هل يشهد العالم حقبة الاستثمار الشره في بتكوين؟!

كتب – حسام عيد

بعدما كان بنك جولدمان ساكس أحد أبرز وأشهر البنوك العالمية، من أشد الرافضين في عام 2017 لعملة “بتكوين” الرقمية، وتأكيده مرارًا وتكرارًا بأنها لن تصلح أن تكون بديلًا للذهب، باعتبار أنها عملة غير مرئية يتم تداولها خارج نطاق الاقتصاد الرسمي وقنواته الشرعية، ما يثير الريبة والشكوك بشأنها، وبالتالي افتقادها للمصداقية في التعاملات حول العالم.

اليوم، حدث تحول كامل في نهج البنك تجاه العملات المشفرة، وفي مقدمتها “بتكوين”، بل واستقر على توسيع محافظة وأدواته الاستثمارية في تلك العملات، وكأنها عملات للمستقبل وملاذ آمن للتحوط ضد الأزمات رغم التقلبات الشديدة التي تشهدها، ففي خلال أيام معدودة تحقق قفزات قياسية غير مسبوقة، وفي يوم واحد قد تفقد نصف المكاسب التي حققتها في تلك الفترة الوجيزة، لذلك ستظل العملات وفق كبار خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال في العالم؛ أصول عالية المخاطر.

في التقرير التالي سنتعرض بالنقد والتحليل للأسباب التي دفعت جولدمان ساكس لتغيير موقفه الصارم بشأن العملات الرقمية، والتعاطي العربي والغربي مع تلك العملات، وهل بإمكاننا رؤيتها عملة لها مصداقية شرعية ويتم تداولها داخل الاقتصاد الرسمي في المستقبل القريب؟!.

الاقتراب من تجاوز حاجز الـ60 ألف دولار

خلال تعاملات يوم الإثنين 29 مارس 2021، تمكنت بتكوين من تسجيل قفزة نوعية جديدة لترتفع بما يصل إلى 4.5% وتبلغ 58.300 ألف دولار، مقتربة بذلك من ذروتها عند 61 ألفًا و100 دولار التي بلغتها في وقت سابق هذا الشهر.

كانت شركة فيزا قالت في وقت سابق إنها ستسمح باستخدام العملة المشفرة لتسوية عمليات على شبكتها للمدفوعات، وذلك في أحدث مؤشر على تنامي قبول العملات الرقمية من جانب القطاع المالي التقليدي.

وكان سعر بتكوين انخفض بحوالي 9000 دولار عن الرقم القياسي الذي حققته العملة المشفرة في وقت سابق في مارس. لكن سعر بتكوين ظل أعلى بنسبة 700% خلال العام الماضي، واستحوذ عام 2021 حتى الآن على مكاسب تجاوزت الـ400% في قيمة العملة الرقمية الأبرز والأكثر تداولًا حول العالم.

وتأثرت بتكوين في الفترة الماضية بسلسلة من التغريدات من الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، إيلون ماسك، أعلن فيها أن صانع السيارات سيقبل الأصل الرقمي كعملة شراء لسيارات تسلا في الولايات المتحدة.

البنوك الأمريكية.. وحقبة الاستثمار الشره في بتكوين

يقترب “جولدمان ساكس” من توفير أول أداة استثمارية للبتكوين وغيرها من الأصول الرقمية لعملاء مجموعة إدارة الثروة، وفقًا لما ذكرته “سي إن بي سي”.

ووفقًا لما ذكرته “ماري ريتش” التي تولت مؤخرًا منصب الرئيس العالمي للأصول الرقمية لدى أعمال البنك لإدارة الثروات الخاصة، فإن “جولدمان ساكس” يهدف إلى البدء في تقديم استثمارات في فئة الأصول الناشئة خلال الربع الثاني.

وقالت ريتش إن جولدمان تبحث في نهاية المطاف عن تقديم “مجموعة كاملة” من الاستثمارات في بتكوين والأصول الرقمية ، “سواء كان ذلك من خلال عملات بتكوين أو المشتقات أو أدوات الاستثمار التقليدية.

