الانتخابات الفلسطينية.. بين الاحتدام وسيناريو التأجيل‎

محمود

رؤية- محمد عبد الكريم

القدس المحتلة – أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، مساء أمس الأربعاء، عن انتهاء فترة الترشح، بعد أن بلغ المجموع الكلي لطلبات الترشح المستلمة بلغ 36 قائمة، واحدة لحماس، 3 قوائم لفتح، 4 قوائم لليسار، 4 قوائم للعشائر، 3 قوائم للحراكات، 21 قائمة للمستقلين، أي بنحو 2000 مرشح للتنافس على 132 مقعدًا، وبمعدل 15 مرشحًا لكل مقعد تقريباً.

وباستثناء حركة حماس التي حسمت السباق بين أعضائها داخليا في انتخاباتها الأخيرة، إلا أن حركة فتح شهدت انقسامات وشرخًا أفقيًا وعاموديًا على صعيد القاعدة والقيادات وصلت إلى حد التخوين، وكذلك أحزاب اليسار التي شهدت تراشقا بالاتهامات بالأثرة والتفرد، عدا المنشقين عن الأحزاب والمستقلين، حيث شهدت آخر انتخابات عام 2006 تنافس 11 قائمة فقط فاز منها 6، و5 لم تجتز نسبة الحسم.

الصراع الداخلي الفتحاوي

“إن وجود المرتدين هنا أو هناك أمر طبيعي وفي زمن سيدنا محمد كان هناك مرتدون”، هكذا وصف جبريل الرجوب القيادي في حركة فتح القوائم الفتحاوية الأخرى، لكن الموقف الأبرز والأوضح في الاحتجاج على آلية اختيار قوائم «فتح»، جاء من الثنائي القيادي الأسير في السجون الإسرائيلية، مروان البرغوثي، وعضو اللجنة المركزية المفصول حديثاً، ناصر القدوة، ابن أخت الزعيم الراحل ياسر عرفات.

ويمثل الإعلان عن هذه القائمة ضغطاً إضافياً على رئيس الحركة، محمود عباس، الذي فشل في انتزاع موافقة من البرغوثي، على عدم تحدي قائمة فتح الرسمية، الأمر الذي سيصب المزيد من الزيت على نار الخلافات المشتعلة في البيت الفتحاوي.

وبينت المصادر أن عباس رفض بشدة طلب البرغوثي، وأوعز إلى مقربيه في اللجنة المركزية، بإعادة هيكلة القائمة، وفق رؤيته هو، والتي ترتكز إلى وضع الأشخاص، الذين يثق بهم في المراكز المتقدمة.

وقالت المصادر: إن من بين الأسماء التي وضعها عباس، خمسة أعضاء من اللجنة المركزية للحركة، ثلاثة من الضفة، وهم، محمود العالول، جبريل الرجوب، دلال وسلامة، واثنان من أعضاء المركزية من غزة، هم روحي فتوح، وأحمد حلس.

وبوجود قائمة مشتركة للبرغوثي والقدوة في مواجهة قائمة فتح الرسمية، تصبح حظوظ الحركة أقل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن قوائم أخرى من داخل الحركة، تنافسها كذلك، بينها قائمة رئيس التيار الإصلاحي، محمد دحلان.

أدخل مروان البرغوثي، القيادي الفلسطيني المسجون، الانتخابات التشريعية المقررة في 22 من مايو أيار في حالة من الاضطراب بإعلانه اليوم الأربعاء عن قائمة مرشحين منافسة لحركة فتح التي ينتمي إليها.

وطرح البرغوثي وناصر القدوة، ابن شقيقة الرئيس الراحل ياسر عرفات، تحديا مباشرا لزعيم الحركة الرئيس محمود عباس بتسجيلهما قائمتهما التي أطلقا عليها قائمة “الحرية”.

كانت الانقسامات الداخلية في فتح عاملا رئيسيا في خسارتها أمام حركة (حماس) في آخر انتخابات تشريعية في عام 2006.

وأدت تلك الهزيمة المفاجئة إلى صراع مرير على السلطة أفضى إلى اقتتال، قسم الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث سيطرت حماس على قطاع غزة بينما سيطرت فتح على قاعدة سلطتها الضفة الغربية.

ومن المرجح أن تعزز خطوة البرغوثي مخاوف قيادة فتح من أن تؤدي الانقسامات الداخلية مرة أخرى إلى خسائر بالانتخابات.

