من جديد.. أردوغان يطيح بمحافظ المركزي التركي ويثير الجدل

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

من جديد عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التدخل بشكل مباشر للحد من استقلالية المصرف المركزي في رسم السياسات النقدية بالبلاد، فقرر على نحو صادم إقالة محافظه ناجي إغبال، بعد أقل من خمسة أشهر فقط من تعيينه، وبعد أقل من 48 ساعة من قرار “المركزي” الخاص برفع أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس، في خطوة ساهمت في عودة العملة الوطنية إلى المنطقة الخضراء بعد رحلة انهيار دراماتيكي طوال 2020 خسرت فيها أكثر من 40% من قيمتها.

رابع محافظ لـ”المركزي” في أقل من عامين

وقالت الصحف الرسمية في تركيا إن أردوغان أعفى ناجي إغبال – قبل نهاية ولايته التي مدتها أربعة أعوام- من رئاسة البنك المركزي، وعيّن محله الاقتصادي شهاب كافجي أوغلو وهو عضو سابق في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية “الحاكم”.

كان الرئيس التركي عين إغبال في السابع من نوفمبر الماضي محافظا للبنك المركزي، ضمن خطة “علاجات صعبة” وعد بها لإصلاح الوضع الاقتصادي، عقب هبوط قياسي لليرة أمام الدولار وصل إلى أكثر من8%، وقال وقتها إن رفع سعر الفائدة 475 نقطة هو “علاج مرّ” يهدف إلى خفض التضخم، القابع عند نحو 12 في المئة في معظم فترات 2020، مضيفا هدفنا الحقيقي أن نخفّض التضخم في أقرب وقت ممكن، وأن نضمن أن أسعار الفائدة ستنخفض بما يتماشى مع ذلك.

وقبل إغبال، أقال أردوغان مراد أويصال في نوفمبر الماضي، بعد 16 شهرا على تعيينه خلفا لـ “تشيتن كايا” – الذي أقيل في يوليو 2019 قبل نهاية ولايته أيضا-، وكانت إقالة أويصال أيضا عقب قرار برفع أسعار الفائدة من 8.25% إلى 10.25%، وهي الزيادة الأولى منذ 2018، ليصبح اليوم “كافجي أوغلو” هو رابع محافظ للبنك المركزي منذ 2019.  

يوم الخميس الماضي، رفع المركزي التركي سعر الفائدة 200 نقطة أساس من 17 % إلى 19%، وهي نسبة فاقت التوقعات ودفعت الليرة للارتفاع إلى أعلى مستوى في أسبوعين خلال تعاملات الخميس، لغلق عند مستويات 7.3 ليرة للدولار.

وجاء قرار “المركزي” عقب اجتماع عقدته لجنة السياسة النقدية في أنقرة، وأوضح إغبال – في متن بيان الإعلان عن القرار- أنه يريد مواجهة التضخم الذي ارتفع بنسبة 15,6% في فبراير الماضي.

وكان “المركزي” قرر في ديسمبر الماضي، رفع أسعار الفائدة من 15% إلى 17%، أي أن إغبال رفع سعر الفائدة منذ تعيينه في بنحو 875 نقطة أساس، ما يعني أنه تجاوز سقف علاج أردوغان  المر “475 نقطة” وبكثير، ما يفسر قرار الإقالة العاجل.

دائما ما يتسبب الرئيس التركي بمثل هذه التصرفات في إثارة قلق الأسواق المحلية والعالمية بشأن استقلالية المصرف المركزي والمؤسسات الاقتصادية في تركيا بشكل عام، وهو أمر بلاده في غنى عنه في هذه اللحظات الحاسمة التي يواجه فيها الاقتصاد صعوبات غير مسبوقة مع معدلات مرتفعة من التضخم، وانهيار مستمر في قيمة العملة الوطنية، ناهيك عن العقوبات المتعلقة بصفقة شراء منظومة أس-400 الصاروخية الروسية والضغوط التي تفرضها جائحة كورونا والتي تجعل التعافي الاقتصادي صعب المنال.

أسعار الفائدة “كلمة السر”

يعتبر أردوغان رفع أسعار الفائدة عملا شيطانيا وعلاجا مرا لا يحبذ اللجوء إليه، ودائما ما سعى للضغط على “المركزي” لخفض أسعار الفائدة، معتقدا أن ذلك سيدفع عجلة النمو الاقتصادي ويعالج التضخم وينقذ الليرة، ونذكر كيف قاد في 2018 حملة شرسة لتعزيز قبضته على السياسة المالية بالبلاد، كان من نتائجها إطلاق يده فيما يتعلق بتعيين محافظ المركزي وأعضاء لجنة السياسة النقدية، وتعين صهره البيرق وزيرا للمالية.

طوال الأشهر القليلة الماضية نجح إغبال أو “إقبال” في رفع أسعار الفائدة كما قلنا، والسيطرة بعض الشيء على التضخم ومعالجة مخاوف الاقتصاديين بشأن استقلالية قرارات “المركزي”، لكن هذا تبخر بقرار مفاجئ من أردوغان الذي سبق وأن هدد العام الماضي بالإطاحة بأي شخص يحاول معارضة سياساته الاقتصادية.

تجدر الإشارة هنا إلى أن خطة “العلاجات الصعبة” التي جاءت بـ”إقبال” على رأس المركزي التركي، نجحت فعلا في دعم الليرة ودفعتها في نهاية العام الماضي للاسترداد جزء من خسائرها مقابل الدولار.

وعندما رفع محافظ المركزي الأسبق “أويصال” في سبتمبر الماضي أسعار الفائدة لأول مرة منذ أغسطس 2018، اعتبر المحللون أن تركيا بدأت تتحرك في الاتجاه الصحيح، وقال بير هامرلوند، كبير المحللين الاستراتيجيين للأسواق الناشئة في بنك “نورديك بنك إس إي بي” – في تصريح لـ”بلومبيرج”- هذه تحمل إشارة بأن الأتراك يشعرون بالقلق من المستوى الذي وصلت إليه العملة المحلية وأنه لا مفر من التحرك لإنقاذها ولاحتواء التضخم.

خلال 2018 سجل الاقتصاد التركي ولأول مرة منذ 10 سنوات العام الماضي تراجعًا بنحو 2.5%، وفي سبتمبر الماضي قالت وكالة التصنيف الائتماني “موديز” إن الاقتصاد التركي تراجع أكثر من 25 عامًا إلى الوراء، نتيجة فشل الحكومة في إخراج الليرة من دوامة الانهيار، متوقعة أن ترتفع نسبة عبء الديون إلى 42% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2021، بفعل تراجع قيمة الليرة وعجز الميزانية.

يتفق المحللون على أن المركزي التركي في حاجة إلى رفع أسعار الفائدة لمرات عدة في المستقبل القريب، لأنه مع أخذ التضخم بعين الاعتبار ما زالت أسعار الفائدة الحقيقية “سلبية”، ما يعني أن المركزي سيحتاج إلى بذل المزيد من الجهد لدعم العملة وإعادة ثقة المدخرين فيها، وكذلك إعادة بناء مصداقيته داخليا وخارجيا.. لكن هل سيسمح أردوغان بذلك، ويترك صناع السياسة النقدية يعالجون الأمور على طريقتهم الخاصة لترويض التضخم وإنقاذ العملة الوطنية أم أنه سيواصل الدفاع عن “أسعار الفائدة المنخفضة” بصرف النظر عن وضع الاقتصاد العام ومعدلات التضخم؟.  

ربما يعجبك أيضا