المرتزقة في ليبيا.. تحقيق مكاسب مادية أقوى دافع لدى المقاتلين

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

تسعى تركيا لأن تكون لاعباً إقليمياً ودولياً، في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، من خلال فتح عدة ملفات، بينها ملف ليبيا، وهي تضع أعينها على هذا البلد، لعدة أسباب، أبرزها: الثروات الطبيعية ـ النفط والغاز، والموقع الجغرافي، المنفتح على غرب و شمال أفريقيا وعلى جنوب أوروبا، بحيث تتمكن تركيا من أن تمسك بعدد من الملفات والتفاوض حولها.

وكان الفرقاء الليبيون قد توصلوا إلى اتفاق سلام في الصخيرات يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) 2015، والذي اعتبر خريطة طريق لحل الأزمة الليبية، لكنه تعثر بسبب الصراعات الأخيرة في ليبيا والتدخل الأجنبي الذي فاقم الصراع، بالإضافة إلى بروز قضية المرتزقة الذين تم جلبهم إلى البلد تحت إشراف دول عديدة، وأهمهم مرتزقة تركيا، وقد تزامن هذا الاتفاق مع انتهاء المهلة المحددة لخروج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، وحيث يبقى اتفاق وقف إطلاق النار الدائم في البلاد مهدداً، خاصة مع احتمال اندلاع اشتباكات عسكرية مجدداً بين طرفي النزاع، حسبما يرى محللون وخبراء.

والتقى الفرقاء الليبيون مجدداً في اجتماع حاسم يوم 25 يناير (كانون الثاني) 2021،في ضواحي العاصمة المغربية الرباط، وخرج المجتمعون بنتائج مهمة بشأن العديد من القضايا الحساسة المتعلقة بالمسائل السيادية وإدارة الدولة في المرحلة المقبلة، ووضع خريطة طريق سياسية للانتخابات التي أُعلن أنها ستجرى في ديسمبر 2021.

ويعتقد الباحث التركي نيكولاس كورغان أن الجماعات التركية بالوكالة بالفعل لعبت دوراً خطيراً في الصراع الليبي، وقال إن تركيا قدمت الكثير من الحوافز الإضافية لهؤلاء المقاتلين، مثل الرعاية الصحية ومنح الجنسية التركية للراغبين في قبول عرض القتال في الخارج. وشكلت الرغبة في تحقيق مكاسب مادية أقوى دافع للمقاتلين، حيث لا تقودهم أي أهداف دينية أو أيديولوجية.وتنفي روسيا لعب دور في وجود مرتزقة روس في البلد. لكن خبراء من الأمم المتحدة أكدوا في مايو (أيار) 2020 وجود مرتزقة في ليبيا من مجموعة «فاغنر»المعروفة بأنها مقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

تفاصيل نقل المرتزقة السوريين

كشفت التقارير الإعلامية والاستخباراتية الكثير عن تفاصيل، نقل المرتزقة السوريين، بإشراف تركيا، من سوريا إلى ليبيا، عبر مطاراتها، كما كشفت عن عمليات التجنيد لآلاف المقاتلين السوريين والفصائل السورية المدعومة من تركيا إلى ليبيا للقتال إلى جانب «حكومة الوفاق»، سابقا منذ ديسمبر 2019. وفي أعقاب ذلك، كشفت الصحافية الأميركية المتخصصة في تغطية الأزمات الإنسانية والصراعات، ليندسي سنيل، في تغريدات عبر حسابها بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، أن عناصر من فرقة «السلطان مراد»غادرت قرية «حوار كلس»في محافظة حلب السورية، إلى تركيا ليتم نقلهم إلى ليبيا.

