في زمن كورونا.. متلازمة الفساد تهدد دول العالم

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

فرضت جائحة كورونا ضغوطا كثيرة على حكومات العالم، وجعلتها أقل قدرة على مكافحة الفساد، بل أنها في بعض المناطق غذت ظاهرة الفساد بصورة أكبر، فبحسب التقرير السنوي لمنظمة “الشفافية الدولية” الجائحة كانت عاملا مهما من عوامل تسارع الفساد خلال 2020، وحالت دون تسجيل أي تقدم يذكر في مكافحة الفساد بمعظم البلدان، بل أن أكثر من ثلثي الدول التي شملها التقرير حصلت على درجات أقل من 50 نقطة، ما يعني أنها دخلت في دائرة “البلدان الفاسدة” من منظور “الشفافية الدولية” وغيرها من المؤسسات الدولية.

متلازمة الفساد في زمن الجائحة

بالأمس حذرت محكمة المدققين الأوروبية من مخاطر تعرض دول الاتحاد الأوروبي لـ”الاحتيال” وسوء استخدام أموال صندوق التعافي التابع للاتحاد البالغة 750 مليار يورو، وقال رئيس المحكمة كلاوس هاينر ليهن -في تصريحات صحفية- كلما زادت سرعة تدفق الأموال إلى الشوارع، كلما زادت مخاطر الاحتيال والفساد، لذا هناك حاجة إلى عمليات أوسع من المراقبة على عمل الحكومات وسبل صرف أموال صندوق التعافي.

وأوضح كلاوس هاينر ليهن أن محكمة المدققين -وهي الجهة المعنية بالتدقيق في صحة إنفاق أموال الاتحاد- في عام 2022، ستحتاج إلى إضافة 40 وظيفة جديدة إلى موظفيها البالغ عددهم حوالي 900 موظف، لدعم عمليات المراقبة.

من المفترض أن تساعد أموال الصندوق دول التكتل الأوروبي على تحفيز اقتصاداتها التي تضررت بفعل الجائحة، ومن المتوقع أن يتم الإفراج عنها وتخصيصها في يوليو المقبل، ويرافق هذه الأموال ميزانية طويلة الأجل تستمر حتى 2027 بقيمة إجمالية تصل إلى 1.8 تريليون يورو.

كان التقرير السنوي لـ”الشفافية الدولية” الصادر نهاية يناير الماضي والذي يعتمد على جمع البيانات المتعلقة بالفساد من 13 مؤسسة دولية وإقليمية مثل المنتدى الاقتصادي العالمي والبنك الدولي، حذر من تفاقم ظاهرة الفساد بفعل الجائحة، وقالت ديليا فيريرا روبيو مديرة المنظمة: “كورونا” ليست أزمة صحية واقتصادية فحسب، بل هي أزمة فساد أيضا، ولقد فشلنا في التعامل معها خلال 2020.

وقال أحد كاتبي التقرير روبرتو كوكوتشكا -في تصريح لـ”فرانس برس”- إن “كورونا” يغذي الفساد حول العالم، فالدول عندما تركز جهودها على الاستجابة السريعة لحالة طارئة مثل الوباء، فهذا يفتح الباب أمام المفسدين للاستفادة من الأزمة، ومن جهة أخرى لا تمتلك المؤسسات وقتا كافيا لتنفيذ الضوابط اللازمة لتجنب هذه الانتهاكات.

تقرير “الشفافية الدولية” أكد أن أثر الجائحة باعتبارها عامل من عوامل تسارع الفساد، كان ظاهرا بقوة في البلدان التي تفشى فيها المرض بصورة أكبر من غيرها، فعلى سبيل المثال في أمريكا الجنوبية، وجد “المركز الأمريكي للعدالة الدولية” أن هناك شكوكا بحدوث فساد في منح العقود الحكومية المرتبطة بمكافحة كورونا في 12 دولة.

وأكد التقرير أن الدول الأفضل تصنيفا فيما يتعلق بمكافحة الفساد، لم تكن محصنة في زمن كورونا، ففرنسا صاحبة المرتبة 23 بين الدول الأقل فسادا كمثال، ظهر فيها وسطاء سعوا إلى الاستفادة من الأزمة عن طريق اختلاس أموال المعدات الطبية.

فساد مخصصات كورونا و”الكمامات” مثال حي

خلال يوليو الماضي، فتح مكتب المدعي العام في باريس تحقيقا موسعا في عمليات فساد طالت التعويضات الحكومية الخاصة بالبطالة الجزئية الناجمة عن أزمة كورونا، وقدرت الأموال المهدورة وقتها بنحو 6 ملايين يورو، وقال مكتب المدعي العام إنه تم تقديم طلبات “كاذبة” للحصول على تعويضات البطالة عن طريق انتحال صفة شركات أو أشخاص في عدة مناطق كان أبرزها تولوز وتيموز.

