لبنان في الزمن الصعب.. تهريب السلع المدعومة مستمر ولا عزاء للمواطن

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

عاد الحديث عن تهريب السلع المدعومة في لبنان، إلى الواجهة مطلع الأسبوع الجاري، مع انتشار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر أكياس الأرز المدعوم من الحكومة اللبنانية تباع داخل متاجر في السويد بسعر 13250 ليرة، في وقت يكافح فيه اللبناني -في الداخل المنكوب- من أجل الحصول على كسرة خبز وسط ارتفاع معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة وانهيار تاريخي للعملة الوطنية أمام الدولار، حيث فقدت أكثر من 85% من قيمتها، إلى أن وصل سعر الدولار الواحد إلى أكثر من 12 ألف ليرة.  

كيف تهرب السلع المدعومة إلى السويد وغيرها؟

وبينما يعاني اللبنانيون من نقص شديد في السلع المدعومة بالأسواق المحلية، جاء هذا الفيديو ليفضح استمرار مسلسل تهريب السلع المدعومة إلى الخارج من قبل مافيا المعابر والجمارك وغيرهم، وعندما تعالت أصوات النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لانتقاد وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة، ما كان من الأخير سوى أن يغسل يده من الأمر.

وقال نعمة -عبر حسابه على “تويتر”- “توضيحاً لما يتم تداوله عن بضائع مدعومة موجودة خارج الأراضي اللبنانية، إن مراقبة التهريب ليست من صلاحية وزارة الاقتصاد والتجارة، بل من صلاحية الجمارك والقوى الأمنية، وقد سبق لنا أن أرسلنا كتابا إلى الجهات المعنية حول آلية منع تصدير المواد الغذائية المدعومة”.

حاول نعمة التنصل من المسؤولية وإلقاء الكرة في ملعب الجمارك والقوى الأمنية، الأمر هنا يتعلق بالحديث عن مافيا الكبار فعند الحديث عن هذين الجهازين فالمقصود أما حزب الله أو تيار المستقبل وحلفائه، وهذه عادة في لبنان “التنصل من المسؤولية وتبادل الاتهامات”.

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، سبق وأن اعترف نهاية العام الماضي، بأن جهود المصرف المركزي لدعم سلة من السلع الغذائية والأساسية كالطحين والمازوت والأرز يتم تبديدها على الأرض عبر عمليات تهريب.

وفي مايو الماضي، تقدم عدد من نواب حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، ببلاغ إلى المدعي العام يتعلق بتهريب السلع الأساسية إلى خارج لبنان، وتحديدا إلى سوريا عبر المعابر غير الشرعية، ووقتها وجه النواب اتهامات للدولة بالتستر على المهربين.

يوجد بلبنان نحو 136 معبرا “غير شرعي”، غالبيتها منتشرة على طول الحدود اللبنانية السورية، وتقع تحت سيطرة عصابات التهريب، التي تحظى بغطاء سياسي، وبالطبع هنا يطل حزب الله برأسه، فهو القوة المسيطرة على الجنوب، لا شيء يتحرك إلا بأمره، وعندما نتكلم عن الحدود مع سوريا، فيصبح دوره واضحا بلا شك.

بحسب تقرير نشر في 2019 بصحيفة “الإندبندنت” التهريب يحصل بعدة أوجه، سواء عبر تهريب سلع إلى خارج لبنان أو إدخال سلع مهربة إليه، وبالنسبة لحزب الله فيستغل نفوذه في الجنوب لتسهيل نقل كل شيء من سلع وأسلحة ومقاتلين من وإلى سوريا، كما يقوم بإدخال سلع دون رسوم جمركية، تحت غطاء مرسوم حكومي يتيح لـ”المقاومة” إدخال بعض السلع بإعفاء جمركي.

أرقام صادمة وحكومة عاجزة

التهريب ليس قاصرا على الخارج، فهناك تهريب في الداخل، فبحسب مقاطع فيديو انتشرت خلال الأيام الماضية، هناك تجار يتحايلون لبيع السلع المدعومة بأسعار مرتفعة، حيث كشفت المقاطع المتداولة على مواقع التواصل عن إفراغ كميات كبيرة من السلع المدعومة في “مغلفات” أخرى بغية بيعها بأسعار مرتفعة، وأشار نشطاء إلى أن الواقعة رصدت في بلدية “الصرفند” جنوب لبنان، وأن الجهات المعنية قامت أخيرا بإغلاق جمعيتين تعاونيتين بالمنطقة، بعد التأكد من تورطهما في الواقعة.

وتتراوح خسائر الدولة اللبنانية الناجمة عن عمليات التهريب بين 600 مليون دولار إلى ثلاثة مليارات دولار، حيث تقدر ميزانية دعم السلع الغذائية بأكثر من 210 ملايين دولار شهريا، ويؤمن المصرف المركزي نحو 85% من دعم السلع الأساسية، إذ يستورد لبنان أكثر من 80% من احتياجاته الأساسية من الخارج، لذا كان من الطبيعي أن تقفز أسعار السلع بأكثر من 50% منذ أكتوبر 2019، بداية احتدام الأزمة المالية في لبنان، وانهيار سعر صرف الليرة في السوق السوداء.

وشهدنا كيف انفجر الشارع غضبا في يوليو الماضي إثر قرار الحكومة برفع سعر رغيف الخبر المدعوم إلى 2000 ليرة، لتتبعه قائمة طويلة من السلع الأساسية ارتفعت أسعارها بنسب تتراوح بين 50% إلى 146%، في وقت يعيش فيه قرابة نصف سكان لبنان تحت خط الفقر، بحسب تقديرات البنك الدولي.  

أمام هذا المشهد وقفت حكومة حسان دياب عاجزة عن ضبط المعابر الحدودية أو عن وقف نزيف الليرة أمام الدولار وإطلاق خطة إصلاح اقتصادي، مثقلة بعدة عوامل تجعل البلد ككل “محلك سر” أهمها على الإطلاق عدم الاستقرار السياسي والانقسامات الطائفية وملف السلاح المنفلت وتحديدا سلاح حزب الله الذي يطل برأسه من وقت لأخر ليربك المشهد ويعيد البلد إلى المربع “صفر”، وإن لم يفعل هو تأخذ باقي القوى السياسية زمام المبادرة لا لشيء سوى الصراع على النفوذ والسلطة في بلد “فاشل” ماليا وسياسيا، مثقل بديون خارجية تتجاوز الـ92 مليار دولار.. وإن كان المشهد الآن في الشارع يلح بضرورة ولادة الحكومة العتيدة للخروج من دائرة تصريف الأعمال فإن المشهد في أروقة بعبدا وبيت الوسط والضاحية وعين التينة لا يبحث سوى عن المصالح التي يجب أن تتصالح أولا لتخرج حكومة الحريري للنور لعلها تؤمن هدنة جديدة لشعب أنهكته الحروب وصرعات زعماء الطوائف.  

557cbb08 cd4d 42b6 bc3a d5b11c5942c0

ربما يعجبك أيضا