في بريطانيا.. كورونا يضغط على الاقتصاد ويحاصر رئيس الوزراء

ولاء عدلان

إعداد – ولاء عدلان

بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الإغلاق الوطني الثالث، بدأت بريطانيا، الإثنين الماضي، المرحلة الأولى من تخفيف القيود المفروضة لاحتواء تفشي فيروس كورونا، لكن رئيس الوزراء بوريس جونسون دعا المواطنين إلى توخي الحذر، وسط توقع خبراء الصحة لزيادة جديدة في أعداد المصابين بالفيروس مع دخول تخفيف القيود حيز التنفيذ، وذكر بأن غالبية إجراءات الإغلاق ستكون مستمرة حتى 21 يونيو المقبل.

 تخفيف للقيود ولكن

 اعتبارا من 29 مارس، أصبح في إمكان الأسر البريطانية الالتقاء في الهواء الطلق مع الحفاظ على تدابير التباعد الاجتماعي، وأيضا بات في إمكانهم التمتع بأداء الأنشطة الرياضية والترفيهية في الملاعب المفتوحة وحمامات السباحة الخارجية، وجرى أيضا استئناف أنشطة الرياضة الجماعية.

وبهذه المناسبة قال جونسون – في كلمة للمواطنين- يجب أن نستمر في توخي الحذر مع ارتفاع الحالات في جميع أنحاء أوروبا والمتغيرات الجديدة التي تهدد عمليات توزيع اللقاحات، فعلى الرغم من تسهيلات اليوم، يتعين على الجميع الاستمرار في الالتزام بالقواعد وتذكر أن قواعد اليدين والوجه والتباعد والتقدم للحصول على اللقاح جميعها مهمة.

وسبق أن حذر رئيس الوزراء في منتصف مارس المنصرم، من أن آثار تفشي الموجة الثالثة من كورونا في أوروبا ستصل إلى بريطانيا وأن الفترة المقبلة قد تشهد زيادة في أعداد الإصابات مرة أخرى.

بالأمس، سجلت بريطانيا تراجعا في أعداد الوفيات الناجمة عن الوباء للمرة الأولى منذ أكتوبر2020، حيث أعلنت عن وفاة 43 حالة فقط من المرضى ورصد 4052 إصابة جديدة خلال يوم واحد، ما رفع إجمالي الإصابات إلى 4345788،  بينها 126713 وفاة، تجدر الإشارة هنا إلى أن بريطانيا كانت أول بلد أوروبي يتجاوز عتبة الـ100 ألف حالة وفاة في يناير الماضي.

جونسون كما دونالد ترامب في أمريكا، كان دائم التقليل من حجم أزمة كورونا في بداية الأمر، ولم يعلن الإغلاق العام إلا في وقت متأخر -وبعد أن بات المرض متفشيا داخل بلاده- كان ذلك في منتصف مارس 2020، والآن وبعد عام من إجراءات إغلاق متتالية يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني بات أكثر دقة في تعامله مع الأزمة.

الآن تتوخى حكومة جونسون الحذر في التعامل مع كل ما يتعلق بـ”كورونا”، وتبذل قصارى جهدها لتوفير اللقاحات، وحتى اللحظة هناك أكثر من 30 مليون بريطانيا تم تلقيحهم ضد كورونا وتستعد البلاد لوصول الشحنة الأولى من لقاح موديرنا خلال الأيام المقبلة، لينضم إلى لقاح أسترازينيكا، لتسريع وتيرة حملة التطعيم الوطنية، وبحسب دراسة أجراها مكتب الإحصاءات الوطنية، نصف سكان المملكة المتحدة تكونت لديهم أجسام مضادة للفيروس سواء نتيجة إصابتهم به أو تطعيمهم ضده.

الإغلاق.. خسائر فادحة

خلال 2020 سجل الاقتصاد البريطاني تحت وطأة كورونا أكبر تراجع منذ 300 عام، حيث انكمش  بنسبة تجاوزت الـ9%، وتشير التقديرات حاليا إلى أنه يتجه لتسجيل انكماش جديد خلال النصف الأول من 2021 بسبب تأثيرات الإغلاق الوطني الثالث.

مقارنة بغيره من اقتصادات أوروبا، كان الاقتصاد البريطاني الأكثر تأثرا بكوفيد -19، حيث انكمش قطاع الخدمات -الذي يمثل حوالي 80٪ من اقتصاد المملكة المتحدة- بنسبة 8,9٪ خلال 2020، وتراجع قطاعا التصنيع والبناء بـ 8,6٪ و12,5٪، على التوالي.

ووفقا لدراسة محلية أجراها مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال في لندن ونشرتها صحيفة “الجارديان” يوم 22 مارس، كلفت عمليات الإغلاق منذ قرار الإغلاق الوطني الأول في مارس 2020 وحتى مارس 2021، الاقتصاد البريطاني نحو 251 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل الناتج السنوي الكامل لجنوب شرق إنجلترا.