مصادر رفيعة المستوى داخل الفصائل السورية و«الجيش الوطني السوري»، أكدت أن تركيا نفذت أكثر من 153 رحلة جوية خلال عام 2020 فقط. وكانت تلك الطائرات تحمل مقاتلين وعتادًا عسكريًا وأسلحة ومتخصصين في التدريب العسكري. ومنذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وتباطؤ الأعمال العدائية، اقتصرت المهام الموكلة لهؤلاء المقاتلين على الحراسة وتسيير الدوريات الأمنية.

وفي هذا السياق، أيضا، أكد مقاتلون في الجيش الوطني السوري أن الذهاب إلى ليبيا أصبح إجباريًا وليس اختياريًا، حيث يُعاقب أولئك الذين رفضوا الانتشار بالفصل من الجيش الوطني والطرد من شمال سوريا- منطقة نفوذ الجيش الوطني، وإنه تم فصل مئات المقاتلين أيضا من لواء سليمان شاه (المعروف أيضًا باسم الأمشات) لعدم الامتثال لأوامر الذهاب إلى ليبيا.

ونشرت صحيفة «الغارديان»البريطانية مقالاـ استنادا إلى مصادرهاـ يفيد بأن حوالي ألفين من المقاتلين السوريين ينشطون حاليا داخل وحدات أبرزها وحدة أطلق عليها اسم زعيم المقاومة الليبية عمر المختار. وفي حديث إلى رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، قال إن «عدد المقاتلين وصل إلى أربعة آلاف مقاتل ينقسمون إلى جزأين؛ سوريين ومقاتلين مرتزقة من عشرة فصائل كانوا ضمن المقاتلين الجهاديين بسوريا»والتي كانت تمثل بداية انطلاقة المرتزقة الأولى.

وأكد ميركو كايلبيرت، الخبير الألماني في الشأن الليبي هذه المعلومات، وقال في حديث مع «DW»يوم 10 فبراير (شباط) 2020: «تم رصد طائرات تابعة للخطوط الجوية الليبية وطائرات ليبية خاصة حطت بليبيا والكثير من التقارير والأشخاص الذين تواصلت معهم في عين المكان يؤكدون أن الأمر يتعلق بمقاتلين سوريين»،وترى الخبيرة الألمانية فيكتوريا ريتيغ أن حصولهم على الجنسية التركية يعني ضمنيا قدرتهم على التحرك في اتجاهات مختلفة.. «يمكن للسوري الحامل لجواز سفر تركي الحصول على تأشيرة للولايات المتحدة الأميركية أو منطقة شينغن، والتي ستكون صعبة أو مستحيلة حاليًا باستخدام جواز سفر سوري». لكن «ليس من السهل التكهن بمستقبلهم بعد نهاية المعارك»؛ تضيف الخبيرة الألمانية.

خارطة توزيع المرتزقة السوريين في ليبيا

تتوزع قواعد المرتزقة في الغالب حول مدينة سرت، حيث يقع خط الجبهة إلى الجنوب، في قواعد جوية رئيسية، خاصة في الجفرة، على بعد 500 كم جنوب طرابلس، وإلى الغرب في الوطية والتي تشكل أكبر قاعدة عسكرية على الحدود التونسية. وكانت هناك عمليات توزيع منظمة إلى «المرتزقة السوريين»فقد حددت مصادر ليبية موثوقة، من بينها ضباط ليبيون، المواقع التالية للمرتزقة السوريين في طرابلس، وهي مناطق انتشار المرتزقة في طرابلس وفقا لدراسة صادرة باللغة الإنجليزية من موقع «Syria for Truth and Justice »يوم 21 مارس (آذار) 2021 على النحو التالي:

معسكر الصاحبة على الحدود مع تونس، قاعدة معيتيقة العسكرية، مخيم النعام، غابة النصر، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، مخيم النازحين، مشروع الموز بالفرنج، مشروع الهضبة، غرفة عمليات فرعية في مبنى فندقي قيد الإنشاء في منطقة قصر الضيافة، قاعة احتفالات تابعة لشركة الكهرباء للمناسبات العامة بالقرب من مقبرة الحسين.

