المريخ على الأرض.. صحراء أتاكاما بتشيلي النظير المثالي للكوكب الأحمر

192

رؤية

واشنطن – أشعلت الصور الأثيرية لمركبة المريخ “المثابرة” مواقع الإنترنت منذ أن هبط أحدث روبوت لوكالة الفضاء الأمريكية، “ناسا”، عالي التقنية على سطح الكوكب الأحمر بتاريخ 18 فبراير الماضي.

وتظهر الصور، التي نشرها موقع وكالة “ناسا” على الإنترنت، منظراً طبيعياً جافاً من تربة برتقالية بنية هامدة مع تلال صخرية وعرة تتلوى عبر الأفق.

ورغم أنها من عالم آخر بالمعنى الحرفي، إلا أن هناك أيضاً بمثابة شيء مألوف يلفت النظر.

وربما يعود ذلك إلى أن الصور تشبه إلى حد كبير موقعاً هنا على الأرض، أي صحراء نائية في تشيلي كرست وكالة “ناسا” الوقت والمال لاستكشافها، بحسب موقع سي إن إن عربية.

ونظراً لأن صحراء أتاكاما تعد موقعاً مهجوراً، فقد أصبحت “ناسا” تنظر إليها على أنها النظير المثالي للمريخ على الأرض، حيث تُختبر المركبات المتجولة هنا بانتظام منذ عام 1997.

وقد استخدمت أحدث الأجهزة نماذج أولية لمحاولة اكتشاف الحياة.

ويقول براين جلاس، الباحث الرئيسي في مشروع دراسات الحفر في علم الأحياء الفلكية في أتاكاما “ARADS”، التي استخدمت صحراء أتاكاما في مجال اختبار الأدوات والتقنيات للبعثات المستقبلية إلى المريخ: “لأننا إذا لم نتمكن من القيام بذلك في أحد أكثر الأماكن الميتة على وجه الأرض، فليس لدينا مصلحة في نقله إلى المريخ”.

وأتاكاما عبارة عن شريط صحراوي رقيق يبلغ طوله 1،000 ميل في النصف الشمالي من تشيلي بين المحيط الهادئ إلى الغرب وجبال الأنديز من الشرق.

ويقول جلاس إنه من أجل فهم مدى عدم وجود حياة لأجزاء معينة منها، يمكنك التفكير في الأمر من حيث الإشارة العضوية (أي الحياة).

ويوضح جلاس أن “الإشارة، حتى في موهافي والأجزاء النائية من البر الرئيسي للولايات المتحدة، لا تزال عالية جداً”.

وعلى العكس من ذلك، في أتاكاما شديدة الجفاف، “يمكن أن تسقط حرفياً، وتقطع ذراعك على صخرة، ولن تقلق بشأن الإصابة بعدوى لأنه لا توجد مسببات الأمراض المحلية”، على حد قوله.

إذاً كيف تبدو زيارة مكان تشبهه وكالة ناسا بالمريخ على الأرض؟ ومثل المريخ، تمتلك صحراء أتاكاما تضاريس متطرفة مع مسطحات ملحية شاسعة وبراكين مرتفعة، بما في ذلك أعلى براكين نشطة على الأرض، كما أنها تحتوي على السماء الأحلك في كوكبنا وأكبر مرافق لعلم الفلك.

ومع تطعيم تشيلي لسكانها بشكل أسرع من أي مكان آخر في الأمريكتين، بما في ذلك الولايات المتحدة، من المحتمل أن تكون صحراء أتاكاما من العالم الآخر واحدة من الأماكن الأولى في المنطقة لاستقبال الزوار الدوليين مرة أخرى.

أعطت صحراء أتاكاما علماء ناسا ومهندسيها ظروفاً واقعية للتدرب على البحث عن علامات الحياة على سطح المريخ.

وعندما يصف العلماء أتاكاما بأنها أكثر بقعة غير قطبية جفافاً على وجه الأرض، فإنهم يتحدثون عن أماكن مثل منطقة يونغاي. وهذه الأرض النائية، على بعد حوالي 55 ميلاً من مدينة أنتوفاجاستا، هي المكان الذي تجري فيه “ناسا” الكثير من أبحاثها.

