معضلة بايدن في أفغانستان.. تأجيل ذو عواقب وانسحاب يهدد بالمخاطر

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

معضلة جديدة تواجه إدارة بايدن حول إمكانية تنفيذ اتفاق انسحاب القوات الأمريكية في أفغانستان في الأول من مايو المقبل، في ضوء زحف حركة طالبان الأراضي الأفغانية  ما ينذر بقرب سقوط القوات النظامية في معركتها مع الحركة،، فما بين تلويح الإدارة الأمريكية بتأجيل خطة الانسحاب وبين تهديدات طالبان تواجه خطة السلام المرتقبة اضطرابًا قد يلقي بظلاله على سياسات بايدن الخارجية.

زحف طالبان

وفقا لتقرير تناولته صحيفة “التليغراف البريطانية” فقد شهدت الفترة الأخيرة سيطرة حركة طالبان على حي ألمار في محافظة فارياب، ما وضع القوات الحكومية في حالة مزرية بعد حصار استمر لأسابيع أدى في نهاية المطاف لسقوط الحي في أيدي الحركة بعد خسائر طالت القوات النظامية.

ويرجح هذا المشهد أن هناك معضلة تواجه الرئيس الأمريكي جو بايدن، مع كل تقدم يحرزه مقاتلو طالبان وكل منطقة يسيطرون عليها في المرحلة الراهنة في أفغانستان، وذلك أثناء صراعه من أجل إنهاء أطول حرب تخوضها بلاده في تاريخها.

وفي خضم الحديث عن احتمالية تأجيل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، هددت حركة “طالبان” الأفغانية بـ”عواقب” إذا لم تسحب الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان بحلول الأول من مايو المقبل.

من جهته، أشار المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد إلى أنه “يتحتم على الرئيس الأمريكي جو بايدن أن يقرر ما إذا كان يلتزم أم لا بسحب ما تبقى من القوات الأمريكية في أفغانستان خلال المهلة المنصوص عليها في الاتفاق الموقع مع المتمردين في فبراير 2020 في الدوحة”.

يذكر أن الولايات المتحدة وحركة “طالبان” اتفقتا في عام 2020 على انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان مقابل ضمانات الحركة بأن أراضي أفغانستان لن تستخدم لمهاجمة المصالح الأمريكية أو حلفاء الولايات المتحدة.

وتعاني أفغانستان حرباً منذ عام 2001، حين أطاح تحالف عسكري دولي تقوده واشنطن بحكم “طالبان”، لارتباطها آنذاك بتنظيم القاعدة، الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر من العام نفسه في الولايات المتحدة.

خيارات بايدن

وقبي الموعد المحدد للانسحاب الأمريكي في الأول من مايو المقبل، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في مقابلة أجرتها معه شبكة “إيه بي سي” الأمريكية، إن “سحب الجنود ضمن المهلة المتفق عليها يمكن أن يحدث لكنه صعب”، منتقدا الاتفاق الذي توصل إليه سلفه دونالد ترامب مع المتمردين.

وأضاف: “أنا بصدد اتخاذ قرار بشأن موعد مغادرتهم”، موضحًا أنه سيعلن عنه قريبًا بعد التشاور مع حلفاء واشنطن والحكومة الأفغانية.

يأتي ذلك في وقت تحظى فيه حركة طالبان بوجود وقبول في أغلب المناطق الريفية مثل حي ألمار نظرا للكراهية التي يحملها أبناء تلك المناطق للحكومة الأفغانية بسبب الفساد المستشري في أداء الحكومة، وسط مخاوف من تدهور الأوضاع الأمني في أفغانستان عقب الانسحاب الأمريكي.

ويبقى أمام الرئيس الأمريكي جو بايدن خيارين كلاهما مُر في الوقت الراهن؛ الأول هو أن يأمر بتنفيذ الانسحاب الأمريكي من الأراضي الأفغانية في الموعد المحدد لذلك، وفقا لاتفاق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مما قد يمنح طالبان الفرصة في الاستحواذ والسيطرة على المزيد المناطق وكسب المزيد من الأرض.

أما الخيار الثاني فيتضمن الإبقاء على القوات الأمريكية لدعم القوات الحكومية أو جيش أفغانستان حتى يحدث ما يؤدي إلى إحياء محادثات السلام بين الجانبين، مما يهدد بانهيار اتفاق ترامب لسحب القوات الأمريكية في الأول من مايو المقبل، ومن ثَمَ  قد يزيد من احتمالات تجدد الهجمات من قبل حركة طالبان.

وبحسب ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست”، فهناك مخاطر من رحيل الولايات المتحدة المبكر والتي قد تؤدي بدورها إلى وزيادة احتمال وقوع هجمات إرهابية تستهدف الولايات المتحدة، وقلب التطورات التي تحققت بشق الأنفس في مجال حقوق الإنسان، وفق الصحيفة.

مخاوف أمنية

لا شك أنه في ظل هجمات طالبان واستحواذها على العديد من المناطق والأراضي، هناك مخاوف حيال تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان حال انسحاب القوات الأمريكية من البلاد في الأول من مايو المقبل.

وفي هذا السياق، قال الجنرال كينيث ماكينزي، القائد الأعلى للقوات الأمريكية: “إذا تم الانسحاب دون التوصل إلى اتفاق مع طالبان، أعتقد أن القوات الحكومية سوف تواجه قتالا شرسًا جدا من أجل الحفاظ على ما تسيطر عليه من أراضي”، وهو ما يعبر عنه النهج السلبي الذي بدأ القادة العسكريون الأمريكيون التحدث به عن القوات الأفغانية بعد سنوات من الحديث بتفاؤل وإيجابية عن مستقبليات جيش أفغانستان.

وحذر أنتوني بلنكين، وزير الخارجية الأمريكي، الرئيس الأفغاني أشرف غني من أنه حتى مع استمرار تمويل الولايات المتحدة للجيش الأفغاني، فبدون وجود القوات الأمريكية “قد يشهد الموقف الأمني المزيد من التدهور وقد تكسب طالبان المزيد من الأرض بسرعة أكبر”.

ومع تراجع عدد القوات الأفغانية وإغلاق عدد كبير من القواعد العسكرية، وتراجع حجم القوات الأمريكية علاوة على تضاؤل جهود المخابرات والمراقبة، أدى ذلك إلى تحول جنرالات أفغانستان إلى الاعتماد بصفة أساسية على القوات الخاصة الأفغانية التي بدأت تتحمل أكثر من طاقتها في الوقت الراهن.

ومن ثم فإن تعهد بايدن بإنهاء الحروب الأبدية في أفغانستان وفي الشرق الأوسط، يثير تساؤلاً حول مدى القدرة على الخروج من هناك دون وقف العمليات الحيوية لمحاربة الإرهاب.

ففي حالة الانسحاب الكامل سيضعف معنويات القوات الأفغانية، كما يثير مخاوف من استفادوا في مجال حقوق الإنسان في ظل الحماية الأمريكية، كما سيقوض موقف حلفاء واشنطن، ويقوي خصومها في المنطقة.

ويبقى أمام بايدن العمل على تأجيل الانسحاب من أفغانستان، تحت بند مراجعة واسعة للاستراتيجية الأمريكية لمواجهة الإرهاب، وهو الخيار الذي سيعطي الإدارة فسحة من الوقت، للتفكير في كل عواقب الانسحاب من أفغانستان، وكذلك الانسحاب المستقبلي من كل من سوريا والعراق، وغيرهما من الأماكن.

ربما يعجبك أيضا