اليوان الرقمي.. للصين مآرب أخرى!

كتب – حسام عيد

وكأنها ملاذات آمنة رائجة في الأوقات العصيبة والتحوط من الأزمات والاضطرابات كما يحدث حاليًا من تداعيات عاصفة للأصول ذات المخاطر العالية، بسبب جائحة كوفيد-19 الوبائية التي لا تزال تُلقي بظلالها ومتغيراتها على الاقتصاد العالمي بشكل عام وربما تعيد رسم ملامحه في المستقبل القريب، تتطلع دول عديدة بطموحات كبيرة إلى امتلاك عملة رقمية “مشفرة” خاصة” للاستفادة من سوق ينمو بوتيرة متسارعة للغاية، حتى وإن كان معروفًا بالتقلبات الشديدة التي ربما تتسبب في خسائر فادحة بعد أرباح هائلة.

الصين، القوة الاقتصادية الثانية عالميًا، وصاحبة السوق الناشئ الذي يتمتع بمرونة عالية وسط الأزمات والتحديات، اقتحمت قطاع العملات المشفرة مع رغبة كبيرة في تعزيز الاستثمار بتكنولوجيا بلوك تشين التي تدعم العملات المشفرة مثل “بتكوين” وإيثريوم”، وهذا ما بدا واضحًا للعيان مع إطلاق عملة رقمية خاصة بها، كأول اقتصاد رسمي يقدم على تلك الخطوة الجريئة. لكن ربما يكون هناك مآرب أخرى للحكومة الصينية من وراء ذلك.

نظام اليانصيب.. واليوان الرقمي

في يوم الثلاثاء الموافق 6 أبريل 2021، أطلقت الصين نظام يانصيب، حيث وزعت عملات على 750 ألف شخص من مواطنيها، في خطوة من شأنها تشجيع وانتشار وتداول العملات الرقمية.

الإطلاق يعد الأول رسميًا من قبل اقتصاد رئيسي مؤثر في حركة واتجاهات الأسواق العالمية، فمن خلال ذلك النظام يمكن للأفراد إنفاق اليوان الرقمي الخاص بهم في المتاجر وعبر الإنترنت باستخدام تطبيق خاص.

يأتي ذلك، في وقت أصبحت المدفوعات المستندة إلى التطبيقات شائعة جداً في الأعمال التجارية الصينية، لذلك سارع التجار إلى التكيف مع العرض الحكومي الجديد.

ومع إطلاق العملة الرقمية، سيكون كل يوان متداول موجوداً كعملة مادية أو رقمية، فيما يتوقع المحللون أن ترفع الحكومة الصينية مبلغ العملة الرقمية في المستقبل، وبالتالي تخفض كمية العملة المادية المتاحة في السوق.

وتعد الصين الدولة الثانية، وأول اقتصاد رئيسي يطلق رسميًا نسخة رقمية من عملته، عبر تقنية سلسلة الكتل، بعدما أطلقت جزر الباهاما العام الماضي عملتها الرقمية والمعروفة بالدولار الرملي، وفقاً لوكالة “بلومبيرج”، حيث لاقت العملة قبولاً واسعاً من المتاجر في العاصمة ناسو.

وحددت “بلومبيرج” 4 دول أخرى لديها خطط ملموسة لإطلاق عملتها الرقمية الخاصة، وهي جنوب أفريقيا، والهند، وباكستان، وتايلاند.

طموحات منافسة الدولار

خطوة إقبال الصين على إطلاق عملتها الرقمية ربما تكون محاولة جادة منها لدفع اليوان إلى نطاق جديد، لسحب البساط أو منافسة العملة الأقوى المهيمنة على الاقتصاد العالمي، منذ الحرب العالمية الثانية، وهي الدولار الأمريكي، وقد يتعدى الأمر المنافسة فقط.

ومع تطور وصعود نجم العملات الرقمية، تقوم الصين بمنح عملتها الغطاء القانوني لتصبح عبارة عن رموز إلكترونية في زمن أصبحت فيه الأموال افتراضية بالفعل بشكل كبير.

فمنذ ألف عام، عندما كان المال يعني العملات المعدنية، اخترعت الصين العملة الورقية. الآن تقوم الحكومة الصينية بصك النقود رقميًا، لتصبح أول دولة كبرى تدخل مجال العملات المشفرة بصفتها الرسمية.

وبالرغم من أن العملات الإلكترونية المشفرة، مثل البتكوين، بدأت وتوسعت خارج النظام المالي العالمي التقليدي، بدأت الصين في التحكم بنسختها من العملات الرقمية من خلال البنك المركزي الذي سيصدر النقود الإلكترونية الجديدة.

وتتوقع صحيفة “وول ستريت جورنال” أن تنشئ الحكومة الصينية أدوات جديدة واسعة النطاق لمراقبة اقتصادها وشعبها، ومتابعة الإنفاق بشكل لحظي ودقيق.

وتقول: “سوف يلغي اليوان الرقمي، المعروف أيضًا باسم الرنمينبي الإلكتروني (e-RMB)، إحدى الميزات الرئيسية لعملة البتكوين وهي عدم الكشف عن هوية المستخدم”.

وتضيف أن بكين تعمل أيضًا على وضع اليوان الرقمي للاستخدام الدولي وتصميمه ليكون غير مرتبط بالنظام المالي العالمي، حيث تربع الدولار مكانة دولية منذ الحرب العالمية الثانية، من خلال السبق في الاستثمار في تقنيات المستقبل التي تعتبرها في متناول اليد.

ويتفوق الدولار بكثير على جميع العملات الأخرى في مجال تداولات العملات الأجنبية الدولية، بنسبة 88 بالمئة في أحدث التصنيفات الصادرة عن بنك التسويات الدولية، في حين تم استخدام اليوان بنسبة أربعة في المئة فقط.

لكن محللين واقتصاديين وضحوا أن الرقمنة في حد ذاتها لن تجعل اليوان منافسا للدولار في التحويلات الرقمية من بنك إلى بنك. “ولكن في شكله الجديد، يمكن لليوان أن يكتسب زخمًا على هوامش النظام المالي الدولي”، وفقا لما نقلته الصحيفة.

التحايل على العقوبات وتوسيع السلطات

وتحذر الصحيفة من نقطة هامة وهي أن “الاستخدام الدولي المحدود للعملة الرقمية الصينية يمكن أن يخفف من لدغة العقوبات الأمريكية، التي تُستخدم بشكل متزايد ضد الشركات أو الأفراد الصينيين”.

ويتوفر اليوان الرقمي في الفضاء الإلكتروني، وهو متاح على الهاتف المحمول للمالك -أو على بطاقة لمن هم أقل علماً بالتفاصيل التقنية، ولا يتطلب إنفاقه اتصالاً عبر الإنترنت دائما بالإنترنت.

ويقول مصرفيون ومحللون إن بكين تهدف إلى رقمنة جميع أموالها في نهاية المطاف. وهو ما سيمكن الحكومة من تتبع إنفاق الأشخاص في الوقت الفعلي، وتسريع الإغاثة لضحايا الكوارث أو الإبلاغ عن نشاط إجرامي. وبهذه الطريقة، ستكتسب بكين سلطات جديدة واسعة لتشديد قبضة الحزب الحاكم.

ربما يعجبك أيضا