اتفاقية الـ25 عامًا.. صفقة إيرانية صينية بين الطموح والتنازلات

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

اتفاقية الـ25 عامًا تدخل حيز التنفيذ بين الصين وإيران، ظاهرها اتفاقيات اقتصادية واستثمارات مشتركة دون إيضاح صيغة رسمية لبنود الاتفاق، لكن باطنها بحسب التسريبات تشير لوجود تنازلات إيرانية من أجل كسب ود الحليف الصيني في مواجهة سياسة التطويق الأمريكية تزامنًا مع فرض العقوبات والعودة للاتفاق النووي.

اتفاقية الـ25 عامًا

توقع إيران والصين، اليوم السبت،اتفاقية تعاون تجاري واستراتيجي مدتها 25 عامًا، بحسب ما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده.

وأفاد خطيب زاده -في تصريح للتلفزيون الإيراني- أنّه سيتم توقيع “الوثيقة الشاملة للتعاون”، اليوم خلال زيارة لوزير الخارجية الصيني وانغ يي الذي وصل، أمس الجمعة، إلى طهران، مشيرًا إلى أن الاتفاقية تتضمن “خارطة طريق متكاملة وذات أبعاد اقتصادية وسياسية”.

وأوضح أن الاتفاقية تركز على “الأبعاد الاقتصادية التي تعد المحور الأساس لها ومشاركة إيران في مشروع “الحزام والطريق”، الخطة الصينية الضخمة لإقامة مشاريع بنى تحتية تعزز علاقات بكين التجارية مع آسيا وأوروبا وإفريقيا.

وأشار إلى أن مشروع الاتفاقية يعود إلى زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج إلى طهران في يناير 2016، حين قرر مع الرئيس الإيراني حسن روحاني تعزيز العلاقات بين البلدين.

وتعهد البلدان في ذلك الحين في بيان مشترك بـ”إجراء مفاوضات لإيجاد اتفاق تعاون موسع لمدة 25 سنة” ينص على “تعاون واستثمارات متبادلة في مختلف المجالات، ولاسيما النقل والموانئ والطاقة والصناعة والخدمات”. وسيتم توقيع الاتفاقية ظهرًا في وزارة الخارجية الإيرانية بين وانغ ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف.

ولم ترد أي معلومات رسمية عن تفاصيل الوثيقة، ولكن منتقدي ومعارضي النظام الإيراني انتقدوا الاتفاقية بشدة، واصفين إياها بـ”معاهدة تركمنشاي الجديدة”، في إشارة إلى معاهدة تركمنشاي بين روسيا القيصرية وإيران القاجارية في القرن التاسع عشر، تنازلت بموجبها إيران عن مناطق واسعة في القوقاز لصالح روسيا القيصرية.

بين مؤيد ومعارض

بحسب الخارجية الإيرانية، فإن الاتفاقية الموقعة السبت هي “خارطة طريق متكاملة” تتضمن مجالات مختلفة منها “السياسية والاستراتيجية والاقتصادية لـ25 عاما من التعاون بين إيران والصين”.

وبالنسبة إلى بكين، فهي جزء من مشروع “طرق الحرير الجديدة” الضخم للبنية التحتية الذي أطلقته بالتعاون مع أكثر من 130 بلدا.بالإضافة إلى “تطوير التعاون العسكري والدفاعي والأمني في مجالات التعليم والبحث والصناعة الدفاعية والتعاون في القضايا الاستراتيجية”.

ولا تزال المعاهدة الاستراتيجية لـ25 عامًا بين إيران والصين والتي وصفتها صحيفة “جوان” ذات التوجه الأصولي بأنها “ميثاق الأسد والتنين”، محاطة بالكثير من الإبهام ولا توجد وثيقة رسمية نهائية توضح بنودها.

وبسبب الاتفاقية انقسمت الآراء داخل إيران بشأنها بين من يعتبرها خطوة استراتيجية مهمة، وبين من يبدي تخوفًا من أن تحمل في طياتها تفريطًا بالمصالح الوطنية الإيرانية، ومن هنا جرى استعادة التذكير باتفاقيات ألحقت بإيران خسائر كبيرة على غرار معاهدتي “جلستان” و”تركمنجاي”.

في صيف 2019، نشرت مجلة بتروليوم إيكونوميست ومقرها لندن تفاصيل عن الوثيقة جاء فيها أن “الصين ستستثمر 280 مليار دولار في صناعة النفط والغاز و120 مليار دولار في صناعة النقل الإيرانية”.