كما أقام المرتزقة مراصد فوق مستشفى الصفوة بالمنطقة ذاتها، منطقة السواني- الزهراء بطرابلس، وبيوت تابعة لعائلة الميرغني على طول محور جامع السويحلي، وأقاموا مراصد لأكاديمية القرآن الكريم بالمنطقة، ومزرعة ومنزل المسؤول الليبي السابق عبد الرحمن السيد، وفي منطقة السدرة جنوب طرابلس، والنادي الدبلوماسي قرب عين زارة، ومركز السيطرة على الأمراض، ومقر عسكري في مزرعة خلف مجمع القرقني الصحي، ومنطقة صلاح الدين، عيادة الأم والطفل.

وبعد تصاعد عمليات النقل والكشف عن تفاصيلها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، اعترفت الحكومة التركية، في 21 فبراير 2020، بوجود مرتزقة موالين لأنقرة في ليبيا، إلى جانب عناصر التدريب الأتراك. لقد أرسلت تركيا، ميلشيات كبيرة تحمل اسم أحد سلاطين العثمانيين وهو السلطان مراد، وتضم مسلحين تركمانيين، عبر مطار طرابلس على متن طائرة عسكرية تركية، أقلعت من مطار إسطنبول في 26 يناير (كانون الثاني) 2020، مقابل الحصول على راتب شهري يصل إلى (2000) دولار، ووعد بالجنسية التركية، ومن يلقى حتفه يصل عائلته مبلغ (500) دولار لمدة سنتين.

الأمم المتحدة تشدد على ضرورة مغادرة المرتزقة

شدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في أعقاب ذلك، في تقرير قدم إلى مجلس الأمن على ضرورة مغادرة القوات الأجنبية والمرتزقة قبل التاريخ النهائي. ويشكل المرتزقة الأتراك والروس في الواقع عقبة كأداء في وجه أي جهود للمصالحة وتوحيد البلاد. ويرى مراقبون أنه ليس من المتوقع أن تتخلى هذه البلدان عن مرتزقتها والجماعات المسلحة الموالية لها تحت أي ظرف من الظروف.

الأمم المتحدة تحث على انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، حيث دعا مجلس الأمن الدولي المقاتلين الأجانب إلى مغادرة ليبيا «دون مزيد من التأخير». وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، ظل نحو 20 ألف جندي ومرتزق أجنبي في ليبيا حسب آخر الإحصائيات.

وأعلن المتحدث باسم غرفة عمليات سرت الجفرة، يوم 14 مارس 2021، أنه على الرغم من التحركات الأولية للمرتزقة الأجانب في سرت للانسحاب، فإن معظم القوات عادت إلى مواقعها السابقة. ويعد استمرار وجود المرتزقة الأجانب في ليبيا انتهاكًا واضحًا لاتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة أواخر عام 2020 والتي نصت على ضرورة مغادرة جميع القوات الأجنبية التي تنتهك السيادة الليبية خلال 90 يومًا.

وكانت مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، قد كشفت مطلع ديسمبر 2020 عن وجود 20 ألفا من «القوات الأجنبية والمرتزقة»في ليبيا، معتبرة ذلك انتهاكاً «مروعا»للسيادة الوطنية. كما أشارت إلى وجود عشر قواعد عسكرية في ليبيا، تشغلها بشكل جزئي أو كلي قوات أجنبية ومرتزقة. لكنّ تركيا قامت في 22 ديسمبر 2020، بالتزامن مع تصريحات الممثلة الأممية، بتمديد نشر جنودها وخبرائها ومرتزقتها في ليبيا لمدة 18 شهراً. كما أرسلت طائرات مسيرة ومدربين ومستشارين عسكريين إلى ليبيا بموجب اتفاق عسكري موقع مع حكومة الوفاق الوطني. وأرسلت مرتزقة سوريين، بحسب خبراء الأمم المتحدة.

