الأمير فيليب.. من أجل إليزابيث تهون التنازلات

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

«قد لا يكون من الأشخاص الذين يجيدون المديح، لكنه ببساطة سر قوتي وبقائي كل هذه الأعوام أنا وكل أفراد الأسرة وكثيرون حول العالم ندين بالكثير لهذا الشخص». شهادة تلخص رحلة زواج استمرت لأكثر من 70 عاما، واجها خلالها الصعاب والتحديات معا.. إنه الأمير فيليب زوج ملكة بريطانيا، ثالث أكبر المعمرين بالأسرة الملكية البريطانية، عاش طفولته وتلقى دراسته في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، قبل أن يتعرف على الأميرة إليزابيث خلال مرافقة والدها للكلية البحرية.


في صيف 1946 طلب من الملك جورج السادس يد ابنته للزواج وتمت الموافقة، لتبدأ عقود طويلة من مرافقته للملكة إليزابيت شارك خلالها في أكثر من 32 ألف التزام رسمي منذ اعتلاء الملكة إليزابيث العرش عام 1952، قبل أن يعلن اعتزال الحياة العامة عام 2017.

بناء على رغبة دوق إدنبره، لن يشيع الأمير فيليب في جنازة رسمية ولن يسجى جثمانه لجمهور المعزين لتوديعه وإلقاء النظرة الأخيرة عليه، وإنما في كنيسة سانت جورج، في قلعة وندسور يعقبها جنازة ملكية، لن يسمح للجمهور فيها بالحضور بسبب إجراءات السلامة .

فيليب1 11

من أجل إليزابيث.. تنازلات كبيرة

ولد الأمير فيليب في 10 يونيو 1921 في جزيرة كورفو اليونانية لعائلة الأمير أندريه (نجل الملك اليوناني جورج الأول) وزوجته الأميرة الألمانية أليسا (وهي حفيدة الملكة البريطانية فيكتوريا)، وتم تعميده على الطقوس المسيحية الأرثوذكسية.

بعد انقلاب عام 1922، أُبعد والده عن اليونان بقرار من محكمة ثورية. ونقلت سفينة حربية بريطانية أرسلها ابن عمه الثاني، ملك بريطانيا جورج الخامس، العائلة إلى فرنسا. تعلم الأمير فيليب في مدارس ألمانيا واسكتلندا، ثم في الكلية البحرية الملكية في دارتماوث.

وفي عام 1939 تعرف الأمير فيليب على الأميرتين إليزابيث (الملكة مستقبلا) ومارغريت عندما رافقتا والديهما الملك جورج السادس والملكة الأم إليزابيث خلال زيارتهما إلى الكلية البحرية (وهم كانوا أقرباء من بعيد للأمير فيليب).

شارك الأمير فيليب في الحرب العالمية الثانية بصفوف البحرية الملكية، وفي عدد من العمليات القتالية الكبيرة، ومنها معركة كريت وغزو صقلية وأنهى الحرب برتبة ملازم أول.

بدأ الحبيبان فيليب وإليزابيث تبادل الرسائل منذ أواخر الثلاثينيات، وفي 1946 توجه فيليب إلى الملك جورج بطلب يد ابنته، ووافق العاهل على ذلك فورا. إلا أن زواجه بالملكة إليزابيث لم يكن سهلا هكذا، إذ اضطر الأمير فيليب إلى الموافقة على عدد من الشروط منها، الانتقال من المسيحية الأرثوذكسية إلى الإنجليكية والتخلي عن لقبي «أمير اليونان» و«أمير الدنمارك»، بالإضافة إلى التراجع عن فرصة منح اسمه العائلي لأبنائه.ودام زواج الأمير فيليب والملكة إليزابيث 73 عاما رزقا خلاله بأربعة أبناء، أكبرهم ولي العهد الحالي الأمير تشارلز.

تمرد على قصر باكنغهام

عقب وفاة الملك جورج الخامس في فبراير/ شباط عام 1952 انتقلت الملكة الجديدة وزوجها، بضغط من الحاشية، إلى قصر باكنغهام، حيث ساهم الأمير فيليب في تحديث العائلة الملكية البريطانية بفضل حماسه وأسلوبه العملي، فضلا عن أنه كان ضابطاً بحرياً وصاحب آراء قوية بشأن طيف واسع من القضايا.

تمرد الأمير فيليب على بروتوكول القصر، فقد كان يفضل حمل حقائبه بنفسه بدلا من رن جرس كي يأتيه من يحملها، كما كان يعد فطوره الإنجليزي بغرفته الخاصة مستخدما مقلاة كهربائية حتى اشتكت الملكة من الرائحة. وعندما اكتشف أنه يوجد بالقصر مطبخان، واحد للعائلة المالكة والثاني للآخرين، ألغى أحدهما.

كما كان مصراً على جعل الملكية نفسها مواكبة للعصر، فكان أن أطلق تقليد تنظيم غذاء غير رسمي تشارك فيها الملكة مع طيف أكبر من المجتمع. ورغم أنه يكن للأمير فيليب وضع دستوري، لكن لم يكن هناك أحد أقرب إلى العرش، أو أكثر أهمية للملكة كما كان الأمير فيليب. إذ مكنته قوة شخصيته من الاضطلاع بمسؤولياته بمنتهى النجاح، وتقديم العون لزوجته في تأدية واجباتها الملكية.

فيليب

قائد بالفطرة

كان الأمير الراحل قائدا بالفطرة، حتى وإن تسبب موقعه ودورها في جعله دائما في المركز الثاني دائما خلف ملكة قلبه. «فيليب» رجل ذو طبع حاد لم يتناسب في الكثير من الأحيان مع حساسية موقعه، وهو ما عبر عنه صراحة في حوار مع «بي بي سي»: «فعلت ما رأيت أنه الأصلح. لا يمكنني فجأة تغيير طريقتي في التصرف. لا يمكنني تغيير اهتماماتي أو ردود فعلي. هذا هو أسلوبي».

عرف الأمير فيليب أنه رجل عملي وقد تجلى ذلك خلال الحرب العالمية الثانية لدى إصابة السفينة الحربية والاس التي كان أحد أفراد طاقمها، ولكي يتجنب تعرض السفينة لمزيد من الهجمات من الطائرات الألمانية أمر رجاله ببناء طوف يتصاعد منه الدخان للإيحاء بأن السفينة قد دمرت مما شتت انتباه قاذفات العدو وسمح للسفينة الحربية بالفرار.

خلال عمله ضابطاً بالبحرية الملكية البريطانية اكتسب سمعة أنه يريد دائما تحسين الأشياء، وهو أمر ارتبط أيضا بعدم صبره تجاه أولئك الذين يتمسكون بالحلول التقليدية للمشاكل.

كان يرى أن وظيفته هي «ضمان حُكم الملكة» كما قال لكاتب سيرته الذاتية، لتبقى أكبر إسهاماته دعمه الدائم والمستمر للملكة طوال سنوات حكمها، ونجاحه في استغلال موقعه لتقديم إسهامات كبرى للحياة البريطانية، ومساعدة الملكية على مواكبة التغيرات الاجتماعية في العصور المختلفة.

عندما تقدم الأمير فيليب في العمر ظل يتطلع للمستقبل ففي عام 2015 قام بزيارة موقع شبكة مترو الأنفاق الجديد في لندن، وعندما قيل له إنها ستفتتح عام 2018 قال: «ربما يكون ذلك متأخرا جدا بالنسبة لي» قبل أن يعود ويقول : «ولكن أيضا، ربما لا».

ربما يعجبك أيضا