السودان.. جدل سياسي وقانون محتدم بسبب إلغاء «مقاطعة إسرائيل»

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

في عام 1967 عُقد في الخرطوم «قمة اللاءات الثلاثة العربية»: «لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل». اليوم الخرطوم تلغي رسميًا قانون مقاطعة إسرائيل وتقول: «نعم للسلام مع إسرائيل، نعم للاعتراف بإسرائيل، نعم للتطبيع مع إسرائيل» وذلك بعد قرار مجلسي السيادة والوزراء في السودان إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل، الساري في البلاد منذ عام1958. قانون المقاطعة كان يقوم على المقاطعة الشاملة من خلال حظره وتجريمه أي جهة تعقد اتفاقا مع الهيئات أو الأشخاص المقيمين في إسرائيل أو المتعاونين معهم.

الآن بات المجال مفتوحا للقطاع الخاص السوداني للاتفاق مع الشركات الإسرائيلية لتوريد البذور المحسنة، فالقطاع الخاص على ما يبدو سيكون السباق في التعامل مع الاقتصاد الإسرائيلي وقد بدأ بعض المستثمرون السودانيون في الاتصال بالشركات الإسرائيلية الزراعية لإبرام صفقات تجارية، بحسب رئيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد، مبارك الفاضل الذي أبدى ترحيبه بالقرار معتبرًا «الخطوة مهمة لمواكبة السودان للتطورات السياسية والاقتصادية» وأنها «صفقة رابحة» للطرفين على حد تعبيره.

السودان 1

الأمن القومي السوداني

قرار مجلسي السيادة والوزراء في السودان أثار ردود فعل متباينة، ففيما رآه البعض بمثابة خطوة أخيرة على سلم العلاقات الطبيعية مع الكيان المحتل، والانفتاح على المجتمع الدولي والولايات المتحدة تحديدا، يقول آخرون إن العلاقة ستؤثر سلبا على الأمن القومي السوداني.

الحكومة المدنية في السودان بهذا القرار تُسجِل تناقضاً جديداً في ملف التطبيع مع إسرائيل وتزيد من الاتهامات الموجّهة لها بتنفيذ إملاءات خارجية من خلال قرار إلغاء قانون المقاطعة، القرار الذي رفضه ثلاثة وزراء فقط بالحكومة الانتقالية في السودان وهم وزيرة الخارجية دكتورة مريم الصادق المهدي،وزيرة العمل والإصلاح الإداري تيسير النوراني ووزير الشباب والرياضة دكتور يوسف آدم الضي.

الخطوات المقبلة بين الجانبين تبدو مسرعة أكثر مما يتوقع نتيجة التسرع والسرعة في اللحاق بقطار التطبيع، فثمة اتصالات ومفاوضات مكثفة بين تل أبيب والخرطوم، لتنظيم زيارة لبعثة أمنية من السودان إلى الاحتلال الإسرائيلي في الفترة المقبلة.

في المقابل هناك من لا يرى في الخطوة مساس بالأمن القومي السوداني، بل على العكس يذهب إلى أن الصراع بين إثيوبيا والسودان حول النيل يصب لصالح إثيوبيا في نقطة العلاقة مع الكيان الصهيوني، حيث يلغي السودان اليوم قانون مقاطعة إسرائيل وهو يصارع إثيوبيا التي أسست علاقاتها مع الاحتلال قبل ٣٠ سنة .

يقول محللون إن العلاقة مع الاحتلال ستؤسس لاستثمارات مشتركة وتعاون اقتصادي كبير خاصة في مجالات الزراعة والتكنولوجيا، فضلا عن تدريب الأجهزة الأمنية تبادل التقنيات والأجهزة والأسلحة الحديثة.

تساؤلات حول مهام الحكومة الانتقالية

حكومة الفترة الانتقالية هي حكومة ذات مهام محددة، مهمتها العمل على تحقيق الانتقال الديمقراطي، وتحقيق السلام وإدارة شؤون البلاد ولذلك فهي غير مكلفة باتخاذ قرارات مصيرية في قضايا خلافية محلها المجلس التشريعي المنتخب.

هكذا جاء تعليق «حزب الأمة القومي» على قرار إلغاء القانون، مؤلبا الشارع على الحكومة الانتقالية لإلغاء هذا القانون وإرجاء البت في أية قضايا خلافية إلى حين تكوين المجلس التشريعي المنتخب، مؤكدا أن اتخاذ مثل هذه القرارات محل الخلاف ستقوض مسيرة الفترة الانتقالية وتفتح المجال، داعيا كافة القوى السياسية والمجتمعية الوطنية لمناهضة إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل والعمل الجاد لحماية مؤسسات الفترة الانتقالية من الانجراف والحياد عن الأهداف المحددة لها دستورياً .

بالعودة إلى قانون مقاطعة إسرائيل والذي تمت إجازته من سُلطة تشريعية منتخبة في العام ١٩٥٨م، فإنه لا يمكن إلغاءه إلا بسُلطة تشريعية منتخبة خاصة وأن مجلسي السيادة والوزراء غير مخولين دستورياً بإجازة هكذا قانون بحسب خبراء.

ما ينطبق على الطبقة السياسية السودانية وانقسامها على نفسها بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، ينطبق كذلك على الشارع السوداني، الذي ربما باتت نظرته اليوم بعيدة عن الأيديولوجيا في بلد يرزح تحت وضع اقتصادي صعب، يعاني أفراده الفقر والعوز والبطالة ويهاجر أبناؤه طلبا للقمة العيش التي لم يجدوها في بلد منهك اقتصاديا بفعل العقوبات والفساد، وسياسيا بفعل التجاذبات بين القوى السياسية.

إسرائيل والمشروع الإمبريالي

الحديث عن إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل بدعوى الاقتصاد والانفتاح على العالم الخارجي، فيه كثير من التسطيح، فالكيان المحتل، «دولة» مزروعة في المنطقة بواسطة المشروع الإمبريالي الغربي،وبالعودة إلى قانون المقاطعة، فإنه لا يتعلق فقط بالعمل السياسي، ولكنه متعلق بالعمل الاقتصادي حتى لا يرهن اقتصاد دولة وليدة مثل السودان لدولة الاحتلال «المصنوعة» وهو ما تنبه إليه المؤسسون في السودان، ومن ثم جاء القانون الذي يمنع توغل الاحتلال في الشؤون الاقتصادية للسودان.

وبالنظر إلى الانتخابات المزمع عقدها نهاية العام الجاري، تطرح العديد من التساؤلات حول أسباب تسرع السلطة الحاكم في البلاد إلى إقرار مثل هذا القانون الذي أثار حالة من الجدل السياسي والقانوني في البلاد، خاصة وأن مجلسي الوزراء والسيادة لا يمكنهم إلغاء القانون من ناحية دستورية، لأن النص الذي أعطى المجلسين سلطة التشريع، كانت لمدة 90 يوما في غياب المجلس التشريعي وانتهت في نوفمبر 2019، ومن ثم فإن أي قرار صادر بعد هذا التاريخ يصبح لا قيمة له دستوريا بحسب خبراء سودانيين .

ربما يعجبك أيضا