ولم يتضح ما إذا كان عباس سيعاقب البرغوثي، المسؤول السابق في فتح في الضفة الغربية والذي كان عضوا بالمجلس التشريعي ويقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة في إسرائيل بعد إدانته بتدبير هجمات مميتة على إسرائيليين. ونفى البرغوثي تلك الاتهامات.

وسبق أن طُرد القدوة من حركة فتح التي تسيطر منذ فترة طويلة على منظمة التحرير الفلسطينية.

لكن البرغوثي يمثل تحديا أكثر خطورة لعباس، الذي لم يواجه أي انتخابات منذ ما يربو على 15 عاما. وكثيرا ما تواجه السلطة الفلسطينية اتهامات بالمحسوبية والفساد وعدم الكفاءة.

وفي استطلاع رأي أجري هذا الشهر، قال 28 بالمئة من المشاركين إنهم سيصوتون لقائمة يقودها البرغوثي مقابل 22 بالمئة لقائمة يدعمها عباس، بحسب المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. وأظهر الاستطلاع نفسه أن 38 بالمئة يؤيدون فتح و22 بالمئة يؤيدون حماس بينما لم يعبر 29 بالمئة عن تفضيل إحداهما على الأخرى.

كما وأعلن شيخ الأسرى الفلسطينيين، اللواء فؤاد الشوبكي، انسحابه من قائمة حركة فتح للانتخابات التشريعية المرتقبة ما يزيد الوضع تعقيدا داخل فتح.

سناريو التأجيل

كشفت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية “كان”، أن اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ونداف أرغمان رئيس جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي “الشاباك” في رام الله، طلب منه أرغمان إلغاء الانتخابات التشريعية الفلسطينية بسبب مخاوف إسرائيل من إمكانية فوز حركة حماس فيها، حيث رفض عباس الطلب ورد غاضباً “لا أعمل لديك، أنتم الذين سمحتم بصعود حماس”.

على صعيد المشهد الفلسطيني تحديدا وفي تطورات ملف الانتخابات تحديث بصورة محددة أيضا يبدو أن الانتشار الأفقي للمنحنى الوبائي لفيروس كورونا سينضم إلى ملف القدس في إطار تسويق وتدشين  الحملة الداعية إلى تأجيل الانتخابات المقررة ما بين شهري أيار وتموز إلى أجل غير مسمى الآن في ظل حسابات سياسية معقدة وأوضاع فتحاويه تحديدا أكثر  تعقيدا زادت مستويات الانفعال بين أقاليم الحركة خصوصا بعد الإعلان عن قائمة الترشيح الأولية لحركه فتح للانتخابات والتي ضمت نحو 132 اسما.

وأثارت قائمة الأسماء للقائمة الفتحاوية المرشحة  للانتخابات التشريعي جدلا عاصفا في وقت مبكر وشهدت أقاليم حركه فتح سلسلة طويلة من الاجتماعات التي تجاهلت  تعليمات الوقاية والحظر واستمرت حتى فجر الأربعاء  اعتراضا على بعض الأسماء في القوائم التي تم تسريبها وقبل حتى اعتمادها بصفة رسمية وقطعية.

ويبدو أن الأسماء الأكثر إثارة للجدل تلك التي تصنف أو تعتبر مقربة من أبناء الرئيس الفلسطيني محمود عباس وليس من الرئيس الفلسطيني نفسه.

 وشهد فجر الأربعاء صدور بيانات متعددة من الأقاليم وأفرع حركة فتح ردا على تسريبات القائمة المعتمدة للمرشحين كما شهدت بعض الساحات عمليات إطلاق رصاص بالهواء من باب الاحتجاج.

ويقفز على نحو متدحرج وغير مسبوق سيناريو تأجيل الانتخابات فيما تنتظر السلطة الفلسطينية ترسيم مواقف أمريكية ومصرية وأردنية وأوروبية تساعد في تفعيل وتنشيط سيناريو التأجيل تجنبا لسلسله من الانقسامات التي بدأت تظهر ملامحها على أكثر من صعيد خصوصا داخل حركة فتح.

 وكانت قيادات فتح وقيادات السلطة قد أعلنت بأنه لن تجري انتخابات بدون الاقتراع في مدينه القدس.

ويرى فتحاويون وخبراء بأن مسألة مدينة القدس يتم تضخيمها إعلاميا وسياسيا وتنظيميا وتعبويا داخل أطر حركة فتح الآن وتنضم إلى الفيروس كورونا ومعدلات انتشار سريعة متوقعة له في الأيام المقبلة في إطار الأسباب التي ستستخدم للتصعيد في سيناريو التأجيل  للموسم الانتخابي.

