المواجهات البحرية بين إسرائيل وإيران.. من السرية إلى الصخب

محمد عبد الدايم

كتب – د.محمد عبدالدايم

على مدى عقود؛ تستند المواجهة بين إسرائيل وإيران إلى السرية، بقدر يفسح للطرفين مساحة من الإنكار، حتى العمل الكبير المتمثل في تصفية قاسم سليماني أعلنت الولايات المتحدة بوضوح مسئوليتها عنه، فيم لم تفصح إسرائيل عن نشاطها، خصوصا في السنوات الأخيرة، زرع عملاء لها في طهران، هجمات سيبرانية، تفجيرات حول المفاعلات الإيرانية، سرقة مخططات النووي، ضرب أهداف إيرانية في سوريا والعراق، اغتيال محسن فخر زاده، لكن الأعمال الأخيرة المنسوبة لإسرائيل في الساحة البحرية، المتمثلة في استهداف السفن بالتخريب، أصبحت نشاطات أبعد ما تكون عن السرية، في وقت ارتفعت فيه وتيرة الهجوم البحري المتبادل بين الطرفين.

نشرت وكالة “نور نيوز” الإيرانية صورا للسفينة “سافيز” التي تعرضت يوم الثلاثاء الماضي لتخريب في مياه البحر الأحمر قرب سواحل جيبوتي، وأظهرت الصور تسرب المياه إلى غرفة المحركات، كما نقلت الوكالة أنه قبل الحادث بيوم حلقت مروحية مجهولة حول السفينة لدقائق، وبعد الهجوم بساعات اقترب منها زورقان صغيران مجهولان في دورية يبدو أنها كانت للتأكد من عملية التخريب.

181916

تشير الأضرار التي لحقت بالسفينة سافيز في البحر الأحمر، والتي نُسبت إلى إسرائيل، إلى تغيير في سياسة النشاط العسكري تجاه إيران، أدى الهجوم، الذي ورد أن مقاتلي كوماندوز تابعين للسَرية “الثالثة عشرة” نفذه، إلى تعميق الحملة البحرية المفتوحة مع طهران، على عكس العمليات السابقة، اختفت السرية تقريبًا – وفي الوقت نفسه، اختفت أيضًا القدرة على إنكار النشاط، حتى أن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقرير مفاده أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بمسئوليتها عن العملية.

السَرية 13 “شييطت 13” هي وحدة كوماندوز تابعة لسلاح البحرية الإسرائيلية، تقع قاعدتها العسكرية الرئيسة المعروفة باسم “عتليت” جنوبي حيفا على شاطئ البحر المتوسط، وهي الوحدة ذاتها التي نفذ أفرادها الهجوم على أسطول الحرية المتجه إلى غزة في مايو 2010، وتتميز الوحدة بقدراتها على الوصول إلى أهدافها في البحر، بالغوص وباستخدام المعدات فوق المائية وتحت المائية، وتتألف من مقاتلين من الضفادع البشرية، أما شعارها فهو على صورة خفاش يرتدي مرساة سلاح البحرية.

S13insig

منذ تأسيسها؛ ظل كثير من أعمال السرية 13 غير معلن، فيما أُعِلن العدد الأقل من نشاطاتها، لكن على ما يبدو أن عملية وضع ألغام لاصقة في جسد السفينة الإيرانية سافيز ليس بالعمل العسكري المحاط بـ”سِرية كبيرة”، وعدم إعلان مسئولية، بل تبدو عملية التخريب هذه كما لو أن إسرائيل “وضعت إصبعها في عين إيران”.

ويمكن تقدير الأحداث الأخرى التي وقعت في الشرق الأوسط في الماضي ونُسبت لإسرائيل ، أن السعوديين والأمريكيين سيسارعون إلى توضيح عدم مسؤوليتهم عن الهجوم. وذلك في محاولة للقضاء على احتمال أن يكون رد إيران موجهاً لهم. عند القيام بذلك ، يتم انتهاك السرية الحرجة لهذه الحملة ، لذلك يتم توجيه أصابع الاتهام بسرعة إلى إسرائيل.

قبل أن تعلن أي دولة مسئوليتها عن الحادث، سارعت وكالات الأنباء الإيرانية بنفي الهجوم عن دول الخليج العربي، ووجهت إصبع الاتهام مباشرة لإسرائيل، التي تعرضت سفينة تجارية تابعة لها إلى تخريب، مؤخرا في الخليج العربي.

