فصل جديد من معركة واشنطن ضد «هواوي».. وكندا متهمة بـ«التواطؤ»

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

خلال الأيام القليلة الماضية أخذت المواجهة بين شركة هواوي الصينية والإدارة الأمريكية الممتدة منذ أكثر من ثلاثة أعوام بعدا جديدا، سواء باتهام مديرتها المالية “مينغ وانتشو” للقضاء الكندي بإتلاف أدلة كانت تعتزم استخدامها لعرقلة إجراءات تسليمها إلى الولايات المتحدة، أو بتصنيف هيئة الاتصالات الفدرالية الأمريكية للعملاقة الصينية ضمن 5 شركات تشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي.

كندا متهمة بالتواطؤ وإتلاف أدلة

وتتهم المديرة المالية لـ”هواوي” مينغ وانتشو القضاء الكندي بالتواطؤ مع الأجهزة الأمنية الأمريكية، عبر محو رسائل ونصوص من كمبيوتر ضابط شرطة سابق شارك في عملية اعتقالها في ديسمبر 2018 في مدينة فانكوفر الكندية، بطلب من السلطات الأمريكية حيث تتهمها بالالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران من خلال الكذب على مصرف “إتش إس بي سي عام 2013 بشأن علاقة “هواوي” الأم، بشركة “سكاي كوم” التابعة لها والتي كانت تقوم ببيع معدات الاتصالات إلى إيران.

وهذه الاتهامات التي يروج لها فريق الدفاع عن “وانتشو” منذ أشهر هدفها الأساسي هو إثبات انتهاك الشرطة الكندية لحقوق موكلتهم خلال عملية الاعتقال، بما يعرقل الإجراءات القانونية لتسليمها إلى واشنطن التي يتوقع أن تنتهي الجلسات المتعلقة بها في منتصف مايو.

وقال محامو “مينغ” منذ يومين – في وثائق جديدة جرى تقديمها إلى هيئة محكمة فانكوفر المعنية بالنظر في طعن مديرة “هواوي” على قرار اعتقالها-  إن كندا انتهكت حقوق موكلتهم عبر محو رسائل البريد الإلكتروني ونصوص ووثائق من كمبيوتر الضابط “بين تشانغ” الذي شارك في توقيف مينغ عام 2018، وذلك بعد مغادرته الشرطة الفيدرالية الكندية في 2019.

ويتهم محامو مينغ الضابط “تشانغ” بإرسال رسائل إلكترونية إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي تتضمن بشكل غير قانوني كلمات المرور لكل الأجهزة الإلكترونية التي تمت مصادرتها في المطار عند توقيف موكلتهم، لكن ممثل الادعاء نفى ذلك وقال في وثيقة رسمية: ليس هناك أي دليل على أن الشرطة الفيدرالية الكندية ووكالة أجهزة الحدود الكندية دمرت الأدلة بشكل منهجي متعمد.

من جانبه نفى أيضا الضابط السابق “تشانغ” – والذي أدلى نهاية الأسبوع الماضي بشهادته تحت القسم- أن يكون نقل هذه المعلومات السرية إلى جهاز الـ” أف بي آي” الأمريكي، لكنه أثار الجدل عندما رفض المثول شخصياً كشاهد أمام محكمة فانكوفر، ما اعتبره محامو مينغ موقفا لا يمكن الدفاع عنه ويثبت حقيقة اتهاماتهم للضابط الكندي.

وأكدت منى دوكيت، المحامية في هيئة الدفاع عن مينغ، أن رجال الجمارك والشرطة الكنديين ليس لديهم مبرر قانوني للحصول على كلمات مرور الأجهزة الإلكترونية الخاصة بمينغ، مضيفة “تأكدنا أنهم فعلوا ذلك بشكل غير قانوني للسماح لمكتب التحقيقات الفيدرالي بجمع معلومات يمكن أن تدين موكلتنا، وهذا العمل غير القانوني يؤدي إلى إلغاء القضية برمتها، ووقف إجراءات تسليم مينغ إلى واشنطن”.

خلال العام الماضي، رفض القضاء الكندي طلبا لمحاميي “مينغ” بالحصول على وثائق يقولون إنها تفضح مؤامرة بين السلطات الكندية والأمريكية أسفرت عن استجواب موكلتهم على مدى ساعات في المطار من دون إبلاغها قبل توقيفها رسميا، الأمر الذي شكّل انتهاكا لحقوقها.

Meng Wanzhou AFP

هواوي وشقيقاتها تهددن الأمن القومي الأمريكي

من غير المستبعد أن تكون كندا بالفعل متواطئة مع الأجهزة الأمنية الأمريكية من أجل الانتهاء إلى تسليم “مينغ” إلى واشنطن مايو المقبل، لكن الأمر لا يتعلق بـ”مينغ” كشخص أو حتى بانتهاك العقوبات الأمريكية على إيران بمقدر ما يتعلق بمعركة الحرب التجارية مع بكين والتي أشعل نيرانها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ويبدو أن إدارة جو بايدن –حديثة العهد- لن تكتب نهايتها قريبا.

