القرم.. تلويح باستخدام القوة أم حرب محتملة؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

الحرب الباردة، عالم  ثنائي القطب، ما بعد الحرب العالمية الثانية ولحد الآن، يسيطر على موازين القوى الدولية، رغم  أن عالما متعدد الأقطاب بات مرشحا أكثر، بدخول الصين بالتوازي مع تقدم كل من فرنسا وألمانيا. المشهد في القرم، لم يكن جديدا، وحشود السفن الأمريكية في البحر الأسود، تأقلمت معه موسكو، بالتوازي مع القوة الروسية عند خط تماس أوكرانيا .

اتخذت روسيا قرارا بتعليق حركة السفن العسكرية والأجنبية في ثلاث مناطق في القرم منتصف شهر أبريل 2021 ، قبل ان تجري مناورات عسكرية بحرية هناك، بينما اعتبر حلف الناتو ان الخطوة الروسية كانت غير مبررة. يذكر أن شبه جزيرة القرم ضمتها روسيا عام 2014 بعد أن كانت عائدة إلى أوكرانيا، في أعقاب الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش حينها  اندلعت المواجهات العسكرية في شرق أوكرانيا، حيث اتهم الغرب روسيا بدعم الانفصاليين الموالين لموسكو في المنطقة.

وتصاعدت التوترات بين موسكو وكييف وسط حشد للقوات الروسية على طول الحدود واندلاع اشتباكات في شرق أوكرانيا بين الجيش والانفصاليين الموالين لروسيا. وكانت روسيا أرسلت 15 سفينة حربية إلى البحر الأسود لإجراء مناورة، ، وسط تجدد التوترات في شرق أوكرانيا. ويقول المحلل السياسي والعسكري الروسي يفغيني بوجينسكي إن موسكو ترى أن الحشود العسكرية في البحر الأسود أدت إلى التصعيد العسكري بإقليم دونباس شرق أوكرانيا، متهما القوات الأوكرانية بانتهاك وقف إطلاق النار.

جمهورية التشيك  هي الأخرى دخلت في مواجهة مع روسيا بعد ان أعلنت إن عملاء روس وراء انفجار مستودع ذخيرة أودى بحياة شخصين اثنين وقدم وزير خارجية التشيك يان هاماتشيك تفاصيل هذا الأمر لنظرائه الأوروبيين. وأشارت السلطات في التشيك إلى أن الشخصين المتورطين في الهجوم استخدما جوازات سفر مماثلة، استخدمها المشتبه بهم في الاعتداء بغاز الأعصاب السام “نوفيتشوك” على العميل السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في مدينة سالزبري البريطانية عام 2018.

أما بريطانيا فإنها لن تتأخر بصب الزيت على النار، ودخلت بريطانيا هي الأخرى في مواجهة عسكرية مع روسيا، يذكر أن  “العداء” الروسي البريطاني يمتد إلى تاريخ طويل من “الجوسسة” والحرب الباردة بين البلدين. فقد أرسلت بريطانيا  مدمرة مسلحة بصواريخ مضادة للطائرات وفرقاطة مضادة للغواصات ستغادران مجموعة مهام حاملة الطائرات البحرية الملكية في البحر الأبيض المتوسط وتتجه عبر مضيق البوسفور إلى البحر الأسود. 

أهمية مضيق “كيرتش”

كانت المناطق الثلاث  تقع في الطرف الغربي للقرم  ومنطقة تقع إلى الجنوب من سيفاستوبول إلى غورزوف، وأخيراً منطقة على شكل “مستطيل” قبالة شبه جزيرة كيرتش بالقرب من محمية أوبوكسكي الطبيعية. وهذه المنطقة هي الأكثر خطورة كونها قريبة من مضيق كيرتش  الذي يربط البحر الأسود ببحر آزوف، وتبرز أهمية كبيرة بالنسبة لصادرات أوكرانيا من الحبوب والفولاذ. ويعتبر التحشيد الروسي عسكريا في شرق أوكرانيا أكبر حشد روسي  في تاريخ التوتر الإقليمي  بين روسيا وأوكرانيا ، يذكر أن روسيا نشرت   أكثر من 100 ألف جندي روسي  عند الحدود الأوكرانية.

ذكرت التحقيقات أهمية طريق كيرتش والذي يعتبر الرابط الوحيد بين البحرين، وعبرها فقط يمكن الوصول إلى الميناءين الأوكرانيين المهمين ماريوبول وبيرديانسك. ويُعتبر الطريق البحري ذو أهمية قصوى بالنسبة إلى ماريوبول في شرق أوكرانيا بمصنعيه لإنتاج المعادن. ومنذ ضم شبه جزيرة القرم، في 2014، تراقب روسيا المضيق البحري من الجانبين، ما يصعب حركة المرور بالنسبة إلى السفن الأوكرانية. وعلى إثر هذا التصعيد تتبادل أوكرانيا وروسيا الاتهامات بسبب خرق القانون البحري الدولي. 

