زعيم داعش الجديد صنيعة أمريكية؟

هالة عبدالرحمن

كتب – هالة عبدالرحمن

أثبت التاريخ والجغرافيا أن واشنطن تقف وراء صناعة الإرهابيين في بعض الأحيان، سواء عبر تفريغ عقولهم، وخداعهم بأن تلك الأفعال ليحققوا أهدافهم سواء كانت دينية أو أيديولوجية أو عرقية أو طائفية، بينما هم في الواقع ينفذون أجندة أمريكا ويخدمون مصالحها، وفقاً لمخططات مرسومة ومعدة مسبقا، للسيطرة على العالم وتفجيره من الداخل.

دعم أمريكا للإرهاب لم يتوقف عند هذا الحد بل امتد إلى دعم تنظيم القاعدة نفسه منذ 1988 حيث كان الهدف من تأسيس القاعدة محاربة السوفيت في أفغانستان، ومؤخرا  أفاد تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، أمس الخميس، بأن أبا إبراهيم الهاشمي القرشي الذي بايعه تنظيم «داعش» الإرهابي خلفا لأبي بكر البغدادي، عمل مخبرا للأمريكان خلال سجنه في العراق.

زعيم داعش كان مخبرا للأمريكان

ووفق تقرير الصحيفة، فإنه تم تصوير المعتقل العراقي “M060108-01″، في إشارة إلى القرشي على أنه سجين نموذجي، «متعاون» مع سجانه الأمريكي، حتى أنه بدا وكأنه يبذل قصارى جهده ليكون مفيدا، بخاصة عندما يعرض عليه فرصة للإبلاغ عن منافسيه داخل تنظيمه، الذي كان يعرف آنذاك «بدولة العراق الإسلامية».

وحسب «واشنطن بوست»، فقد قدم القرشي على مدار عدة أيام من استجوابه عام 2008 توجيهات دقيقة حول كيفية العثور على المقر السري للجناح الإعلامي للتنظيم، وصولا إلى أدق التفاصيل مثل لون الباب الأمامي.

وعندما سئل عن القائد الثاني للمجموعة وهو سويدي من أصل مغربي يدعى أبو قسورة، رسم القرشي خرائط لمكان التجمع حيث يسكن الرجل، حيث تمكن الجيش الأمريكي بعد أسابيع من هذه المعلومات، من قتل أبو قسورة في غارة على مدينة الموصل العراقية.

ولفتت الصحيفة إلى أن الوثائق السرية التي نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية، أظهرت أن القرشي كان مخبرا غزير الإنتاج وقد قدم عشرات التفاصيل التي لا تقدر بثمن ساعدت من يحاربون التنظيم الإرهابي الذي يرأسه الآن.

وقال كريستوفر ماير، مساعد وزير الدفاع للعمليات الخاصة إن «القرشي واسمه الحقيقي أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى فعل الكثير لإنقاذ رقبته، وكان لديه سجل طويل من العداء تجاه الأجانب في داعش».

ولفتت الصحيفة إلى أن القرشي عراقي الجنسية والذي كان يبلغ 31 عاما حين اعتقل أواخر 2007 أو مطلع 2008، خضع لعشرات الاستجوابات من قبل المسؤولين العسكريين الأمريكيين، وأن التاريخ الدقيق لإطلاق سراحه غير معروف لكن سجل الاستجواب توقف في يوليو 2008.

وفي سبتمبر / أيلول ، أصدر مركز مكافحة الإرهاب الممول من البنتاجون في ويست بوينت ذات مرة سجلات سرية لثلاث جلسات استجواب حيث ذكر المولى أو وصف ، في كثير من الأحيان بالتفصيل ، 88 شخصًا ينتمون بطريقة ما إلى تنظيم داعش في العراق.

وأصدر المركز 53 محضر استجواب أخرى هذا الأسبوع. تظهر السجلات التي تم الإفراج عنها حديثًا أنه لم يكن يقوم فقط بالإبلاغ عن الإرهابيين داخل المنظمة الذين سيتطورون إلى الذي يقوده اليوم ، ولكنه كان يفعل ذلك بطريقة تعاونية للغاية.

وفي السجلات التي امتدت من يناير إلى يوليو 2008 ، قدم المولى بانتظام معلومات عن المنافسين والإرهابيين المولودين في الخارج داخل التنظيم.

على سبيل المثال ، بعد أن أنكر أولاً معرفة أي شيء ، قدم معلومات مفصلة ، حتى أنه رسم خريطة لمجمعه ، عن الرجل الأجنبي المولد في التنظيم أبو قسورة، وبعدها قتلت القوات الأمريكية الرجل بعد بضعة أسابيع.