وسيصاحب الاستثمار الصيني تخفيض في أسعار النفط الإيراني لفائدة الصين، كما ستمنح طهران الأولوية للصين في تنفيذ خطط التنمية في إيران.

بالإضافة إلى ذلك، ستسمح الوثيقة بتواجد 5000 من قوات الأمن الصينية على الأراضي الإيرانية.

وبحسب التقرير، ستتمتع الصين بخصم يصل إلى 32% على مشترياتها من النفط والغاز والمنتجات البتروكيماوية، مع تأخير السداد لمدة عامين.

تنازلات ربما تدفعنا لمعرفة واقع العلاقات الصينية الأمريكية أسباب التمسك بهذه الاتفاقية رغم مرور سنوات وتفشي وباء كورونا وتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.

العلاقات الصينية الإيرانية

وصلت مستويات العلاقات الصينية الإيرانية حدود الشراكة والتفاهم، وهو مستوى متقدمٌ وقوي من مستويات التنسيق والتشاور في العلاقات الدولية، وقد اتضح مدى تطور العلاقات، مع الرفض الصيني الرسمي لاستراتيجية الضغوط القصوى الأمريكية لتعديل سلوك النظام الإيراني؛ وذلك بدأ من رفض بكين للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، ثم رفض عودة العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران، وأخيرًا عدم تصفيرها واردات النفط الإيراني رغم العقوبات الأمريكية المشددة ضدّ إيران.

في البداية شابت العلاقات بين البلدين عوائق عدة ولكنها بدأت في الاتساع بعد زيارة نيكسون الشهيرة إلى الصين عام 1972.

ومع مطلع العام 1991، مارس العالم الغربي مزيدًا من الضغوط الاقتصادية والتجارية على الصين، وأسهم الموقف من الغرب في تقوية العلاقات بين الصين وإيران ووقَّع الطرفان عددًا من اتفاقيات التعاون عام 1996.

ومع عودة الملف النووي الإيراني إلى الواجهة عام 2003، تعاظمت الضغوط الأمريكية على هذا الصعيد سعيًا لجعل الصين منخرطة في مواجهة إيران، ولعب حجم التبادل التجاري الضخم للصين مع الولايات المتحدة الأمريكية (يبلغ نحو 648.2 مليار دولار) دورًا كبيرًا في ذلك.

بعد ذلك، انخرطت الصين في مفاوضات 5+1 مع إيران، وهي المفاوضات التي نتج عنها الاتفاق النووي عام 2015، وما زالت الصين تدعم الاتفاق، لكنها لم تستطع مقاومة الضغوط الأمريكية بشأن العقوبات، وانسحبت شركة الصين الوطنية على غرار شركة توتال الفرنسية من الاستثمار في سوق الطاقة الإيرانية، ضمن مشروع ضخم بمليارات الدولارات.

واليوم، يأتي الحديث عن توقيع الاتفاقية الاستراتيجية بين إيران والصين في فترة تشهد فيها علاقات كلا البلدين مع واشنطن توترًا ملحوظًا، وفي وقت تعاني فيه إيران من سطوة العقوبات وتعثر الاتفاق النووي ، ليأتي المشروع الاستراتيجي للصيت لتهيئة أرض صلبة لهذه العلاقات.

طموحات الصين وإيران

لدى إيران أسباب كثيرة تجعلها تسعى بشكل حثيث لمثل هذه الاتفاقية؛ فهي تعاني من العقوبات وانخفاض أسعار النفط، وتفشي وباء كورونا، وتعرضت لسلسلة من الانفجارات الغامضة كان أخطرها في مفاعل نطنز المحوري في البرنامج النووي الإيراني، ومن ثم فهي بحاجة لتعزيز آليات تماسكها أمام التصعيد الأمريكي.

في المقابل تدرك الصين أهمية إيران كحليفٍ تجاريٍ وسياسيٍ موثوقٍ في المنطقة الشرق أوسطية، لكن بنفس القدر تُدرك بكين أن انعدام الأمن في الخليج العربي حتمًا سيُعرِّض مصالحها للخطر من قِبل الولايات المتحدة في أكثر مِن منطقة، خاصةً في منطقة الخليج العربي الإستراتيجية والحيوية للصين.

ومن ثم يمكن القول: إن صفقة إيران مع الصين لن تكون صفقة سهلة، فالحديث عن معاهدة طويلة الأمد سيكون له تبعاته، ونجاح ذلك مرهون بقدرة إيران على ضبط قائمة أولوياتها بشأن ما تريده من الصين مقابل ما سوف تقدمه لدولة قوية وطامحة ولمدة 25 عاما.

ربما يعجبك أيضا