وتعني هذه الخطوة أنه قريبًا، سيتمكن عملاء اثنين من البنوك الاستثمارية البارزة في العالم جولدمان ساكس ومورجان ستانلي من الوصول إلى فئة الأصول الناشئة التي أثارت اهتمام المليارديرات والمؤمنين بالعملة الرقمية على حد سواء.

وفي وقت سابق من شهر مارس، أخبرمورجان ستانلي  مستشاريه الماليين أنه يمكنهم وضع العملاء في صناديق بتكوين بدءًا من أبريل.

حذر غربي وعربي

رغم كل تلك المكاسب الهائلة والقفزات المتتالية وإقبال بنوك كبرى على العملات الرقمية؛ إلا أن هناك مخاوف وشكوكًا عديدة تحيط بها، فالبعض يعتبرها وسيلة غير شرعية في سوق خفي لاتمام معاملات مريبة بعيدة عن الرقابة المصرفية الرسمية للحكومات، كما أنها تسمح بتدفق أموال طائلة خارج قنوات الاقتصاد الرسمي، ما يعني أن هناك معاملات تقع تحت نطاق الجريمة المنظمة وغسيل الأموال.

وفي تعليقات من بنك أوف أمريكا خلال الأسبوع الأخير من مارس 2021، قال محللي البنك إن تقلبات بتكوين تجعلها وجهة ضعيفة كمخزن للقيمة.

وأشار البنك إلى أن بتكوين أصبحت مرتبطة بأصول المخاطرة، وليست مرتبطة بالتضخم، وتظل ذات طبيعة متقلبة استثنائية، بما يجعلها أداة غير منطقة لحفظ الثروة أو ميكانيكية الدفع.

ومن بين 246 دولة هناك 99 دولة و40% من دول العالم ليست لديها قوانين مُقيدة للبتكوين. بينما نحو 17 دولة (7% من دول العالم) تتعامل مع البيتكوين باعتبارها عملة غير قانونية.

وفي مصر، شدد البنك المركزي على حظر الإتجار في العملات الرقمية أو الترويج لها أو إنشاء أو تشغيل منصات لتداولها أو تنفيذ الأنشطة المتعلقة بها، وذلك لما في تعاملاتها من مخاطر مرتفعة بسبب تقلباتها الشديدة، كما أنها تفتقد للدعم الحكومي الرسمي.

وبدورها، حرمت دار الإفتاء التعامل بتلك العملة بيعًا وشراءً، وذلك بعد البحث المستفيض، ورجوعها لخبراء الاقتصاد والأطراف ذات الصلة بمسألة العملات الإلكترونية خاصة “البتكوين”.

مستقبل الاقتصاد العالمي.. ربما!

الفضاء الإلكتروني أصبح عالمي المفهوم لا حدود تحكمه، وربما تكون العملات الرقمية والتكنولوجيا القائمة عليها “بلوك تشين” هي ركيزة مرنة ومتجددة بمستقبل العلاقات الاقتصادية حول العالم، لكن ذلك في حال تعميم تلك التكنولوجيا. الأمر الذي يعني إمكانية تبني النظام الاقتصادي العالمي الذي دخل مرحلة إعادة التهيئة والتأسيس بعد التداعيات العاصفة لجائحة كوفيد-19 وما فرضته من متغيرات باتت في حاجة ملحة لتعامل جديد، العملات الرقمية، كـ؛ البتكوين، وتحويلها إلى عملة محكمة كالذهب.

لكن تبقى للعملات الرقمية الحالية مخاطر جمّة تهدد وجودها، منها السياسات النقدية العالمية، فهي اليوم بمثابة أداة تغرق الأسواق بالسيولة النقدية والتي تستفيد منها البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار التي غالبا ما تبحث عن عوائد كبيرة، فتجد العملات الرقمية ضالتها، وكذلك التقلبات الحادة في الأسعار التي غالبا ما تتخطى 100% سنويا، لكن في حد ذاتها محفز فائق الخطورة قادر على إلحاق الخسائر الهائلة بحاملها.

وختامًا، يمكن القول؛ إنه ربما تواصل بتكوين “تقلبها الشديد” على المدى القصير، لكن قد يحدث توافق حول مستقبلها في الأعوام القادمة، وهو الأمر الذي سيصبح بمثابة النقطة الفارقة في أفق الاقتصاد العالمي حال تحقق ذلك!.

ربما يعجبك أيضا