القرشي خليفة البغدادي

وكانت وكالة «رويترز» أفادت في أكتوبر  2019 بأن تنظيم «داعش» أعلن مبايعة القرشي خلفا للبغدادي، الذي تمت تصفيته في الـ27 من أكتوبر.

وكان التنظيم الجهادي أعلن بعد مقتل زعيمه أبو بكر البغدادي في غارة أمريكية في سوريا في نهاية تشرين الأول / أكتوبر، اختيار «خليفة للمسلمين» جديد هو الهاشمي القرشي، لكنّ هذا الاسم لم يعن شيئاً للكثير من الخبراء بشؤون الجماعات الجهادية لدرجة أنّ بعضهم شكّك حتى بإمكان أن يكون شخصية وهمية، في حين قال عنه مسؤول أمريكي رفيع المستوى إنّه «مجهول تماماً».

ونقلت صحيفة الجارديان عن مسؤولين في جهازين استخباريين لم تسمّهم أنّ الزعيم الجديد لتنظيم «داعش» هو المولى وقد كان قيادياً رفيعاً في التنظيم و«أحد منظّريه العقائديين».

 وبحسب الصحيفة فإن المولى يتحدّر من الأقليّة التركمانية في العراق، ما يجعله واحداً من القادة غير العرب القلائل في التنظيم الجهادي.

 والمولى الذي تخرّج وفق المصدر نفسه من جامعة الموصل كانت له اليد الطولى في حملة الاضطهاد التي شنّها تنظيم داعش بحق الأقليّة الإيزيدية في العراق في 2014.

من جهتها، رصدت الولايات المتحدة في آب / أغسطس 2019 مكافأة مالية تصل قيمتها إلى خمسة ملايين دولار مقابل أي معلومة تقودها إلى المولى الذي كان لا يزال في حينه قيادياً في التنظيم الجهادي لكنهّ مع ذلك كان «خليفة محتملاً لزعيم داعش أبو بكر البغدادي».

 وبحسب موقع «المكافآت من أجل العدالة» التابع للحكومة الأمريكية فإنّ المولى، الذي “يعرف أيضاً بإسم حجي عبد الله” كان “باحثاً دينياً في المنظمة السابقة لداعش وهي منظمة القاعدة في العراق، وارتفع بثبات في الصفوف ليتولى دور قيادي كبير في داعش”.

 وأضاف الموقع أنّه بصفته “واحداً من أكبر الأيديولوجيين في داعش، ساعد حجي عبد الله على قيادة وتبرير اختطاف وذبح وتهريب الأقلية الدينية اليزيدية في شمال غرب العراق، ويعتقد أنه يشرف على بعض العمليات الإرهابية العالمية للجماعة.

الخليفة الكناري

وكتب دانييل ميلتون ، الأستاذ المشارك ومدير الأبحاث في مركز مكافحة الإرهاب ، في مقال في مجلة «لوفير» هذا الأسبوع أن السجلات الجديدة تُظهر أن زعيم داعش الجديد كان ذات يوم «طائرًا مغردًا ذا موهبة وقدرة فريدة».

وعندما أصدر المركز لأول مرة عددًا قليلاً من تقارير الاستجواب التكتيكية الخريف الماضي ، وصف هارورو إنجرام ، الباحث البارز في برنامج جامعة جورج واشنطن حول التطرف ، المولى بأنه “الخليفة الكناري” ، وفقًا لموقع «ميدل إيست آي».

وقال كريستوفر ماير ، مساعد وزير الدفاع للعمليات الخاص، لصحيفة «واشنطن بوست»، التي نشرت أول تقرير عن السجلات الجديدة، أن المولى فعل ما فعله «لإنقاذ رقبته».

المولى ، الذي لا يلفت الانتباه ، يقود حاليًا تنظيمًا مشلولًا فقد السيطرة على ما يسمى بالخلافة ، التي امتدت ذات يوم عبر العراق وسوريا ، لكن داعش لم يتم هزيمتها بعد.

ففي الشهر الماضي ، التقى وزير الخارجية أنطوني بلينكين بوزراء خارجية التحالف الدولي لهزيمة داعش / الجماعة الصغيرة لداعش لمناقشة تهديد داعش، وأقروا في بيان مشترك بأنه في حين أن داعش لم يعد يسيطر على الأراضي وتحرر ما يقرب من ثمانية ملايين شخص من سيطرته في العراق وسوريا ، فإن التهديد لا يزال قائما.

وتابع البيان «على التحالف مواصلة توخي اليقظة إزاء تهديد الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره للبناء على النجاح الذي حققه ومواصلة العمل معا ضد أي تهديدات لهذه النتيجة لتفادي الفراغات التي قد يستغلها داعش».

ربما يعجبك أيضا