وسط رياح كورونا.. الاقتصاد الفرنسي في مأزق وشعبية ماكرون على المحك

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

الرئيس الفرنسي حاول جاهدا تجنب دخول البلاد إلى نفق الإغلاق للمرة الثالثة منذ بداية جائحة كورونا، لحماية ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا من شبح الركود الذي بات حاضرا بقوة، لكنه اضطر في نهاية مارس الماضي إلى فرض قيود أكثر صرامة في جميع أنحاء البلاد، بعد أن سجلت فرنسا نحو 200 ألف إصابة جديدة بالفيروس التاجي خلال أسبوع واحد وارتفعت نسبة الحالات الحرجة بمستشفياتها إلى أكثر من 5500 حالة، على الرغم من انطلاق حملة التطعيم الوطنية منذ أواخر ديسمبر الماضي.

كورونا يحاصر الفرنسيين

في محاولة لتوسيع عملية التلقيح ضد كورونا أملا في الخروج من دائرة الإغلاق، قررت السلطات الصحية في فرنسا أمس، تمديد المدة الفاصلة بين جرعتي لقاح فايزر-بايونتيك وموديرنا من أربع أسابيع إلى ستة بدءا من 14 أبريل الجاري، وقال وزير الصحة أوليفييه فيران “هذا سيتيح لنا تطعيم المزيد بوتيرة أسرع وبدون تقليل الحماية”.

تهدف الحكومة الفرنسية إلى توزيع 20 مليون جرعة من لقاحات كورونا بحلول منتصف مايو المقبل، وتلقيح ما مجموعه 30 مليونا “ثلثي البالغين” في البلاد بحلول منتصف يونيو، حتى اللحظة حصل أكثر من 10 ملايين شخص على الجرعة الأولى من اللقاح بواقع 19% من السكان، فيما حصل نحو 3.5 مليون شخص على جرعتي اللقاح، وهو ما يعتبره البعض مؤشرا على بطء حملة التلقيح ويضع الحكومة في مرمى الانتقادات.

فرنسا سجلت منذ بداية الوباء أكثر من 5 ملايين حالة إصابة، ونحو 98750 حالة وفاة، وبحسب بيان لوزارة الصحة صدر الثلاثاء الماضي، ارتفع عدد المحتجزين داخل وحدات الرعاية المركزية إلى 5626 شخصًا وهو أعلى رقم لحالات كورونا الحرجة منذ 20 أبريل 2020 عندما فرضت فرنسا أول إغلاق عام، والمفارقة أن الزيادة هذه المرة أيضا جاءت والبلاد تحت قيود الإغلاق الثالث.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال -في خطاب مساء يوم 31 مارس، عندما أعلن عن قيود الإغلاق الثالث- إن على فرنسا أن تتخذ “اتجاهًا جديدًا” في نهجها لمكافحة انتشار كورونا أو أن تخاطر “بفقدان السيطرة”، مضيفا: أن سلالة كورونا البريطانية الجديدة قد خلقت “وباء داخل الوباء” وهو أكثر عدوى وفتكا، ولدينا الآن ما يقرب من 44٪ من مرضى كورونا في وحدات العناية المركزة وأعمارهم تقل عن 65 عامًا.

الإغلاق يهدد التعافي الاقتصادي

قيود الإغلاق الثالث التي دخلت حيز التنفيذ في 3 أبريل الجاري ومن المقرر أن تستمر لمدة شهر، وسط توقعات باحتمالات مدها إلى منتصف مايو المقبل، في حال استمرار وتيرة الإصابات الجديدة في الصعود، ما قد يكلف الاقتصاد الفرنسي خسائر بنحو 15 مليار يورو نتيجة إغلاق المطاعم والمتاجر وتوقف الشركات عن العمل.

الاقتصاد الفرنسي تحت وطأة كورونا في 2020 انكمش بنحو 8.1%، فيما ارتفع الدين العام إلى 120% من الناتج المحلي بفعل برامج التحفيز الاقتصادي الضخمة التي أطلقتها الحكومة الفرنسية لدعم الأسر والشركات المتضررة من الجائحة، وبحسب توقعات صندوق النقد فرنسا قد تسجل هذا العام نموا بحدود 5.5%، لكن اقتصادها لن يعود إلى مستويات ما قبل الجائحة قبل 2023.

وزير المالية الفرنسي برونو لومير الأحد الماضي، خفض توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 5% من سقف الـ6%، وقال في مقابلة مع صحيفة “لو جورنال دو ديمانش”: إغلاق المؤسسات التعليمية و 150 ألف شركة ومتجر ضروري لإبطاء انتشار الفيروس، لكن هذه الإجراءات سيكون لها تأثير على معدلات النمو، والمساعدة الحكومية للشركات المتضررة من الإغلاق ستكلفنا حوالي 11 مليار يورو خلال أبريل وحده.

