نذر حرب في أوكرانيا.. حشد روسي وضغط دولي قد يقلب التوازنات

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

نذر حرب قادمة بين روسيا وأوكرانيا، عكستها التوترات الدبلوماسية الأخيرة والحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية، ما أثار مخاوف الدول الأوروبية داعية موسكو لتخفيف تصعيداتها، في وقت تبرر الأخيرة تحركاتها لحمايتها قواتها والرد على تهديدات حلف الأطلسي، فهل تنعكس التوترات وتتجه صوب تغييرات مسار التوازنات والمفاوضات بين أوكرانيا وروسيا؟

النزاع الروسي الأوكراني

تصاعدت التوترات بين روسيا وأوكرانيا منذ أسابيع، إذ تتهم الأخيرة موسكو بأنها تبحث عن ذريعة لاقتحام أراضيها، وفي المقابل تتهم موسكو كييف بالتحضير لهجوم ضدّ الانفصاليين الموالين لروسيا في الشرق الأوكراني.

وتقاتل القوات الأوكرانية انفصاليين مدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا منذ فترة وجيزة من ضم موسكو لشبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، حيث قتل أكثر من 14 ألف شخص في الصراع، وتوقفت جهود التفاوض بشأن تسوية سياسية.

ومنذ مطلع العام الجاري انطلقت في دونباس موجة تصعيد جديدة بدأت  بأعمال قصف متبادلة بين القوات الأوكرانية من جهة ومقاتلي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين من طرف واحد من جهة أخرى.

واتهمت أوكرانيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي روسيا بالقيام بحشد عسكري استفزازي قرب الحدود الأوكرانية على الرغم من أن موسكو تقول إن وجود قواتها هناك إجراء دفاعي وستبقي عليه طالما أنها ترى ذلك مناسبا.

ويتزايد القلق من أن يتحول الصراع المستمر منذ فترة طويلة إلى قتال أوسع. وقد طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المساعدة من الدول الغربية، وتقديم دعم أكبر لبلاده في مواجهة روسيا، بما في ذلك السماح لها بالانضمام لحلف شمال الأطلسي.

طرد دبلوماسيين

وسط تصاعد حدة التوتر على الحدود بين البلدين، اتهمت روسيا، دبلوماسيًا أوكرانيًا، بمحاولة الحصول على معلومات سرية وأمرته بمغادرة البلاد بحلول 22 أبريل الجاري، مما دفع أوكرانيا للرد بالمثل.

وفي هذا السياق، قالت السلطات الروسية إن القنصل الأوكراني اعتُقل بمدينة سان بطرسبورج “متلبسا خلال اجتماع مع مواطن روسي في وقت كان يسعى فيه للحصول على معلومات سرية ذات صلة بقاعدة بيانات جهات إنفاذ القانون الروسية”.

من جهتها، قررت أوكرانيا، اليوم، طرد دبلوماسي روسي ردا على قرار سابق اتخذته موسكو بطرد ألكسندر سوسونيوك، القنصل الأوكراني ، ويأتي هذا التطور في ظل تصعيد ميداني بين الجيش الأوكراني والانفصاليين المسلحين الموالين لروسيا (شرقي أوكرانيا).

ورفضت كييف التهم التي وجهتها موسكو لقنصلها في سان بطرسبورج، فيما أدان بيان الخارجية الأوكرانية قرار احتجاز القنصل لبضع ساعات قبل الإفراج عنه، متهمة روسيا بانتهاك اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقعة عام 1961.

يشار إلى أن الدبلوماسيين يتمتعون عادة ووفق القوانين بحصانة في البلد الذي يعملون فيه، إلا أن اتفاقية فيينا تتيح للسلطات المضيفة إمكانية طرد الدبلوماسيين إذا انتهكوا القانون أو ارتكبوا أعمالا عدائية.

وارتفع منسوب التوتر بين البلدين بعد سبع سنوات من ضم موسكو شبه جزيرة القرم في 2014، مع إعلان مسلّحين موالين لروسيا عن مناطق انفصالية في شرق أوكرانيا، في خطوة أدت إلى تدهور العلاقات بين روسيا والغرب إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب الباردة.

حشد روسي

تزامن تبادل طرد الدبلوماسيين بين كييف وموسكو في ظل توتر العلاقات بين الجانبين، عقب نشر روسيا عشرات آلاف الجنود على الحدود الأوكرانية لإجراء تدريبات عسكرية في مواجهة تحركات تشكل “تهديدا” من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي تسعى كييف إلى الانضمام إليه.

من جهتها، قالت أوكرانيا إنها تخشى من غزو روسي، ودعت الغرب لتقديم الدعم لها، في حين نفت موسكو أن يكون تحريك قواتها لإجراء مناورات قرب الحدود مع أوكرانيا تهديدا لأمن الأخيرة، داعية كييف للتوقف عن القيام بأعمال استفزازية.

