ماذا بعد العقوبات الأمريكية- الروسية المتبادلة؟

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

عقوبات أمريكية قاسية على روسيا استهدفت صندوق الثروة القومي الروسي وتعاملاته السيادية وتعاملاته بالروبل، إلى جانب 32 كيانا ومسؤولا تشمل الاستخبارات وشركات تكنولوجيا، مع طرد 10 دبلوماسيين. البيت الأبيض يقول إن هذه العقوبات رغم حجمها، لا تسعى للتصعيد، بل لجعل روسيا تدفع ثمن بعض تصرفاتها غير المقبولة من قبل واشنطن وحلفائها.

وتعد الخطوة الأمريكية الجديدة – العقوبات – من أقسى الإجراءات ضد روسيا منذ طرد العديد من الدبلوماسيين في نهاية ولاية الرئيس الأسبق، باراك أوباما. وتأتي كرد على العديد من الانتهاكات فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وقرصنة برامج إلكترونية أدت إلى كشف معلومات عن 18 ألف شركة أمريكية وطنية وخاصة، إلى جانب وزارات الخزانة والعدل والخارجية.

بايدن وبوتين
بايدن وبوتين

حرب الحدائق الخلفية

لم تنتظر موسكو طويلا للرد على عقوبات أمريكية موسعة؛ فبعد يوم واحد من إجراءات واشنطن، أعلن وزير الخارجية سيرجى لافروف قرار روسيا طرد دبلوماسيين أمريكيين، وفرض عقوبات على مسؤولين، فضلا عن تقديم النصح للسفير الأمريكي بالعودة إلى بلاده للتشاور، وحظر دخول عدد من كبار مسؤولي إدارة بايدن ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي.

ترى موسكو في العقوبات بحق رعاياها وحلفائها فصلا من سيناريو غربي للتدخل والعبث بحدائق روسيا الخلفية والأمامية والداخلية من قرغيزيا إلى بيلاروسيا مرورا بالقوقاز.

روسيا المحاصرة بعقوبات غربية أمريكية، لا تتوانى عن الرد على الاستفزاز باستفزاز ومحاولة العبث في حدائق واشنطن الخلفية. يرى كثيرون أن الاستفزاز المتبادل في مناطق المصالح الحيوية سيستمر بين موسكو وواشنطن إبان حكم الرئيس جو بايدن.

مرحلة ستكون بلا شك معقدة لروسيا بالدرجة الأولى وهي المهددة بهزات شعبية داخلية على خلفية اعتقال المعارض ألكسي نافالني وازدياد غضب الشارع الروسي من استشراء الفساد في الطبقة الحاكمة.

موسكو وتقويض النفوذ الأمريكي

إعلان بايدن فرض عقوبات على روسيا ، هو ثاني قرار رئاسي يتخذه في السياسة الخارجية منذ توليه الرئاسة، القرار الأول كان قبل أيام وهو إعلان سحب قواته من أفغانستان في سبتمبر القادم، فيما كانت كل القرارات التي اتخذها بايدن سابقاً تتعلق بجائحة كورونا والإنعاش الاقتصادي.

بالعودة إلى التقرير السنوي لتقييم المخاطر -الذي تضمن وجهات نظر أجهزة المخابرات الأمريكية بشأن قضايا الأمن الخارجي الكبرى- إن الصين تسعى لأن تصبح قوة عالمية، معتبرا ذلك التهديد الأكبر للأمن القومي الأمريكي، في حين تشكل جهود روسيا لتقويض النفوذ الأمريكي وتصوير نفسها باعتبارها طرفا رئيسيا تحديا أيضا.

لا توقعات بنشوب حرب مع الصين أو روسيا وفق الاستخبارات الأمريكية، لكن روسيا تواصل توظيف جملة من الأساليب للدفع بمصالحها والتقليل من نفوذ واشنطن وإضعاف تحالفاتها الغربية . روسيا بالنسبة إلى مجتمع الاستخبارات تمثل تهديدا استخباراتيا أكبر ، فهي لا تسعى لصراع مع واشنطن، لكنها تستخدم تقنيات القرصنة وحملات تأثير لاستهدافها كما أنها تعد الانتخابات الأمريكية فرصة للتقليل من مكانة واشنطن على الساحة الدولية.

وقال «وول ستريت جورنال» في افتتاحيتها أمس الجمعة، إنه على الرغم من أن الصين تشكل أكبر تهديد للأمن القومي الأمريكي، فإن هذا لا يعني أن غيرها من الخصوم ينبغي استثناؤهم.

قمة أمريكية روسية ملغمة

مدت الولايات المتحدة، يدها لروسيا لعقد قمة تجمع الرئيسين بايدن وبوتين، وفرضت باليد الأخرى عقوبات «قاسية» اعتبرها الكرملين لن تساعد في التخطيط لعقد القمة المرتقبة.

بمجرد فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية، عاد الحلف الأوروبي الأمريكي ومعه التنسيق ضد روسيا والتي توقعت مع أول يوم من فوز بايدن أن تشهد تأزم علاقات الغرب مع روسيا حد العقوبات الاقتصادية، مع ارتفاع الصوت الأوروبي ضد روسيا ودعمها المظاهرات خاصة من ألمانيا، الذي لم يكن ليكون لو كان ترامب موجودا.

بيد أنه لن تنجح العقوبات الأمريكية على روسيا ما دامت هناك دولا أوروبية مهمة تخضع لسياسات بوتين وتسكت عن جرائمه في أوكرانيا وسوريا وتمنحه الامتيازات وتشاركه في الغنائم.

الرغبة الأمريكية في عقد قمة مع الدب الروسي، ربما تأتي بهدف احتواء الروس قبل التفرغ للصين التي تشكل التهديد الأكبر لأمريكا وفقا لما أشار التقرير السنوي لتقييم المخاطر، ونزع فتيل الأزمة في شبه جزيرة القرم على خلفية تحريك الولايات المتحدة سفنها وطائراتها الحربية باتجاه الحدود مع أوكرانيا ردا على حصار موسكو. وبقى أن نشير إلى ما ورد في ختام افتتاحية صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن العالم سيكون أكثر أمنا إذا توافقت واشنطن وموسكو.

ربما يعجبك أيضا