التوتر يضرب العلاقات الفرنسية الجزائرية.. و«الاستفزاز» عنوان الأزمة

حسام السبكي

حسام السبكي

لم تلبث العلاقات الفرنسية الجزائرية -والتي شابتها عقود من التاريخ الأسود للاحتلال الفرنسي، في بلاد المغرب العربي، والذي نال الجزائر القسط الأكبر منه- أن تشهد حالة من إلقاء الحجر في المياه الراكدة منذ سنوات، حتى ضرب التوتر مجددًا العلاقات بين البلدين، إثر إرجاء زيارة لوفد فرنسي رفيع المستوى، فضلًا عن قضايا أخرى شائكة عالقة بين البلدين، من بينها الصحراء الغربية، وملف الحراك الجزائري، والتي قد ترجع أزمة العلاقات بين البلدين، إلى مربعها الأول.

أزمة جديدة

large 92650%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA %D8%A8%D9%8A%D9%86 %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1 %D9%88%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7 %D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%AA %D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9 f95b7

مع قرار فرنسا، إرجاء زيارة وفد رسمي رفيع من جانب باريس، إلى الجزائر، وجهت وسائل الإعلام الجزائرية، سهام هجومها، أول أمس السبت، صوب باريس بعد إلغاء زيارة وفد فرنسي على رأسه رئيس الوزراء جان كاستيكس بطلب من الجزائر كانت مقررة نهاية الأسبوع.

ويجري الحديث عن أسباب كثيرة للاضطرابات الجديدة في العلاقة بين فرنسا والجزائر، بينها عدد أعضاء الوفد الوزاري الفرنسي الذي كان يفترض أن يجري زيارة رسمية للجزائر قبل إلغائها في آخر وقت، وما اعتبر “استفزازا” فرنسيا في ملف الصحراء الغربية ودعم الصحافة الفرنسية للحراك الجزائري.

وعنونت جريدة “الوطن” الناطقة بالفرنسية افتتاحيتها بـ”أعمال عدائية فرنسية خطرة”، قالت فيها إنه “من حقنا التساؤل عن اللعبة الخطرة للسلطات الفرنسية“.

من جهتها كتبت جريدة “الخبر” الناطقة بالعربية في صفحتها الأولى “تأجيل زيارة كاستيكس يؤكد عمق الفجوة بين الجزائر وفرنسا” تحت عنوان كبير “القطيعة مستمرة”.

jc

وأُرجِئت مساء الخميس الماضي الزيارة التي كانت مقررة يوم أمس الأحد إلى أجل غير مسمى، وكانت ستنعقد خلالها اللجنة الحكومية المشتركة رفيعة المستوى، ورغم عدم تقديم الحكومة الجزائرية أي تفسير لما جرى، تحدثت مصادر متطابقة فرنسية وجزائرية عن انزعاج الجزائر من تقليص عدد الوفد الفرنسي إلى أربعة أو ثلاثة أعضاء من الحكومة بسبب “الأزمة الصحية”، وهو ما اعتبر غير كاف في الجزائر.

وقال مصدر جزائري: إن فرنسا “خفضت مدة الزيارة إلى يوم واحد وحجم الوفد إلى 4 وزراء. إنها تشكيلة مصغرة في حين أن هناك الكثير من القضايا الثنائية التي يجب دراستها”.

وذكرت الصحافة أنه خلال آخر اجتماع للجنة الحكومية المشتركة في باريس عام 2017، تشكل الوفد الجزائري من ثمانية وزراء.

وأحد محاور الخلاف الأخرى قضية الصحراء الغربية الشائكة التي يتنازع حولها منذ عقود المغرب وجبهة بوليساريو الداعية إلى استقلال المنطقة.

وأعلن حزب الرئيس الفرنسي “الجمهورية إلى الأمام” الخميس تشكيل لجنة دعم في مدينة الداخلة في الصحراء الغربية التي يقع قسمها الأكبر تحت سيطرة المغرب وتعتبر الجزائر الداعمة لجبهة بوليساريو أن ذلك خطا أحمر.

