لبنان.. المشهد الأخير للعونية السياسية

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

لاشك أن العونية السياسية فشلت فشلا ذريعا، وهي كتبت نهايتها بنفسها عندما تحالف الرئيس اللبناني في 6 فبراير 2006 بعد عودته من المنفى في فرنسا مع مليشيات إيران في لبنان، فيما عرف حينها باسم تفاهم “مار مخايل” نسبة لكنيسة مار مخايل، التي تقع في حارة حريك في بيروت، وترمز إلى التعايش بين المسيحيين والمسلمين في لبنان.

المذكّرة ناقشت خلالها الاختلافات والأهداف المشتركة للحزبين، بينها: الديمقراطية التوافقية، قانون انتخابي نسبي، علاقات لبنان الخارجية وآلية نزع سلاح حزب الله. إثر هذا التفاهم، تأسس تحالف بينهما، وأدّى إلى دعم عون لحزب الله في حرب 2006، وتبنّي حزب الله ترشيح عون في الانتخابات الرئاسية 2014–2016.

تلك المذكرة هي السبب الرئيسي في عرقلة الرئيس اللبناني ميشال عون تشكيل الرئيس المكلف سعد الحريري للحكومة اللبنانية، 18 لقاء بين عون والحريري انتهت كما انتهت كما اللقاءات السابقة، والجديد أن مسوى التلاسن زاد بشكل كبير، الشعب اللبناني يدفع ثمن ما يجري من مناكفات سياسية وخلافات بين القوى السياسية ومحاولات للهيمنة الإيرانية، والخشية أن لبنان على طريق نهايته الفوضى الشاملة، والعونية السياسية تتحمل ما يجري في لبنان اليوم من كوارث بكل كامل.

فشل الاجتماع نتيجة تعنت عون وتمسكه بالثلث المعطل، وقال الحريري، إن الرئيس عون أصر على أن يحظى حلفاؤه السياسيون بأغلبية مُعطلة في الحكومة، وأضاف: “أرسل لي عون، أمس، تشكيلة تتضمن ثلثا معطلا لفريقه وطلب مني أن أعينهم، ولكني لم أقبلها لأنها ضد الدستور، وخلال اجتماعي الأخير اتفقنا على اللقاء، إلا أنه للأسف أرسل لي أمس تشكيلة تتضمن ثلثاً معطلاً لفريقه وطلب مني أن أعينها”.

وأضاف: “أهدف إلى العمل على تفادي انهيار لبنان، وأبلغت الرئيس أنني أعتبر رسالته التي أرسلها لي أمس كأنها لم تكن وأبلغته أنني سأحتفظ بنسخة منها للتاريخ”، وتابع: “اللائحة التي أرسلها لي الرئيس غير مقبولة لأن الرئيس المكلف “مش شغلتو يعبي أوراق من حدا، ولأن رئيس الحكومة هو من يشكّلها ووضعتُ تشكيلتي بيده منذ 100 يوم، ومستعدّ لأيّ تعديلات، وسهّلتُ له الحل في “الداخلية” ولكنّه مصرّ على الثلث المعطل”، والجدير بالذكر أن عون تنتهي رئاسته عام 2022، وهو انتخب في 2016، ضمن صفقة سياسية أوصلت أيضا سعد الحريري لرئاسة الحكومة.

أسباب الفشل

الشيخ أحمد عمورة قال إن: الدستور اللبناني واتفاقيات الطائف والدوحة وقوى ٨ و١٤ آذار وإعلان بعبدا وتفاهم معراب والتسوية وحتى الثنائي، كلها لم تصمد كما صمد “تفاهم مار مخايل” الذي يملك حصانة تكاد تكون “فوق دستورية” ليس لأنه يحقق مصالح الطرفين فحسب بل لأنه “ورقة التوت” التي تغطي سوآتهما، ورئاسة “التيار العوني” لا تحمل مقومات “الشريك السياسي” بل موبقات “الخصم السياسي” غير النزيه، مما جعلها تمارس الكيدية للآخر: داخل البيئة المسيحية وخارجها، بل وللمعارضين داخل التيار والعائلة، وحتى التربّص بالحلفاء.