فرنسا لم تكن الدول المتقدمة الوحيدة التي سقطت في براثن الفساد بفعل كورونا، ففي ألمانيا -صاحبة أكبر اقتصاد بأوروبا- تورط نواب من الحزب الحاكم “الاتحاد المسيحي” في فضائح تتعلق بالتوسط لشركات بعينها من أجل إرساء عقود شراء “كمامات” للحكومة الفيدرالية عليها نظير الحصول على عمولات، ففي مطلع الشهر الماضي استقال النائب نيكولاس لوبل من الحزب، على خلفية توسط شركة يملكها في صفقات أقنعة طبية بين الشركات المصنعة وموزعين في دائرته الانتخابية؛ نظير الحصول على أموال طائلة، ومن قبل لوبل استقال جورج نسلين من منصبه كنائب لرئيس الكتلة البرلمانية لحزب المستشارة، إثر فضيحة مماثلة، وقالت مصادر أمنية وقتها إن نسلين توسط في صفقات شراء معدات طبية بين شركات والحكومة الاتحادية وحكومة بافاريا، وأثرى نفسه شخصيا.

منذ أيام كان من اللافت عودة اسم رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون إلى دائرة الضوء، بفضيحة جديدة ملخصها محاولة التوسط لدى موظفين حكوميين بما فيهم وزير الخزانة ريشي سوناك لتأمين دفعة من الدعم الحكومي “المخصص للشركات المتضررة من الجائحة” لشركة غرينسيل كابيتل – التي عمل فيها سابقا خلال العام 2018 ولديه أسهم فيها تصل قيمتها إلى نحو 60 مليون دولار- من جانبها أكدت حكومة جونسون أن كاميرون لم يخرق القوانين، وأن “غرينسيل” لم تحصل على أي دعم من “الخزانة”.

لكن حكومة جونسون هي الأخرى متهمة بالفساد، فبحسب تقرير صدر مطلع العام عن مكتب التدقيق الوطني، قامت الحكومة الحالية بإرساء عقود قيمتها 18 مليار جنيه على شركات بعينها من أجل تأمين معدات أساسية خلال أشهر الجائحة الأولى، بدون منافسة أو التزام بمعايير الشفافية ونشر تفاصيل العقود للرأي العام.

وعادت هذه القضية إلى دائرة الضوء في السادس من مارس الماضي، عندما خرجت المحكمة العليا لتؤكد أن حكومة جونسون لم تنشر سوى 608 من أصل 708 عقود تتعلق بالمعدات والخدمات الخاصة بكوفيد-19 التي مُنحت منذ تاريخ 7 أكتوبر 2020 أو قبله، واعتبرت أن وزير الصحة مات هانكوك تصرف  بطريقة غير قانونية من خلال عدم نشره العقود ضمن المهلة الزمنية المحددة في المذكرة التوجيهية بشأن شفافية الحكومة المركزية.

عمليات توزيع اللقاح أيضا لم تسلم من فيروس الفساد، ففي أمريكا ومع بدء الحملة الوطنية للتطعيم ضد كورونا في ديسمبر الماضي، كشفت جهات التحقيق في نيويورك قبيل عن قيام إحدى العيادات المعنية بتوزيع اللقاح بعملية احتيال أدت إلى وصول اللقاح إلى فئات غير مستحقة.  

هذا هو الوضع في الدول صاحبة التقييم الأفضل على مقياس “الشفافية الدولية”، لنا أن تخيل إلى أي مدى وصل الوضع في البلدان الأقل تصنيفا، ففي الصومال على سبيل المثال، خلال أغسطس الماضي، أدين أربعة أعضاء في الحكومة باختلاس جزء من أموال الخطة الوطنية لمكافحة كورونا.

وسط الأزمات والكوارث الكبرى مثل “كورونا” تميل الحكومات إلى تخفيف القيود الرقابية على مؤسساتها تحت عنوان التحرك العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فتدخل البلد في حالة طوارئ ويبدأ الغموض يكتنف عملية صنع القرار شيئا فشيء، ما يفتح الباب بلا شك أمام أصحاب المصالح لإساءة استخدام السلطات الممنوحة لهم وهنا تصبح البيئة خصبة لنمو فيروس الفساد أكثر، والآن وسط استمرار الجائحة فالحكومات مطالبة بمضاعفة إنفاقها العام لدعم جهود التعافي، ما يجعلها أمام مسؤولية مزدوجة هي دفع عجلة “التعافي” مع ترشيد الإنفاق وتفعيل أدواتها الرقابية للتأكد من أن أموالها تنفق وفق ما هو مخطط وليس وفق أهواء أصحاب المصالح.

ربما يعجبك أيضا