بالنظر إلى حالات المواجهات البحرية خلال الأشهر الماضية؛ يمكن ملاحظة أن غلاف الغموض قد انقشع، فقد أفادت “وول ستريت جورنال” الأمريكية بأن إسرائيل ضربت 12 ناقلة نفط إيرانية منذ 2019 وحتى الآن، هذا غير الهجمات على سفن شحن تنقل بضائع أخرى، وهذا ما يمثل توجها إسرائيليا جديدا في مواجهة إيران، يضاف إلى عملياتها الجوية لضرب أهداف إيرانية في سوريا منذ 2018 وإلى الآن.

3159775 46

لكن يبدو أن الهجمات لم تكن على 12 سفينة إيرانية فحسب، بل عشرات السفن المختلفة، مما دفع إيران للرد بالهجوم على سفينتين تجاريتين تابعتين لإسرائيل في البحر الأحمر وفي المحيط الهندي.

يعتقد خبراء أمنيون في إسرائيل بأن هذا ما كان ينبغي أن تكون عليه المواجهة مع الحرس الثوري الإيراني، الذي لا يزال يسعى للانتقام لاغتيال قاسم سليماني، ومن بعده كبير علماء المشروع النووي محسن فخر زاده، فإيران تشعر بإذلال كبير، وامتهان لقدراتها العسكرية، وعملية تخريب السفينة سافيز الموجهة في الأساس لقوات الحرس الثوري ربما تستحث طهران للرد بمحاولة وضع إصبعها في عين إسرائيل، لترتفع وتيرة “الرد على الرد” في إطار المواجهات بين الطرفين.

أحد أهم الأدوات في المواجهات بين إسرائيل وطهران هي إبقائها على “نار هادئة”، فكل منهما يتحرك وفقا لاستراتيجية “الحرب بين الحروب”، حيث يعتمد كل طرف على التعاون الاستراتيجي والعملياتي العسكري، ووسائل التكامل الدبلوماسية المطلوبة للإنكار، من أجل أن تظل النار صغيرة لا تتسع دائرتها لتجر كلا منهما إلى حرب لا تحتاجها إسرائيل أو إيران، لأن كل منهما لديه الكثير لخسارته في الوقت الراهن.

لكن مع ارتفاع وتيرة الحرب البحرية، وانتهاج سياسة السفينة بالسفينة، ربما ستجد إيران نفسها مطالبة بالرد بنسخة “العين بالعين”، فتصبح المواجهات البحرية خطوة أخيرة قبل الحرب الحقيقية على ممرات الشحن البحري، خصوصا وأن هذه المواجهات يمكن أن تضر أطرافا أخرى، موانئ دول أو بحارة أجانب، أو مصالح دول أخرى ترفع السفن أعلامها.

بافتراض أن إسرائيل مسئولة عن لصق الألغام في جسد السفينة سافيز، فهل تكون مستعدة لحماية وارداتها التي تأتي عبر البحار، وتمثل نحو 98% من مجموع الواردات؟ أم تنجرف في حرب مع إيران، تتخطى الموقعين الجغرافيين لكل منهما، لتتعداهما إلى مياه إقليمية أو دولية وممرات بحرية، خصوصا وأن فارقا كبيرا بين الهجمات على أهداف إيران في سوريا وبين الهجمات على أهداف بحرية، فمن المعروف أن الجيش الإسرائيلي يتفوق على نظيره الإيراني في أنظمة الدفاع الجوي، وبالتالي تكسب إسرائيل المواجهات مع إيران في سوريا نظرا لتفوق سلاح الجو، واتباع ساسة الهجمات بالطائرات المسيرة بدون طيار، مما يقلل نسبة الخسائر البشرية في صفوف سلاح الجو لتصل إلى الصفر في أغلب الهجمات، خصوصا مع التحرك بناء على معلومات استخباراتية دقيقة، لكن على الجانب الآخر تبدو المواجهة البحرية مفتوحة بالنسبة للجانبين، فرغم ارتفاع مستوى قوات السرية 13؛ فإنها ليست بقدر قوة سلاح الجو، كما يتسع نطاق النشاط ليشمل مساحات بحرية شاسعة، ليست بضيق المجال الجوي السوري الذي لا تتحكم فيه قوات الأسد أو طهران.

انزلاق إسرائيل لـ”صرعة” الهجمات على أهداف بحرية إيرانية ينقل المواجهات بينهما من خانة السِرية، المستندة إلى حجج إنكار المسئولية، إلى مسرح عملياتي صاخب، ربما يدفع إيران لإعطاء الضوء الأخضر المباشر لقوات الحرس الثوري كي ترد، وهذا ما يغير من استراتيجية “الحرب بين الحروب”، ليس في الفضاء البحري فحسب، بل يُسَّرع بنقل الحرب إلى فضاءات أخرى، بعيدا عن الظل.

ربما يعجبك أيضا