وبحسب مصادر سياسية ودبلوماسية في واشنطن بأن الوفد الصغير الذي التقى مسؤولين في الخارجية الأمريكية، أمس الأول وهو يعتبر موفدا من الرئيس عباس لم يحصل على إجابة حاسمة وواضحة من الخارجية الأمريكية بخصوص سيناريو تأجيل الانتخابات.

ومن المرجح أن الجانب الأمريكي تقصّد عدم بيع الرئيس عباس مسبقا خيار تأجيل الانتخابات على أساس رغبة الإدارة الأمريكية في عدم التدخّل في الاستحقاق الانتخابي بصورة مباشرة وعدم التدخل أيضا في تفاصيل ما يسميه الأوروبيون بتجديد الشرعية الفلسطينية في المرحلة المقبلة.

وهنا لاحظت المصادر المطلعة جدا على تفصيل تلك المحادثات في تقرير سابق تركز موقف الجانب الأمريكي على إطلاق عبارات عامة وعلى إصدار مواقف تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وعلى دعم الخيار الديمقراطي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الأراضي الفلسطينية ودون إشارات مباشرة لها علاقة بحسم موعد الانتخابات أو حتى بتأجيلها.

لكن على الصعيد الفيروسي قد تبرز خطوات جديدة وتوصيات من اللجان المعنية بمكافحة الوباء بمنع كل مظاهر الاجتماعات بعمومها، الأمر الذي سيرفع من منسوب مضمون أي خطوه يتم التوافق عليها لتأجيل الانتخابات خصوصا وأن الوضع الفتحاوي والحركي والشعبي في الضفة الغربية معقد جدا بعد دعوات وقرارات لجنة مركزية حركه فتح بخصوص فصل الأسير مروان البرغوثي من الحركة بسبب اصراره على الترشح منفصلا للانتخابات التشريعية عن القائمة الموحدة وهو أمر يثير ضجة واسعة النطاق بقيت آثارها حتى فجر الأربعاء.

إزاء هذه التطوّرات وفي ظل الهزات المتلاحقة التي تتعرض لها حركة فتح، ونظراً لإمساك الحركة بمفاتيح، وفق مراقبين، فإنّ الشكوك تحوم حول إجراء الانتخابات، لافتين إلى أن من شأن التطورات الأخيرة دفع سيناريو التأجيل إلى الواجهة.

الاتحاد الأوروبي عاجز

أكدت صحيفة “معاريف” العبرية صباح أمس الأربعاء، أنّ إسرائيل أبلغت الاتحاد الأوروبي، بعدم السماح للمراقبين بشأن الانتخابات الفلسطينية بدخول القدس.

وقالت الصحيفة العبرية عبر موقعها الإلكتروني، إنّ قيود كورونا في هذه المرحلة، تمنع سكان القدس الشرقية من المشاركة في انتخابات السلطة الفلسطينية.

وتابعت، أنّ مكتب الرئيس محمود عباس أوضح، أنّه “بدون القدس لن تكون هناك انتخابات”، التي من المقرر إجراؤها في 22 مايو.

وبحسب الصحيفة، وعد الرئيس “رؤوفين ريفلين” لممثلي الحكومة الألمانية، بأن إسرائيل لن تمنع الانتخابات في القدس، “ولم نتلق طلبًا بعد ولم نناقشه ، لكننا منحناهم في الماضي فرصة التصويت في القدس”.

وبحسب المصدر ذاته ، فعند سؤاله عما إذا كانت هناك محاولة لإجراء الانتخابات بالبريد ، أجاب الرئيس بالنفي ، في ظل عدم القيام بذلك في ظل حكومة شارون التي كان يجلس فيها.

وأوضح الاتحاد الأوروبي والإدارة الجديدة في واشنطن أنهما ينظران إلى انتخابات السلطة الفلسطينية بشكل عام والقدس بشكل خاص وتدرس إدارة بايدن ما إذا كان وكم عدد الجهود المبذولة للاستثمار في القضية الفلسطينية، إذا لم يكن لأبو مازن وحكومته دعم عام لتمثيل الفلسطينيين ، وأن هذا يتطلب عملية ديمقراطية شفافة وخاضعة للإشراف بالانتخابات.

ومن جهته أعلن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، اليوم الأربعاء، أن إسرائيل تمانع حتى اللحظة في تحديد موقفها بشأن إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس.