حث المبعوث الأممي الخاص الجديد لليبيا القوات الأجنبية والمرتزقة يوم 12 مارس 2021 على مغادرة الدولة المنكوبة بالصراع على النحو المطلوب في اتفاق وقف إطلاق النار العام الماضي. وقال المبعوث الأممي الخاص الجديد لليبيا: «نحن مصممون على الوقوف إلى جانب حكومة الوحدة الوطنية. بدأنا جني ثمار مؤتمر برلين». 

الاتحاد الأوروبي.. ودعم الخيار السياسي في ليبيا

أعلنت المفوضية الأوروبية، في 8 يونيو (حزيران) 2020، أنه لا بديل عن نتائج مؤتمر برلين لحل الأزمة الليبية. ويقول المتحدث الرسمي باسم المفوضية للشؤون الخارجية، بيتر ستانو، «الوضع على الأرض يتغير باستمرار، وموقفنا واضح ولم يتغير، نحن دائما نكرر دعوتنا لإيقاف فوري لإطلاق النار وإيقاف الصراع والعودة للحل السياسي لجميع الأطراف». وتابع ستانو: «ليس هناك حل عسكري للأزمة، فقط الحل السياسي هو الحل الوحيد». وجدد الاتحاد الأوروبي مطالبته بوضع حد للقتال في ليبيا، وأبدى «تصميمه»على تطبيق حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا.

وفي تطورات جديدة، بحث وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس، ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان، مطلع شهر مارس 2021 التعاون الثنائي وقضايا الشرق الأوسط، مؤكدين «أهمية إجراء الانتخابات الليبية في موعدها ديسمبر 2021». كما غادرت السفينة الحربية الألمانية «برلين»متجهة إلى البحر المتوسط من قاعدة فيلهلمسهافن البحرية، في مهمة لمراقبة الامتثال لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا.وتعتبر السفينة «برلين»هي أحدث مساهمة ألمانيّة في عملية إيريني (IRINI)، بعد أن عادت الفرقاطة «هامبورج»إلى فيلهلمسهافن من مهمة مماثلة في ديسمبر 2020. وتمتلك السفن البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط صلاحية صعود وتفتيش السفن المشتبه في تورطها بتهريب أسلحة لصالح الأطراف الليبية المتحاربة.والقرار الذي صاغته ألمانيا «يقرر تمديد التفويض المنصوص عليه في القرار (2473)، لمدة 12 شهرا إضافيا»،و«يطلب إلى الأمين العام أن يقدم تقريرا حول تطبيقه إلى مجلس الأمن في غضون 11 شهرا». ويرتبط قرار السماح بعمليات التفتيش في عرض البحر بقرارات أخرى، بينها القراران (2292 و2146).

ولكن، رغم ما تبذله ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي، كانت هناك انتقادات واسعة إلى الدور الأوروبي، فقد انتقد غيدو شتاينبيرغ، الخبير الألماني في شؤون الأمن والإرهاب والباحث في مؤسسة العلوم والسياسة في برلين، اختزال الاهتمام الألماني بالأزمة الليبية من زاوية تدفق اللاجئين ليس إلا، واعتبر أن ما يحدث هناك يهم الأمن الأوروبي برمته. وأكد في تحليل نشره موقع «سيسيرو»في 6 أغسطس (آب) 2020 أن«أوروبا تحاول العمل بشكل مكثف على الملف الليبي، ولكن بات من الواضح مدى ضعف الاتحاد الأوروبي، بمجرد أن تخلت الولايات المتحدة عن الاهتمام بليبيا». وليست هذه هي المرة الأولى التي يُظهر فيها التكتل القاري ضعف سياسته الخارجية، ذلك أن الدول الأعضاء منقسمة في مواقفها ولها أحيانا مصالح متناقضة في ليبيا.