وأشارت صحيفة “الوطن” في اليوم ذاته إلى تشديد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على “دعم فرنسا لخطة الحكم الذاتي المغربية كأساس جاد وذي مصداقية” لتسوية النزاع، وذلك خلال حديث مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، ويعتبر ذلك خطا أحمر جزائريا آخر.

ونقلت صحيفة “الوطن” عن سفير الجزائر في فرنسا محمد عنتر داود قوله إن “جماعات ضغط تعمل ضد تفاهم ودي بين الجزائر وفرنسا”، والمقصود بهذه الاتهامات المتكررة اليمين المتطرف وأنصار الجزائر الفرنسية سابقا.

من جهتها، أشارت صحيفة “لو كوتيديان دوران” (يومية وهران) أن السفير الجزائري لم يقدم بعد أوراق اعتماده إلى الرئيس ماكرون رغم أنه متواجد في باريس منذ ثمانية أشهر.

وكان مفترضا بهذه الزيارة أن تمثل خطوة جديدة في التقارب الثنائي، الذي بدأه الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والجزائري عبد المجيد تبون.

وخلال الزيارة التي أرجئت، كان مقررا أن يترأس كاستيكس بالاشتراك مع نظيره عبدالعزيز جراد اللجنة الحكومية الرفيعة المستوى، الهيئة التي تجتمع بانتظام لتقييم التعاون الاقتصادي بين البلدين بشكل خاص.

ولم تنعقد هذه اللجنة منذ ديسمبر 2017 بسبب الحراك الشعبي في الجزائر الذي أدى إلى إسقاط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2019، ثم بسبب الأزمة الصحية المرتبطة بكورونا.

تهوين فرنسي.. ودعوة للتهدئة

111214 091749 firansa

على الجانب المقابل، نفى وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمون بون وجود أي “توتر” بين فرنسا والجزائر حول إلغاء زيارة كانت مقررة لرئيس الوزراء الفرنسي كاستيكس للجزائر، وتزامن ذلك مع تصريحات جزائرية تصف فرنسا “بالعدوة الدائمة”.

في غضون ذلك، قال وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمون بون، الأحد، إن بلاده تريد “تهدئة” في العلاقات مع الجزائر رغم بعض “التصريحات التي لا مبرر لها” إزاءها وإرجاء زيارة رئيس وزراء الفرنسي جان كاستيكس لها.

وصرّح بون في برنامج “غران جوري” الذي يبث بالاشتراك بين إذاعة “إر تي إل” وصحيفة “لوفيغارو” وتلفزيون “إل سي اي”، أن “هناك أحيانا تصريحات لا مبرر لها في العلاقات الفرنسية الجزائرية”.

2021 01 28180343.688542 hhyggg

وكان وزير العمل الجزائري الهاشمي جعبوب قد وصف فرنسا الخميس  بأنها “عدوتنا  التقليدية و الدائمة”.

واعتبر كليمون بون أن تصريحات الوزير الجزائري لا تستحق استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر. وأجاب عند سؤاله عن ذلك “لا أعتقد ذلك”.  وأضاف “يجب تهدئة كل ذلك. وأجرى وزير الخارجية جان إيف لودريان اتصالات في الأيام الأخيرة (مع نظيره الجزائري صبري بوقادوم)“.

ونفى بون وجود أي “توتر” بين فرنسا والجزائر حول زيارة كاستيكس التي ألغيت رسميا بداعي أزمة كوفيد-19، لكن يقال إن ذلك سببه استياء الجزائريين من تقليص عدد الوفد الفرنسي.

وتابع وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية “أن عدم إمكان عقد هذا الاجتماع الرفيع المستوى بين الحكومتين لا يرتبط بالتوتر بين فرنسا والجزائر ولكن بالوضع الصحي الذي لم يسمح للحكومة الفرنسية بإرسال وفد كبير إلى الجزائر”.

وشدد على أنه في خضمّ أزمة صحية “لا يمكن أن ننتظر تنقّل السلطات الفرنسية كأن شيئا لم يحدث وبعدد كبير”، واعتبر أن ذلك لن يعكس “مسؤولية لناحية الصورة والمضمون”. وأوضح أنه “فضلنا بشكل مشترك تأجيل هذا الاجتماع الذي سيعقد في غضون بضعة أشهر”.

ربما يعجبك أيضا