الحوار الاستراتيجي.. هل يخرج العراق من معادلة «شد الأطراف» ؟

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

بين الحاجة الفعلية لبقاء قوات أجنبية، ووعيد الفصائل المسلحة من مغبة بقاء هذه القوات، تنطلق جولة جديدة من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن هي الأولى في عهد الإدارة الجديدة للرئيس جو بايدن، بهدف رسم علاقة مستقبلية بين البلدين فيما يتعلق بالتنسيق الأمني والعسكري.

البيان الختامي للحوار، شدد على احترام سيادة العراق وسلامة أراضيه وحرية التعبير التي يكفلها الدستور العراقي، وتوصل الطرفان إلى أن دور القوات الأمريكية وقوات التحالف قد تحول الآن إلى المهمات التدريبية والاستشارية على نحو يسمح بإعادة نشر المتبقي من القوات القتالية خارج العراق، على أن يتفق الطرفان على التوقيتات الزمنية في محادثات فنية مقبلة. من جهتها، جددت الحكومة العراقية التزامها بحماية أفراد وقوافل التحالف الدولي والبعثات الدبلوماسية المتواجدة على أراضيها.

وتطرق البيان كذلك إلى المساعدات الأمريكية للعراق لمكافحة جائحة كورونا، عبر تقديم الأموال تجديد وتجهيز مختبرات الصحة العامة، والتبرع بأجهزة فحص فيروس كورونا، ومعدات الحماية الشخصية، فضلا عن تدريبها علماء الأوبئة العراقيين .

رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي
رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي

حوار بطلب عراقي

تأتي هذه الجولة من الحوار بناء على طلب عراقي مع تنامي مظاهر الانفلات الأمني، حيث يرى البنتاجون أن هناك ضرورة لبقاء القوات الأمريكية من أجل التصدي للتهديدات الإرهابية. لكن ماذا لو طلب من القوات الأمريكية مغادرة الأراضي العراقية ؟ يجيب البنتاجون بأنه في هذه الحالة لابد من توسيع مهام قوات حلف الناتو في العراق.

ربما يعيدنا ذلك إلى إعلان الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي «الناتو»، ينس ستولتنبرغ، قبل شهرين، أي بعد تسلم بايدن زمام الحكم في واشنطن بنحو شهر تقريبا، عن قرارٍ بزيادة حجم بعثة الحلف في العراق من 500 فرد إلى نحو 4 آلاف، ورغم إشارته إلى أنّ عمليات النشر هذه ستكون «قائمة على الظروف»، و«تدريجية»، وتخضع لتفويض بغداد، إلا أن أعداد القوات كانت العنصر الوحيد من إعلانه الذي تناولته التقارير على نطاق واسع داخل العراق، مما أدى إلى ضغوط سياسية سريعة على الحكومة لتوضيح الزيادة الحادة على ما يبدو، قبل أن يأتي الإعلان الأخير من البنتاجون لتتضح الصورة أكثر فأكثر.

لدى العراق كثير من الاحتياجات لإصلاح المنظومة الأمنية، وهو ما يمكن للناتو توفيره عبر المزيد من المستشارين القادرين على مساعدة السلطات المحلية في إصلاح القطاع الأمني، بما يساعد على تقوية الدولة العراقية في مواجهة تنظيم داعش والميليشيات المسلحة المدعومة من إيران.

مأزق معادلة شد الأطراف

تتزامن هذه الجولة من الحوار مع ضغوط من أحزاب وميليشيات موالية لإيران تطالب بإخراج القوات الأمريكية وإنهاء دور التحالف الدولي في العراق . قيس الخزعلي، زعيم ميليشيا عصائب الحق التابعة لإيران كان قد هدد في حوار متلفز باستهداف من أسماها «قوات الاحتلال» ومواصلة الهجمات على القوات الأمريكية.

وبعد الزيارة، جاءت تصريحات قائد مليشيا بدر هادي العامري، والذي وجه أوامر للسياسيين والفصائل المسلحة في كيفية التعامل مع الأمريكان قبل انطلاق الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد.

طهران التي ترى في الوجود الأمريكي على الأراضي العراقي تهديدا لمصالحها، سارعت إلى إرسال مبعوثها، إسماعيل قآني، زعيم فيلق القدس، إلى العاصمة العراقية، بغداد،  للتأثير على الموقف العراقي خلال جولة الحوار الجديدة والتي تعدّ شأن عراقي خاص لسيادته العسكرية، ما جعل نشطاء يتساءلون فهل جاء مفاوضاً أم آمراً وناهياً؟

 في المقابل معكسر آخر من القوى السياسية الكردية والعربية السنية تعتبر أن مطلب إخراج القوات الأجنبية ناجم عن إرادة إيرانية، ما يعني أنه على واشنطن العمل على تحجيم دور إيران في العراق والتوقف عن دعم الوكلاء.

ويرى مراقبون أن جولة الحوار الاستراتيجي من شأنها أن تساهم في خروج العراق من معادلة «شد الأطراف» بين إيران والولايات المتحدة، فيما يتوقع آخرون إلى أن تقود هذه الجولة إلى المزيد من الفوضى لا سيما وأن نظام الملالي في إيران يسعى بكل قوة لإضعاف الحكومة العراقية التي تتبنى استراتيجية التوازن وحفظ هيبة الدولة.

ليست الأخيرة

جولة الحوار الجديدة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة لحين الوصول إلى اتفاق شامل يؤطر التعاون والتنسيق المشترك بين البلدين وهو هدف تسعى كل من بغداد وواشنطن إلى تحقيقه.

جيش قوي، أجهزة أمنية ذات إمكانيات عالية خالية من الشوائب، علاقات وزيارات داخل العراق وخارجه ناجحة، كلها أوراق رابحة لحكومة الكاظمي أدت جميعها للوصول للحوار الاستراتيجي الذي من شأنه أن يعزز سيادة العراق. غير أن طريق الكاتيوشا يؤدي لعراق محتل بآلاف الجنود، فأي طريق ستختاره العراق!

ربما يعجبك أيضا