 وتوقع ارتفاع سقف الدين العام إلى 118% هذا العام، وعجز الموازنة إلى نحو 9% بعد أن كان مقدرا بـ8.5%، وذلك بفعل محاولات الحكومة المستمرة لدعم الاقتصاد المتعثر، بعد أن حطمت الزيادة في معدلات الإصابة بكورونا آمال التعافي الاقتصادي السريع، يشار هنا إلى أن فرنسا خلال النصف الأخير من مارس عادت لتسجل 40 ألف إصابة في اليوم الواحد.

لكن لومير أكد أن الاقتصاد الفرنسي -وإن كان يعاني بشدة من الإغلاق- لكنه سيكون قادرا على التعافي بنهاية هذا العام.

macron le pen

بسبب كورونا.. ماكرون في مرمى منتقديه

في إشارة إلى مستوى الأزمة الاقتصادية في فرنسا، حث لومير -في أكثر من مناسبة- الاتحاد الأوروبي على تسريع تنفيذ خطة التحفيز الاقتصادي البالغة 750 مليار يورو، والتي وافق عليها الزعماء الأوروبيون الصيف الماضي، إلا أن حكومات بعض الدول الأعضاء لم تصادق عليها بعد، ما يعني أن فرنسا لم تحصل -كما هو مخطط-  على دفعتها الأولى من هذه الأموال في يوليو المقبل، ما يضع ماكرون -عراب هذا الاتفاق الأوروبي- في موقف صعب.

الآن غالبية الفرنسيين يلومون الرئيس على الوضع الاقتصادي الآخذ في الانهيار، فطوابير الحصول على المساعدات الغذائية في باريس باتت مشهدا متكررا ويصطف فيها بالأساس مئات الشباب العاطلين عن العمل والطلاب الذين يواجهون وضعا ماليا هشا جراء فقدان مصادر رزقهم.

خلال مارس تراجعت شعبية ماكرون بواقع أربع نقاط مئوية مقارنة بفبراير، حيث أظهر استطلاع المؤسسة الفرنسية للرأي العام أن 37% فقط من عينة الاستطلاع راضون عن أداء ماكرون فيما يتعلق بإدارة أزمة كورونا، لكن هذا الرقم وفق استطلاعات أجريت خلال الأسبوع الأول من أبريل تراجع إلى 34%.

يواجه ماكرون انتقادات حادة بسبب بطء توزيع لقاحات كورونا وإجراءات الإغلاق وعدم قدرته على إطلاق مسار التعافي الاقتصادي، بعض معارضيه السياسيين وقطاع من الجمهور يصفونه بأنه يتصرف كما لو كان ملكا يحيط نفسه بحاشية من المخلصين ولا يستمع لأحد خارج هذه الدائرة منذ دخوله الإليزيه في 2017.

زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف والتي أعلنت أنها ستخوض الانتخابات الرئاسية في 2022، مارين لوبان قالت -في تغريدة عبر حسابها على “تويتر” مطلع الشهر الجاري- “من المؤسف أن الفرنسيين هم الذين يتحملون تبعات عواقب تكبره – في إشارة إلى ماكرون- وعدم السلاسة في اتخاذ القرار، بثمن باهظ يدفعونه من حياتهم اليومية”.

بحسب استطلاع نشرته صحيفة “جورنال دو ديمونش” الأسبوع الماضي، من المتوقع أن يفوز ماكرون على لوبان بنسبة 54% مقابل 46%، لكن حتى موعد الانتخابات في 2022 عثرات ماكرون التي بات الشارع الفرنسي يعرفها جيدا ويبغضها من تفرد بالقرار وسوء إدارة لأزمة كورونا وانحياز للأثرياء ستكون بمثابة هدية لـ”لوبان” وربما تساعدها على الفوز بالانتخابات لتكون أشبه بزلزال سياسي  في فرنسا على غرار فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2016، اقتصاديا نجاح ماكرون في تقديم إنجاز ملموس للناخبين مرهون بتطورات الوضع الوبائي وقدرة الاقتصاد على التعافي السريع، لكن الأكيد الآن أن إغلاق أبريل سيؤثر بشكل كبير على نتائج الربع الثاني ومعدلات النمو حتى في حال حدوث انتعاش قوي للنشاط الاقتصادي بنهاية مايو.

ربما يعجبك أيضا