إن التدخل التركي في ليبيا أدى إلى توجيه عدد من الانتقادات الأوروبية، ولكن هذا لن يكون له تأثير يذكر على تركيا. ويخشى الأوروبيون من ردود فعل ونفوذ الرئيس التركي، خاصة حول قضايا الهجرة.ودق المرصد السوري ناقوس الخطر من مصير مرتزقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ليبيا، محذرًا أوروبا من محاولات عشرات الإرهابيين الفرار إليها عبر إيطاليا. وقال إن عدم السماح لهم بالعودة إلى سوريا وعدم إعطائهم رواتبهم الشهرية، في ظل الاقتطاع المستمر منها عند تسليمهم إياها، يدفعهم لطرق أبواب أوروبا.وقال الباحث خالد المنتصر إن المرتزقة «لن يخرجوا من ليبيا حتى تضمن الدول التي جندتهم مصالحها في المرحلة الانتقالية الجديدة المقبلة». وأكد على أن «وجودهم يعني أن الصدام العسكري يمكن أن يتجدد في أي لحظة، ولذلك سيظل مصير التهدئة الحالية مجهولاً».

احتمالات توجه المرتزقة السوريين من ليبيا إلى أفريقيا

تدفع بعض السيناريوهات بأن وجود قواعد عسكرية لتركيا في ليبيا أو حتى مجرد نفوذها بالداخل قد يؤثر بشدة على باقي دول القارة، وبالأخص المنخرطة في صراعات إرهابية مثل تشاد ونيجيريا ومالي وغيرهم، وبالأخص في ظل رعاية تركية لجماعات الإرهاب ووجود تاريخ قريب من المساعدات والعلاقات الاقتصادية الآخذة في النمو بين أردوغان وهذه الدول الغنية بالثروات الطبيعية.

وقد نشر معهد بروكينز الأميركي في 19 مايو 2019 دراسة بعنوان: «تركيا و الوضع الجديد في أفريقيا.. مخططات عثمانية أم طموحات مبررة»، وذكرت الدراسة أن أردوغان زار مقديشو للمرّة الأولى في العام 2011 في فترة مجاعة مهلكة، فكان القائد غير الأفريقي الأوّل الذي يزور منذ عقدَين من الزمن العاصمة الصومالية التي مزّقتها الحرب.

وتشارك تشاد الحدود مع ليبيا، وقد كانت الحكومة التركية حريصة منذ فترة على تمديد العلاقات معها، ففي مايو (أيار) 2020 أرسلت تركيا شحنة مساعدات طبية للمساهمة في الإجراءات التشادية لاحتواء تفشي فيروس كورونا، باعتبار أن الجائحة كانت مصدرًا لكثير من الدول للتوظيف السياسي والدبلوماسي.وبخصوص نيجيريا التي لا تختلف كثيرًا في الهشاشة الأمنية والصراعات الإرهابية عن تشاد، فإن الحكومة التركية تتطلع لتعميق التعاون مع قطاعها النفطي الغني، فبحسب موقع «All Africa»قام سفير تركيا في نيجيريا في أغسطس2019بزيارة إلى شركة البترول الوطنية(nnpc) لتأكيد حرص دولته على التعاون لتطوير البني التحتية لمشروعات النفط في المنطقة إلى جانب تعزيز الشراكة التجارية بين البلدين.

 قواعد عسكرية تركية في ليبيا

أشارت وكالة «رويترز» في تقرير لها نشر في 15 يونيو 2020 إلى أن المصادر التركية القريبة من الحكومة تؤكد تعاون أنقرة والوفاق لتأسيس قاعدتين عسكريتين في ليبيا، وهما: قاعدة مصراتة البحرية في شمال غربي البلاد، وقاعدة الوطية الجوية غربًا بالقرب من الحدود التونسية وهي القاعدة التي أعلنت حكومة السراج في مايو 2020 السيطرة عليها بعد التغلب على قوات الجيش الوطني الليبي التي يقودها المشير خليفة حفتر.وتحدث تقرير لموقع «العربية نت»في 17 يونيو 2020 أن أنظار تركيا اتجهت نحو قاعدة الوطية الجوية وميناء مصراتة البحري، حيث تتطلع إلى إنشاء قاعدتين عسكريتين في إطار مشروعها التوسعي في الأراضي الليبية، وضمن خطط لتثبيت وجودها العسكري في منطقتي شمال أفريقيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط.

