تثبت أنقرة حسن نواياها وتنكشف حقيقة رسائلها.

فهل تستجيب تركيا في ملف الإخوان والتنظيمات المتطرفة، وتسحب عناصرها ومرتزقتها من ليبيا أولا، وهل ستتراجع عن تدخلاتها السافرة في كل من سوريا والعراق والصومال التي تمثل تهديدًا داهمًا للأمن القومي المصري  والأمن العربي ككل، أم ستظل رهينة التصريحات البراجماتية التي لن تنطلي على الجانب المصري.

ربما يعجبك أيضا