روبرت مونديل.. «عرّاب اليورو» يرحل في صمت

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

غيب الموت مطلع الأسبوع الجاري واحدا من أهم الاقتصاديين في العالم، هو الكندي روبرت مونديل “عراب اليورو” صاحب نظرية المنطقة المثلى للعملة التي كانت أساسا لخروج عملة الاتحاد الأوروبي الموحدة إلى النور عام 1970، وأشتهر مونديل الحائز على نوبل في الاقتصاد عام 1999 بالاهتمام بتأثير أسعار الصرف على السياسات المالية وباقتصادات جانب العرض والدفاع عن فكرة معدلات الضرائب المنخفضة.

مونديل.. أحد رواد الاقتصاد في القرن العشرين

أكدت مساعدة مدير برنامج البحوث الاقتصادية في جامعة كولومبيا صوفيا جونسون صباح الإثنين الماضي، وفاة مونديل 88 عاما، يوم الأحد الرابع من أبريل الجاري، يشار هنا إلى أن الراحل كان يعمل أستاذا فخريا في جامعة كولومبيا.

أوضحت زوجته فاليري ناتسيوس مونديل – بحسب ما ذكرته “نيويورك تايمز”- أن سبب الوفاة هو إصابته بسرطان القنوات الصفراوية.

كان مونديل يقول دائما “الاقتصاد يمكن أن يطبق في جميع مناحي التجربة البشرية، باعتباره أحد الجوانب لكل فعل واعي”، وهذا ما طبقه طوال مسيرته العلمية منذ تخرجه في جامعة كولومبيا البريطانية في خمسينيات القرن الماضي وحتى وفاته، يقول المقربون منه إنه كان مشغولا على الدوام بكل ما يتعلق بعلم الاقتصاد، لذا ليس من المستغرب أن تكون نظرياته هي أحد أهم دعائم الاقتصاد الكلي الدولي بمفهومه الراهن.

نظرياته سلطت الضوء على عدد من الأمور كان أبرزها حركة رأس المال العالمية ومعدلات الضرائب واقتصادات جانب العرض وأسعار الصرف وفكرة العملة الموحدة لمنطقة جغرافية ما، في وقت لم يكن أحد يتطرق إلى هذه الموضوعات، قالت عنه لجنة نوبل عام 1999: مونديل اختار موضوعات أبحاثه ونظرياته بدقة غير شائعة، تعكس قدرته على التبؤ بالتطور المستقبلي لأسواق المال والسياسات النقدية عالميا.

أهم هذه النظريات التي من السهل أن نلمس أثرها في الاقتصاد العالمي اليوم والتي أكسبت عالمنا شهرة خارج الإطار الأكاديمي، نظرية المناطق المثلى للعملة، ونموذج ماندل- فليمنج لأسعار الصرف، ونظرية خفض الضرائب على الأثرياء من أجل تحفيز النمو، هذه الأخيرة نجدها أكثر جذبا للحكومات ذات الطابع اليميني التي تميل لتقديم الحوافز للقطاع الخاص، إيمانا في قدرته على دعم النمو.

قال مونديل في مقابلة له عام 1986 – دفاعا عن هذه النظرية بالتحديد-  من الأفضل الإبقاء على معدل ضريبي أقل من 25%، إذ يجب تقديم حوافز ومكافآت لمجموعة رجال الأعمال، وفي مقابلة أخرى عام 2006 قال: إن معدلات الضرائب التصاعدية بشكل حاد تقلل من حجم الكعكة الضريبية التي سيتم توزيعها، وقد يكون الفقراء أفضل حالًا بحصة أصغر من كعكة أكبر مقارنة بحصة أكبر من كعكة صغيرة الحجم.