وأضاف: المسؤولون عن إنتاج “المأزق العوني” الرئيس أمين الجميل (ماروني): عندما سلّمه رئاسة الحكومة العسكرية ١٩٨٨، والسيد حسن نصر الله (شيعي): تفاهم مار مخايل ٢٠٠٦، والرئيس سعد الحريري (سني): التسوية الرئاسية ٢٠١٦، وختم بالقول:”لا حِكمة ولا حكومة، في عهد عِماد “العناد”.

الداخل اللبناني

ومنذ أسابيع عادت الاحتجاجات الشعبية إلى الشارع اللبناني بداية من طرابلس مرورا بصيدا وبيروت والبقاع وكافة المناطق اللبنانية بعدما تخطى الدولار الواحد، عتبة 14 ألف ليرة في السوق السوداء.

والدولة اللبنانية تعاني من حصار دولي ومن أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية، وجاءت تداعيات جائحة “كورونا” وانفجار مرفأ العاصمة بيروت، في 4 أغسطس/ آب الماضي، لتدخل الدولة اللبنانية نفق مظلم.

نهاية العونية السياسية

ما يجري اليوم هو أن عون وتياره يتجاوزون الدستور والاتفاقيات ، فبعد انتهاء الاحتلال الفرنسي، اتفق مسلمو ومسيحيو لبنان على “الميثاق الوطني”، وهو اتفاق غير مكتوب يتولى بموجبه الرئاسة مسيحي ماروني، مقابل أن يكون رئيس الوزراء مسلما سنيا، ورئيس البرلمان مسلما شيعيا.

إلا عون يريد تجاوز كل تلك الاتفاقيات بعدما رهن لبنان لإيران وحزبها في لبنان، فليس من حق عون أن يخير الحريري، بين الحضور إلى القصر الرئاسي من أجل تشكيل فوري للحكومة بالاتفاق معه أو التنحي عن المهمة المُكلف بها منذ 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عقب اعتذار مصطفى أديب عن عدم تشكيل الحكومة لتعثر مهمته.

وبالطبع رئيس الحكومة اللبنانية المكلف، سعد الحريري، رد بالمثل على تصريحات لرئيس الجمهورية، ميشال عون، بأن خَّيره بين تمرير التشكيلة الوزارية أو الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وأردف الحريري: “على الرئيس عون أن يختصر آلام اللبنانيين ومعاناتهم عبر إتاحة المجال أمام انتخابات رئاسية مبكرة، وهي الوسيلة الدستورية الوحيدة القادرة على إلغاء مفاعيل اختياره من قبل النواب لرئاسة الجمهورية قبل 5 أعوام، تماما كما اختاروني رئيسا مكلفا لتشكيل الحكومة قبل 5 أشهر”.

حتى جبران باسيل رئيس حزب “التيار الوطني الحر” في لبنان، أقر كذلك بأن النظام السياسي في بلاده “عجز عن قيادة الدولة والمجتمع”، وتحدث باسيل، عن وجود “انهيار كبير في المال والاقتصاد، وأزمة سقوط النظام بأخلاقياته السياسية وعجزه عن قيادة الدولة والمجتمع”، وأردف: “هذا السقوط يدفع الحزب إلى مراجعة عميقة لخياراته وممارساته”.

عون عطل تشكيل الحكومة لشهور لمجرد أن يريد الثلث المعطل ولم يهتم لحجم الانهيار السياسي والاقتصادي في لبنان، لم يأبه لانتشار الفقر وانهيار الليرة، بل وصل إلى ما لم يصل إليه رستم غزالي وغازي كنعان عندما حكموا لبنان من خلف الستار باسم الوصاية السورية.

ربما يعجبك أيضا