يقوم سام ميلي خبير اقتصادي لـ”الجارديان”: إن الدراسة قارنت التوقعات الخاصة بالنمو قبل قرار الحكومة بالدخول في الإغلاق الأول، بما وصلت إليه الأوضاع بعد عام من “كورونا”، ووجدت أن  الخسائر تفوق الـ250 مليار جنيه إسترليني، فالشركات ما زالت مغلقة وهناك تراجع في الطلب والاستهلاك وزيادة في نسب البطالة هذه العوامل من بين عوامل أخرى لا حصر لها، أدت إلى تكلفة باهظة لاقتصاد المملكة المتحدة، بالإضافة إلى التكلفة المدمرة للآلاف من الأرواح المفقودة.

أفادت الدراسة بأنه من حيث القيمة المطلقة كانت العاصمة لندن هي الأعلى في الخسائر، حيث قدرت خسائرها جراء الإغلاق والأنشطة المفقودة بنحو 51.4 مليار جنيه إسترليني، يليها جنوب شرق إنجلترا ومنطقة شرق البلاد، بخسائر بلغت 34.7 مليار جنيه إسترليني و26.6 مليار جنيه إسترليني على التوالي.

فضائح عقود كورونا تلاحق جونسون

على الرغم من محاولة جونسون المضنية لإدارة أزمة كورونا على نحو أفضل واستعادة أسهم شعبيته المفقودة لدى الشارع البريطاني وفي صفوف حزب المحافظين، إلا أنه من وقت لآخر يتعرض لكبوة جديدة، فبعد أن بدأ “المحافظون” يقتنعون جزئيا بقراراته بشأن عمليات الإغلاق وخطورة تخفيف القيود دفعة واحدة، خرج إلى العلن خلاف جديد عنوانه “عقود كورونا”.

في السادس من مارس خرجت المحكمة العليا لتؤكد أن الحكومة لم تنشر سوى 608 من أصل 708 عقود تتعلق بالمعدات والخدمات الخاصة بكوفيد-19 التي مُنحت منذ تاريخ 7 أكتوبر 2020 أو قبله، واعتبرت أن وزير الصحة مات هانكوك تصرف  بطريقة غير قانونية من خلال عدم نشره العقود ضمن المهلة الزمنية المحددة في المذكرة التوجيهية بشأن شفافية الحكومة المركزية وعمليات النشر بالدائرة التجارية للتاج البريطاني الخاصة بمناقصات وعقود الحكومة.

وبحسب مجموعة The Good Law Project صاحبة الدعوى – وهي جماعة قانونية غير هادفة للربح- في ضوء قرار المحكمة يعد جونسون مضللا للبرلمان بشأن نشر عقود كورونا، حيث قال للبرلمان في 22 فبراير الماضي “كل العقود نُشرت في السجلات العلنية”، وهذا لم يحدث، وتقول المجموعة – وفق ما نقلته “الإندبندنت”- ضلّلت الحكومة البلاد بأسرها وليس فقط البرلمان والمحكمة، ما لم تُنشر تفاصيل العقود، لا يمكنا معرفة أين يذهب مال دافعي الضرائب.

كان تقرير صدر مطلع العام عن مكتب التدقيق الوطني انتقد قيام الحكومة بإرساء عقود قيمتها 18 مليار جنيه على شركات بعينها من أجل تأمين معدات أساسية خلال أشهر الجائحة الأولى، بدون منافسة أو التزام بمعايير الشفافية ونشر تفاصيل هذه العقود.

ردا على ذلك قال ناطق باسم الحكومة – في تصريح لـ”إندبندنت”- “نعمل بلا كلل لسد الحاجات الضرورية من أجل حماية موظفي الصحة والرعاية الاجتماعية، ضمن مهل زمنية ضيقة للغاية وعلى خلفية طلب عالمي غير مسبوق، وغالباً ما عنى ذلك ضرورة منح العقود بسرعة من أجل تأمين المعدات الحيوية المطلوبة، مضيفا نحن ملتزمون بنشر كل العقود وقد نشرنا إلى الحين 99% منها في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي ونعمل على نشر العقود العالقة بأسرع وقت.

تبدو كبوات جونسون أحيانا بلا أفق، فقبل أيام أدلى بتصريح مثير للجدل، خلال الاجتماع الأسبوعي للنواب المحافظين، مدعيا أن طرح اللقاح الناجح في بريطانيا كان بسبب الرأسمالية والجشع وليس بسبب خطة ناجحة من حكومته، وهو ما حاول التراجع عنه فورا، لكن زلة لسانه هذه ربما يدفع ثمنها باهظا خلال الأيام المقبلة في حال قرر الاتحاد الأوروبي فرض قيود على تصدير اللقاحات المصنعة داخل بلدانه ومنعها من الوصول إلى بريطانيا.

تعرض الاقتصاد البريطاني لصدمة خطيرة نتيجة الجائحة، ويبدو أن آثارها ستمتد حتى 2022، في مطلع مارس المنصرم خفضت الحكومة توقعاتها لمعدل النمو خلال العام الحالي إلى 4% من 5.5% – التوقعات المنشورة في نوفمبر الماضي- بسبب إجراءات الإغلاق الثالث، ليبقى الأمر مرهونا بنجاحها في تخفيف إجراءات الإغلاق وصولا إلى يونيو المقبل موعد رفع جميع القيود، هذا في حال لم تشهد تطورا مفاجئا في أعداد الإصابات، وكما الاقتصاد رهينة لكورونا ستظل شعبية جونسون أيضا رهينة لإدارته للأزمة بنجاح ومعالجة كبواته بدون المزيد من الخسائر.  

ربما يعجبك أيضا