 منتصف الشهر الجاري، صنفت هيئة الاتصالات الأمريكية “هواوي” ضمن قائمة  تضم شركات صينية تعمل في قطاع الاتصالات قالت إنها تعتبرها “تهديدا للأمن القومي”.

وقالت جيسيكا روزنوورسيل رئيسة الهيئة – في بيان- إن الأمريكيين يعتمدون أكثر من أي وقت مضى على شبكاتنا من أجل العمل أو الدراسة أو الحصول على الرعاية الصحية، ويجب أن تكون لدينا ثقة في وجود اتصالات آمنة ومضمونة، مضيفة: “هواوي” تشكل “خطرا غير مقبول” على الأمن القومي، على غرار “زِد تي إي” و”هَيْتيرا كوميونيكيشنز” و”هانغتشو هيكفيجن ديجيتال تكنولوجي” و”داهوا تكنولوجي”.

خيبة أمل.. بايدن يسير على نهج ترامب

هذا القرار شكل خيبة أمل لشركة هواوي التي كانت تأمل في علاقة أفضل مع واشنطن تحت حكم بايدن، بعد أن عانت من سلسلة من العقوبات والقيود في عهد ترامب، فإلى جانب المطاردة القضائية لـ”مينغ” – ابنة مؤسس هواوي-، أصدرت وزارة العدل الأمريكية مطلع 2019 لائحة اتهامات يصل مجموعها إلى 23 اتهاما ضد هواوي والشركات التابعة لها، ومديرتها أبرزها يتعلق بسرقة الأسرار التجارية وانتهاك العقوبات على إيران، وفي مايو من العام نفسه أعلنت وزراة التجارة الأمريكية إضافة هواوي و70 شركة تابعة لها إلى قائمة سوداء لـ”الكيانات” الخاصة بها تحظر بموجبها حصول الشركات المملوكة لأجانب وتحديدا “الصينية” على التكنولوجيا الأمريكية بدون موافقة مسبقة من الحكومة، معللة ذلك بأن هذه الشركات قد تقوض الأمن القومي.

وفي منتصف أغسطس 2018، صدرت تشريعات تحظر على المؤسسات الحكومية بأمريكا وعدد من الدول الغربية اعتماد خدمات “هواوي”، و”زد تي إي”، وعدد من الشركات الصينية الآخرى، كما حظر الجيش الأمريكي شراء هواتف هواوي بدعوى تعريضها أفراد الجيش، ومعلوماتهم للخطر، وسبق وأن تحدثت الاستخبارات الأمريكية عن مخاوف تتعلق بالشركة وقدراتها على تسهيل عمليات التجسس الصيني بأمريكا.

من وجهة نظر واشنطن “هواوي” تحديدا باعتبارها عملاقة شبكات الجيل الخامس من شبكات الهاتف المحمول والأكثر اتساعا ونموا من بين الشركات الصينية – تعمل في نحو 170 دولة- تشكل تهديدا للأمن القومي، بما تملكه من قدرات تمكنها من السيطرة والتجسس على شبكات الاتصالات الحيوية بالعالم، وما يعزز هذه المخاوف الخلفية العسكرية لمؤسس الشركة رين تشنغ الضابط السابق في الجيش الصيني، وقانون المعلومات الوطني الصيني الصادر في عام 2017 والذي يلزم الهيئات والشركات العاملة بالبلاد بالتتعاون مع أجهزة الاستخبارات الوطنية.

بكين من جهتها نفت هذه المزاعم عدة مرات، و”هواوي” اقترحت سابقا فتح مختبرات التطوير الخاصة بها أمام مراقبين من بعض الدول الغربية بما فيها أمريكا، في خطوة تسعى من خلالها لتهدئة المخاوف بشأن المخاطر الأمنية لمنتجاتها، إلا أن هذا لم يجدِ نفعا ويبدو أن المعركة ستشهد فصولا جديدة، ربما يفهم قرار هيئة الاتصالات الأمريكية الأخير في إطارة مناورة تهدف فقط للحصول على تنازلات من بكين مع بدء إدارة بايدن في فتح باب المحادثات معها لنزع فتيل الحرب التجارية، أما الدخول المفاجئ للقضاء الكندي على خط “هواوي – واشنطن” فيمكنا فهمه إذا علمنا أن بكين اعتقلت بعد أيام من اعتقال “مينغ”  الدبلوماسي الكندي السابق مايكل كوفريغ والمستشار ورجل الأعمال الكندي مايكل سبافور ووجّهت إليهما تهمة التجسس، واليوم مثل كوفريغ أمام محكمة صينية وقبله بأيام مثل سبافور في جلسة مغلقة، ومن المنتظر خلال الفترة المقبلة أن يصدر الحكم ضدهما بالإدانة للوصول في نهاية المطاف إلى اتفاق دبلوماسي قد يفضي للإفراج عنهما مقابل السماح لـ”مينغ” بالعودة إلى وطنها.

564654554554

ربما يعجبك أيضا