ويستند الجانبان في موقفهما إلى اتفاقية القانون البحري الدولية المبرمة في 1982 والتي انضم إليها البلدان في 1990 وظهرت انعكاسات المراقبة الروسية بعد إنجاز جسر القرم في مايو 2018،  فالقنطرة تربط اليابسة الروسية بشبه الجزيرة القرم. وتفرض سلطات الأمن الروسية إجراءات تفتيش على السفن الأوكرانية قد تستمر أحيانا أياما. كما أن الحرب في منطقة دونباس تتسبب في متاعب إضافية للموانئ الأوكرانية.

بايدن يستخدم ورقة العقوبات الاقتصادية ضد موسكو

في خطوة غير متوقعة فرض بايدن يوم 14 أبريل 2021  عقوبات مالية  واتخذت الإدارة الأمريكية خطوات دبلوماسية ومالية استهدفت مسؤولين روس وشركات روسية، بسبب ضم روسيا ضم شبه جزيرة القرم.العقوبات استهدفت قطاع الاقتصاد الروسي بما يشمل إجراءات قد تضع قيودا على قدرة روسيا على إصدار دين سيادي.  كما أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية 32 من الكيانات والأفراد في قائمة سوداء قالت إنهم نفذوا محاولات مرتبطة بالحكومة الروسية مباشرة للتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية وغيرها من أفعال التدخل ونشر المعلومات المضللة.  لكن وزارة الخارجية الروسية  اعتبرت العقوبات الأمريكية الجديدة تتعارض مع رغبة الرئيس بايدن المعلنة في تطبيع العلاقات مع موسكو.

النتائج

ـ يعتبر ومضيق كيرتش هو الطريق البحري الوحيد بين البحر الأسود وبحر آزوف، ويعتبر محوراً استراتيجياً ذا أهمية قصوى لكل ، من روسيا وأوكرانيا. وافتتحت موسكو في مايو 2020 جسرا عبر المضيق، يربط شبه جزيرة القرم بروسيا. ويعد مضيق كيرتش نقطة الدخول الوحيدة إلى بحر آزوف. وهومضيق كيرتش ممر مائي شديد الأهمية لأوكرانيا، كونه يربط البحر الأسود مع ميناء ماريوبيل  وليس مستبعدا أن موسكو تريد التضييق على أوكرانيا  وتحويله إلى بحيرة مغلقة تخضع للنفوذ الروسي.

ـ  يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن جاءت بموقف أكثر تشددا مع روسيا وأوكرانيا، فقد بدأ العام 2021 بدعم أميركي حجمه 125 مليون دولار لقطاع الدفاع الأوكراني، والتأكيد على الاستعداد لتزويد كييف بأسلحة  متطورة، رغم أنها لم تكن عضوا في حلف الناتو . ولا شك أن إرسال أميركا ودول أوروبا هذه السفن يهدف إلى إظهار التضامن مع أوكرانيا  من قبل حلف الناتو والولايات المتحدة وأوروبا. 

ـ أن وجود السفن الحربية في البحر الأسود ليس بجديد ، وروسيا ترصد وجود أكثر من 20 سفينة حربية في البحر الأسود، يقابل ذلك أيضا تحشيد روسي عند خط التماس مع أوكرانيا، ممكن فهم وجود هذه القوات ضمن سعي روسيا لاحتلال الجزء الشرقي من أوكرانيا من أجل إيجاد طريق رابط بين روسيا وشبه جزيرة القرم، الأمر الذي دفع بأوكرانيا إلى تعزيز دفاعاتها على الحدود.، وهذا أمر غير مستبعد. 

ـ ما تقوم به روسيا، حو “التمحور” ضمن أمنها القومي، ومحيطها الأمني، هي تستشعر بالخطر ويبدو أنها بالفعل أعدت جميع التحضيرات إلى “مسرح الحرب”، رغم أن التجارب تقول بأن ما يجري الآن في القرم هو تلويح باستخدام القوة أكثر من إعلان حرب.

ـ إن إرسال أميركا سفنا حربية تأتي أيضا كرسالة ردع لروسيا،  وهذه الخطوة ممكن أن تزيد من احتمالات المواجهة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا.

تبقى الخيارات مفتوحة ،في ظل تصعيد التوتر بين موسكو والولايات المتحدة، ورغم ترقب لقاء محتمل مابين بايدن وبوتن ، ربما تكون فنلندة، الدولة المضيفة او غيرها، فان التوتر سيبقى قائما وكاننا نشهد حالة الا حرب والاسلم ـ هي الحرب الباردة، تدور في جزيرة القرم التي سيق ان رسمت خارطة اوروبا عام 1945 ـ اتفاقية يالطا.

ربما يعجبك أيضا