ومن المفارقات أن هناك تمثالًا طوله 36 قدماً ليد تُشبه يد البشر تشق طريقها للخروج من الصحراء القريبة، ويُعرف باسم “يد الصحراء”، وقد وضع بالقرب من منطقة يونغاي في عام 1992 من قبل الفنان التشيلي ماريو ، قبل وقت طويل من الحديث عن هذه المنطقة كمكان ستبحث فيه “ناسا” عن علامات الحياة المخفية.

ورغم الاعتقاد أن منطقة يونغاي منذ فترة طويلة هي المكان الأكثر جفافاً في صحراء أكاتاما، إلا أن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن العنوان قد ينتمي في الواقع إلى مدينة ماريا إيلينا، التي تقع بالقرب من مدينة تعدين النترات على بعد حوالي 170 ميلاً إلى الشمال.

ولا يحتوي أي من الموقعين على أي مرافق، أو مناطق جذب سياحي، ولكنهما من المواقع الرئيسية لتقدير الفراغ في صحراء أتاكاما وما يوازيه من المريخ، لا سيما أن الوديان الجافة في ماكموردو في أنتاركتيكا، التي يعتقد العديد من العلماء أنها أكثر جفافاً، يصعب الوصول إليها بشكل استثنائي.

ويعد كوكب المريخ موطناً لأطول بركان في نظامنا الشمسي، جبل “أوليمبوس”، بينما تضم صحراء أتاكاما أعلى بركان نشط على وجه الأرض أي بركان “أوخوس ديل سالادو”.

ويرتفع هذا الجبل باللونين الرمادي والبني على طول 22،615 قدماً فوق مستوى سطح البحر، وهو ثاني أعلى قمة في نصف الكرة الغربي بعد جبل أكونكاغوا في الأرجنتين.

ويُعتقد أن بحيرة فوهة البركان الدائمة هي أعلى مسطح مائي في أي مكان في العالم.

ورغم ارتفاعه الشديد، وعوامل الرياح المعاكسة ودرجات الحرارة دون الصفر درجة مئوية، تستغرق رحلات التسلق الاستكشافية إلى قمة بركان “أوخوس ديل سالادو” بين 8 أيام للخبراء و 12 يوماً لمتسلقي الجبال الهواة.

وإلى الشمال، بالقرب من مدينة سان بيدرو دي أتاكاما السياحية، توجد أعجوبة أخرى من عجائب الطاقة الحرارية الأرضية في أتاكاما، وهي منطقة “El Tatio”، التي تضم 80 فوارة حارة، أي نبع ماء حار يدفع الماء الساخن في الهواء من فتحات وشقوق في السطح الخارجي للقشرة الأرضية بشكل متكرر.

وإضافةً إلى المشهد البانورامي للبراكين المغطاة بالثلوج، تعد منطقة “El Tatio” أكبر حقل نبع ماء في نصف الكرة الجنوبي وأعلى حقل على الأرض على ارتفاع 14،170 قدماً فوق مستوى سطح البحر.

وقد يكون جزء كبير من أتاكاما ميتاً مثل المريخ، ولكن هذه الصحراء تنفجر بالألوان حول المسطحات الملحية المذهلة، والمعروفة باسم “salares”، التي تدعم مياهها المالحة مجموعة واسعة من الحياة، بما في ذلك طيور النحام.

ويتواجد طائر النحام الأنديز النادر، ويتمتع بأرجل صفراء وأجنحة ذات رؤوس سوداء، وطيور جيمس الأصغر قليلاً، والتي تتمتع بأرجل حمراء ومنقار أصفر لامع، وهناك أيضاً طائر النحام الوردي، فلامنغو تشيلي، والذي على الرغم من اسمه، هو الأكثر شيوعاً في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية، من الأرجنتين حتى الإكوادور.

ويمكن رؤية هذه الطيور الوردية الرقيقة بسهولة في منتزهات جبال الأنديز المرتفعة مثل محمية لوس فلامنكوس الوطنية، بالقرب من سان بيدرو، ومتنزه نيفادو تريس كروسيس الوطني، بالقرب من مدينة كوبيابو.