وقال المالكي، للإذاعة الفلسطينية الرسمية، إن السلطة الفلسطينية تقوم بحراك دبلوماسي مكثف مع الاتحاد الأوروبي لضمان نجاح الانتخابات الفلسطينية من حيث تسهيل العملية من قبل إسرائيل.

وأضاف المالكي أن المطالب الفلسطينية “تتضمن تسهيل تسجيل القوائم الانتخابية وحرية التحرك والتنقل والدعاية الانتخابية والتصويت الحر يوم الاقتراع وما بعد الانتخابات وهي إجراءات متكاملة يجب ضمانها من دول العالم وتحديدا الاتحاد الأوروبي”.

ورفضت إسرائيل منح تأشيرات دخول وفود أوروبية إلى الأراضي الفلسطينية بغرض التحضير للمراقبة والإشراف على الانتخابات الفلسطينية.

وكان ممثل الاتحاد الأوروبي في فلسطين، سفين كون فون بورغسدورف، أكد مساء أمس أن الاتحاد يصر بقوة على دعم الانتخابات الفلسطينية المقبلة، لا سيما من خلال ضمان وجود مناسب لمراقبين من الاتحاد الأوروبي.

وقال بورغسدورف في مؤتمر صحفي أمام مقر لجنة الانتخابات المركزية في رام الله إنه “خلال التحضير لعملية معقدة مثل بعثة مراقبة الانتخابات، فإنه يتوجب علينا إرسال بعثة استكشافية تابعة للاتحاد الأوروبي قبل عدة أشهر من الانتخابات لتقييم الوضع”.

وذكر أن “هذا التأخير قد يساهم بشكل كبير في الحد من خيارات الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات التشريعية في 22 أيار/مايو، ويتم حاليا نقاش داخلي حول خيارات أخرى”.

وأعلنت نبيلة مصرالي المتحدثة باسم الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي عن تعذّر إرسال بعثة أوروبية إلى فلسطين لمراقبة الانتخابات البرلمانية في 22 مايو المقبل.

وقالت مصرالي إن “إسرائيل لم تعط للأوروبيين أذنا بالعبور إلى أراضي السلطة لنشر أعضاء البعثة، كما كان مقررا منذ الـ8 فبراير الماضي، رغم طلباتنا واتصالاتنا المتكررة لم نتلق أي جواب”.

واعتبرت المتحدثة، أن “عدم إرسال بعثة مراقبة بناء على الطلب الرسمي المقدم لبروكسل من قبل السلطات الفلسطينية، سيؤثر على تقييم الاستحقاق”.

ويفكر الاتحاد وفق مصرالي بحلول بديلة ويدعم عمل اللجنة المركزية للانتخابات الفلسطينية ويمول عملها، فيما يرى أن عدم تجاوب إسرائيل يرتبط بقيود السفر المفروضة ضمن التدابير الوقائية لمحاربة “كوفيد- 19”.

الانتخابات الفلسطينية.. تجديد شرعية أم تجديد نخبة؟

ويترقب الفلسطينيون، إجراء الانتخابات العامة في الأراضي الفلسطينية، باعتبارها استحقاقاً قانونياً ومطلباً جماهيرياً، بطموح إنهاء الانقسام، والفلسطينيين يتطلعون للاستثمار في هذه الثروة الهائلة خلال الانتخابات المرتقبة، من خلال تمكينهم من تصدّر المشهد عبر فتح الآفاق أمامهم للترشح وخوض المعترك الانتخابي.

وأعرب مراقبون، عن خشيتهم من أن تكون الانتخابات الفلسطينية المقبلة مناسبة لتجديد الشرعية للقيادات الحالية، وليس لتجديد النخبة، مشيرين إلى أنّه ووفقاً لهذا السيناريو فلا أحد في الشارع الفلسطيني يمكنه الإفراط في التفاؤل حول شكل الانتخابات ونتائجها وقدرتها على إحداث التغيير المنشود، إذ سيظل الحذر سيّد الموقف، على حد قولهم. ويرجّح المراقبون، تمسّك القيادات الفلسطينية الحالية بالبقاء في صدارة المشهد والإصرار على خوض الانتخابات.

ويُجمع الفلسطينيون، على أنّ نجاح الانتخابات وإفرازها قيادات جديدة رهين بتهيئة الأجواء لتعزيز حضور القيادات الشابة، وتبني الطاقات المشبعة بالعطاء، باعتبارها الباعث الحقيقي للتقدم، لما تتمتع به من قدرات وطاقات، تمكّنها من المساهمة الفاعلة في المسيرة الوطنية الفلسطينية.

ربما يعجبك أيضا