في العالم 1962 طور من خلال عمله بصندوق النقد وبمساعدة ماركولس فليمنج نموذجا خاص بأسعار الصرف العالمية أطلق عليه نموذج مونديل – فليمنج والذي يصف العلاقة قصيرة الأمد بين سعر الصرف ومعدّل الفائدة والناتج المحلي، ويقول إن الدولة لا يمكنها في وقت واحد المحافظة على سعر صرف ثابت في ظل حرية لحركة رأس المال وسياسة نقدية مستقلة، فقط يمكنها الحفاظ  على اثنين من هذه العوامل.

وتظل نظرية المناطق المثلى للعملة هي أبرز نظريات مونديل ذات الأثر الأكبر، حيث مهدت الطريق في الستينيات من القرن الماضي لظهور تكتل اليورو، حيث سلطت الضوء على مزايا إنشاء عملة موحدة في المناطق الجغرافية المتقاربة والتي تتمتع بتشابة في الجوانب الاقتصادية، وبحسب مونديل هناك مزايا عدة لـ”المناطق المثلى للعملة الواحدة” نذكر منها:

-القضاء على البطالة.

-استقرار أسعار الصرف.

-تسهيل حركة التجارة والتبادلات الاقتصادية بين الدول الأعضاء.

-معالجة اختلالات توازن ميزان المدفوعات للدول الأعضاء.

-تقاسم المخاطر الاقتصادية.

-اتباع سياسة نقدية موحدة في مواجهة الأزمات المحتملة كالركود والتضخم.

مسيرة مونديل العلمية

روبرت ألكسندر مونديل ولد في 24 أكتوبر 1932 في كندا، حصل على درجة بكالوريوس الاقتصاد من جامعة كولومبيا البريطانية، كما درس في كلية لندن للاقتصاد، وحصل على درجة الماجستير من جامعة واشنطن في سياتل.

 -في العام 1956 حصل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على درجة الدكتوراه.

-في 1957 عمل في جامعة شيكاغو.

-في عام 1961 عمل كمستشار في صندوق النقد.

-في الفترة من 1965 إلى 1972 عاد للعمل كأستاذ للاقتصاد بجامعة شيكاغو.

-في الفترة من 1972 إلى 1974  عمل رئيسًا لقسم الاقتصاد بجامعة واترلو.

-منذ العام 1974 عمل كأستاذ بجامعة كولومبيا البريطانية.

هذا فضلا عن التدريس بعدد من الجامعات والمعاهد الأخرى سواء في أمريكا أو بريطانيا أو سويسرا، والعمل كمستشار لفترة لدى الأمم المتحدة والبنك الدولي والمفوضية الأوروبية وحتى حكومات كندا وأمريكا.

طوال مسيرته حصد مونديل جوائز وشهادات تكريم مرموقة منها:

-جائزة جوجنهايم عام 1971.

-الدكتوراه الفخرية من جامعة باريس عام 1992.

-جائزة نوبل عام 1999.

– جائزة معهد الاقتصاد العالمي في كيل بألمانيا عام 2005.

– الدكتوراه الفخرية في القانون من جامعة واترلو عام 2006.

يمكنا القول أن مونديل أفنى عمره حبا في علم الاقتصاد، مدافعا عن نظرياته، يقول الصحفي ديفيد ورش “إن مونديل كان واحدا من أكثر الشخصيات نشاطا وحيوية في عالم الاقتصاد، لقد كان مارقا لامعا”، وصفه كثيرون بأنه من أشد الشخصيات تأثيرا في الاقتصادي الكلي الدولي خلال النصف الثاني من القرن العشرين.. رحل الأب الروحي لـ”اليورو” في وقت تسعى بروكسل إلى تطوير عملتها لكسر هيمنة الدولار الأمريكي، وسط توقعات بنجاح مساعيها في نهاية المطاف وإلى جانبها عملات مثل الين واليوان، والجميع يراهن على قدرة أوروبا وبلدان آسيا على العودة إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا بصورة أسرع من أمريكا.

99 14 banquet

ربما يعجبك أيضا