وترى لاورا كابيس كيشريرد، الخبيرة الألمانية في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن «خطورة المقاتلين (الإسلامويين) في ليبيا ستكون مطروحة أمام البلدان المجاورة لليبيا، لكن ذلك سيكون على المدى البعيد». وتضيف ذات الخبيرة أنه «كلما ازداد عدد المقاتلين القادمين من سوريا إلى ليبيا، سيصير عليهم من الصعب العودة إلى سوريا أو تركيا، ما يعني أنّ نسبة كبيرة منهم ستظل في ليبيا لمدة أطول أو تفر إلى البلدان المجاورة لها»،وفي ظل تمسك تركيا بنهجها في الأراضي الليبية وفشل المجتمع الدولي في ثنيها عن إرسال المقاتلين، يرى مراقبون أن خروج الليبيين من النفق المظلم سيبقى بعيد المنال.

وكان تقرير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا قد حذر، من أن تقوم عناصر من تنظيم داعش وتنظيم أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة، بتشكيل خلايا جديدة بمناطق أخرى من ليبيا وخاصة الجنوب الغربي الذي يعتبر منفذا إلى دول الساحل.وقالت اللجنة حينها إن لجوء عناصر تلك التنظيمات المتطرفة لهذه المنطقة الشاسعة والمفتوحة سيسمح لها بالتواصل مع تنظيمات إرهابية أخرى منتشرة بالمنطقة على غرار تنظيم بوكو حرام في نيجيريا، والقاعدة في بلاد المغرب، وتنظيم الموقعون بالدم، وجماعة أنصار الدين، وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا.وتعتبر جماعة التوحيد والجهاد التي يتزعمها إياد آغ غالي، هي الأكثر صلة بقيادات التنظيمات الإرهابية في ليبيا المدعومة من أردوغان. وتشهد دول الساحل الأفريقي التي تضم بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد نشاطا لتركيا وقطر تحت شعار التعاون والدعم، حيث لوحظ نشاطهما في مناطق عدة من الدول المذكورة خاصة في المناطق المشتعلة.

النتائج

إن التنظيمات المتطرفة، والمرتزقة السوريين، أصبحا ورقة سياسية بيد أطراف إقليمية ودولية، تمثل مصالحها، وهذا ما يحصل شمالي سوريا، عندما استغلت تركيا، تلك الجماعات المتطرفة والمرتزقة، لتجنيدهم ونقلهم للقتال في ليبيا لصالح حكومة السراج سابقا، المتحالفة مع أنقرة.

إن العلاقة بين هذه الجماعات، لم تكن وليدة اليوم، بل تمتد إلى عام 2011 وربما ما قبل ذلك، وهذا يعني أن قيادات تلك الجماعات ترتبط بعلاقات وثيقة، مع تركيا ومع أطراف إقليمية ودولية، من أجل تنفيذ سياستها، وهنا تكمن التحديات في قضايا محاربة التطرف ومكافحة الإرهاب.

دون شك، يعتبر تدوير ونقل المرتزقة داخل مناطق النزاعات الدولية والإقليمية، مخالفا للقرارات الأممية الصادرة من مجلس الأمن الدولي، التي تحرم تسهيل نقل المقاتلين وحركة الأموال.

إن اتفاق الفرقاء على تطبيق قرارات الأمم المتحدة، وتشكيل حكومة جديدة، يخرجان ليبيا من نفق العنف، ويعتبران بادرة طيبة، ما دامت ستعيد إلى هذا البلد الأمن والاستقرار، لكن تبقى الجماعات المتطرفة، والمرتزقة تمثل عبئا ثقيلا على ليبيا وعلى تركيا، لا يمكن التخلص منها بسهولة.