وفي تطور لاحق، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن موسكو ستعلق حتى أكتوبر حركة ملاحة السفن العسكرية والرسمية الأجنبية في ثلاث مناطق في القرم، شبه الجزيرة الأوكرانية التي ضمّتها عام 2014.

يذكر أن من بينها منطقة ” قبالة شبه جزيرة كيرتش بالقرب من محمية أوبوكسكي الطبيعية، وهي المنطقة الأكثر إثارة للجدل لأنها قريبة من مضيق كيرتش الذي يربط البحر الأسود ببحر آزوف، ويكتسي أهمية كبيرة بالنسبة لصادرات أوكرانيا من الحبوب والفولاذ.

وبسببها ووقعت مواجهات في الماضي، لاسيما عندما صادرت روسيا عام 2018 ثلاث سفن عسكرية أوكرانية. واتّهمت كييف والدول الغربية أيضاً روسيا بأنها “تعرقل” عمداً إبحار السفن التجارية في مضيق كيرتش الذي تؤكد موسكو أحقيتها بالسيطرة عليه بعدما ضمّت القرم.

وعلى خلفية تلك التوترات، أبدى العديد من الدول الأوروبية فضلا عن حلف شمال الأطلسي «الناتو» قلقا حيال إمكانية انزلاق النزاع في شرق أوكرانيا إلى دائرة القتال الأوسع نطاقا من جديد، وبدأت الضغوط تتوالي على موسكو لتخفيف حدة التصعيد.

ضغوط دبلوماسية دولية

وفي هذا الإطار، قالت وزيرة الدفاع الألمانية أنيجريت كرامب – كارينباور: إن موسكو تعرض الأمن في أوروبا للخطر «بشكل مباشر ومحدد»، مؤكدة أنها لن تشارك في هذه اللعبة الروسية.

من جانبه، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى “تحديد خطوط حمراء واضحة مع روسيا”. وذلك ردًّا على احتمال اتخاذ تدابير ضد موسكو في حال اجتاحت قواتها الأراضي الأوكرانية، مبديا استعداد بلاده لفرض عقوبات على روسيا في حال أظهرت ما وصفه بسلوك غير مقبول.

وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن في وقت سابق فرض سلسلة عقوبات مالية صارمة على روسيا، إضافة إلى طرد 10 دبلوماسيين روس، مجددًا في الوقت نفسه عرض عقد قمة مع الرئيس الروسي. كما فرضت واشنطن عقوبات على 8 أشخاص وكيانات على ارتباط بـ”احتلال” شبه جزيرة القرم بأوكرانيا.

من جهة أخرى، كشفت صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية عن أن “سفنا حربية تابعة للبحرية الملكية ستبحر إلى البحر الأسود الشهر المقبل””، بهدف إظهار التضامن مع كييف وحلفاء الناتو في المنطقة بعد أن قرر الرئيس الأمريكي جو بايدن إلغاء نشر سفينتين حربيتين أمريكيتين في البحر الأسود الأسبوع الماضي، تحسبا لتصاعد الأزمة بسبب احتشاد القوات الروسية”.

نذر حرب

وعن احتمال نشوب حرب جديدة بين روسيا وأوكرانيا، فهناك مخاوف من تكرار سيناريو القرم مرة أخرى، بينما يعتبرها آخرون محاولة روسية لردع تهديدات حلف الناتو وتعزيز عسكرة روسيا للمواقع التي احتلتها في 2014.

وبحسب المحللين، لا يبدو أن موسكو تخطط لاجتياح شامل لأوكرانيا، بقدر ما تسعى عبر تعزيز قواتها عبر الانخراط في أشكال أخرى من التصعيد بديلا لمخاطر الحرب التي لن يتمكن كلا من كييف وموسكو تحمل نتائجها في الوقت الحالي.

روسيا بحسب مواقفها الرسمية لا تريد حربا في دونباس، لكن الوضع الراهن يكشف عن أن كلا من موسكو وكييف تحاولان تغيير توازنات وإطار ومسار المفاوضات، ففي الوقت الذي تسعى فيه موسكو لإزاحة أوكرانيا من أي مفاوضاتها مستقبلية، تسعى الأخيرة لإيجاد موطئ قدم لها بتمثيلها ككيان يطمح للانضمام لحلف الناتو.

وتأتي التطورات الأخيرة، على وقع ارتفاع جديد في منسوب التوتر بين موسكو وواشنطن في وقت يسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى اتخاذ نهج أكثر تشددًا حيال نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لذا يرى المحللون في التصعيد محاولة من قبل موسكو وكييف لاختبار بايدن من أجل معرفة درجة استعداده للدفاع عن حليفة واشنطن ومواجهة روسيا.

ربما يعجبك أيضا