«سيناريوهات» مصير المرتزقة السوريين

ـ شمال سوريا: التزام حكومة تركيا بالاتفاقات الدولية الخاصة بأمن واستقرار ليبيا، وإعادة المرتزقة إلى شمالي سوريا، عبر تركيا، وهذا يمكن أن يمثل عبئا كبيرا على حكومة أنقرة، التي تتحمل التزامات مالية، إلى جانب تعهدات واتفاقات غير معلنة بين «الاستخبارات التركية»وقيادات تلك الجماعات. إن عدم التزام تركيا بتعهداتها أمام تلك الجماعات، يمكن أن يفجر الخلافات بين تركيا وقيادات المرتزقة السوريين، وهذا يمكن أن يكشف تفاصيل أكثر حول تورط حكومة أنقرة بنقل المرتزقة. هذا الاحتمال ربما يدفع تركيا إلى التخلص من هذه الجماعات المرتزقة والمتطرفة، لأسباب أمنية، بدفعها للتسرب خارج ليبيا بدل العودة إلى شمال سوريا، ويمكن أن تكون جهة المرتزقة إلى أفريقيا أو أوروبا.

ـ شمال أفريقيا: تسرب المرتزقة إلى دول شمال أفريقيا، خاصة تونس، والالتحاق بالجماعات المتطرفة، هناك، وما يعزز هذا الاحتمال أن أغلب هذه الجماعات، قاتلت في سوريا تحت مظلة تنظيم داعش وتنظيم النصرة وغيرها من التنظيمات، ولديها «علاقات عامة»تشجع عودة تواصلها مع بعض، ضمن مبدأ «سياحة الجهاد».

ـ غرب أفريقيا:تنتشر الجماعات الجهادية، وفق العديد من الدراسات المعنية بالتطرف والإرهاب، ويمكن القول إن منطقة الساحل الأفريقي صعبة ومعقدة فيما يخص تقبل أفكار جهادية مثل ما يمثله تنظيم القاعدة وداعش. فسكان المنطقة لا يتميزون بالتحمس الديني، بيد أن منطقة الساحل الأفريقي باتت تتأثر بأفكار حركات متطرفة وربما لأسباب عرقية. ومن أبرز الجماعات الإرهابية في الساحل الأفريقي مكافحة الإرهاب: (جماعة بوكو حرام، تنظيم داعش، تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، جماعة نصرة الإسلام، حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، المرابطون، أنصار الدين، كتيبة تحرير ماسينا) هذه الحقائق يمكن أن تستقطب الجمات المرتزقة من داخل ليبيا.

جنوب أوروبا: إن وجود الجماعات المرتزقة المتطرفة في ليبيا، يعطيها فرصة، للوصول إلى أوروبا، خاصة أن غالبية هذه الجماعات، تفضل المغامرة عبر البحر للوصول من خلال الشواطئ الليبية إلى إيطاليا بحرا، ثم أوروبا، وهذا ما تخشاه دول أوروبا.

تبقى هذه الجماعات مرتبطة، بالواقع الأمني والسياسي إلى ليبيا، وهذا يعني أن ملف الجماعات المرتزقة والمتطرفة، سيبقى فاعلا لدى الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، الفاعلة في ليبيا، وهذه الجماعات تبقى عامل «تهديد»لأمن ليبيا والأمن الإقليمي والدولي، طالما أن هناك حرية التنقل والحركة.

الوضع السياسي والأمني في ليبيا، يبقى هشا، طالما هناك جماعات متطرفة محلية تسيطر على مساحات واسعة من ليبيا وتسيطر على مصادر الثروات، لا تريد أن تخسر مصادر الثروة والسلطة بالتوازي مع ضعف في موقف الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وتجاهل أمريكي.

ربما يعجبك أيضا