الشرق الأوسط.. تمدد صيني في عقر النفوذ الأمريكي

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

احتل الشرق الأوسط الأوسط مكانا جغرافيا حيويا في المبادرة التي اقترحتها الصين لبناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الـ21. حدث أول اتصال بين الصين والشرق الأوسط في منتصف الخمسينيات، مؤيدة الحركات التحررية، لكن بمرور العقود التالية، بزغت إدارة جديدة أكثر براغماتية تهتم بالتجارة والتطوير. فكيف تتعامل الصين مع النزاعات في الشرق الأوسط؟ وما الذي يحمله المستقبل؟ وما تأثير ذلك على النفوذ الأمريكي في المنطقة ؟

الصين

تراجع أمريكي

تخلي أمريكا عن الشرق الأوسط لصالح شرق آسيا من شأنه أن يجعل الصين أكثر هيمنة في شرق آسيا والشرق الأوسط معا وهو ما يهدد المصالح الأمريكية بشكل مباشر. وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، قال: إن اتفاقية التعاون بين الصين وإيران ستُزعزع استقرار الشرق الأوسط. إذ لا تزال إيران أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم وحصولها على أنظمة الأسلحة والتجارة والمال من الحزب الشيوعي الصيني سيفاقم من المخاطر على منطقة الشرق الأوسط.

أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين مثيرةً للجدل بشكلٍ متزايد، ويتوقع خبراء أن تنفتح آسيا الوسطى والشرق الأوسط على التعامل مع الصين التي تعدّ الرابح الأكبر في الشرق الأوسط بعد التراجع الأمريكي بالمنطقة.

ولا يعد الاتفاق الذي وقعه وزير الخارجية الصيني وانغ يي مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف قبل أسابيع، إلا نتيجة مباشرة للنشاط الدبلوماسي الذي تصاعدت وتيرته خلال السنوات الـ5 الماضية وبلغ ذروته بعد زيارة الرئيس الصيني إلى إيران في يناير 2016، أي بعد توقيع الاتفاق النووي بفترة وجيزة.

اتفاقية إيران والصين لمدة ٢٥ عام ووضع المنطقة من شواطئ الخليج إلى بحر قزوين تحت سيطرة بكين، تدل على أن خامنئي أصبح يبيع ما لا يملك لمن لا يستحق، و لها دلالات وتبعات تموه لدخول التنين ونفوذ الصين في الخليج خاصة والشرق الأوسط عامة.

علاقة المضطر

في يوليو 2020، تناقلت محطات الأخبار العالمية، ما وصفته بأنه بنود مسربة من اتفاقية التعاون بين الصين وإيران لمدة 25 عاماً، وتضمن فقرات تنص على منح جزر وقواعد عسكرية وجوية للصين مقابل استثمار الأخيرة في جميع القطاعات الاقتصادية والأمنية والعسكرية في إيران، وهو ما يعتبر تحديا لأمريكا نفوذها في «عقر النفوذ الأمريكي».

اتفاقية الـ25 عاما توحي بما هو أكثر من تعاون اقتصادي. وبعد أن نُشرت الـ18 صفحة السرية في الإعلام الأمريكي، بات واضحاً أننا أمام اتفاق عميق جداً، يشمل تقريباً كل مناحي العمل من بناء الأسلحة إلى جمع القمامة.

في اتفاقية الصين وإيران، علاقة بين شريكين خصمين أيديولوجياً لكنها علاقة المضطر، كمحاصرين أمريكياً، وإعلان انهيار سياسة الضغوط القصوى وانهيار الحصار النفطي لإيران وتدشين تحالف صيني إيراني استراتيجي ما يعني نقلة نوعية للتشيع في المنطقة كما كسبت الصين شريكا قوياً في حربها الباردة مع أمريكا.

فالسيطرة على سلوك إيران العدواني إقليمياً لن يكون سهلاً، على الأقل ليس في السنوات الأولى من العلاقة. نظام المرشد الأعلى الديني العسكري لن يتوقف عن خوض النزاعات في دول الجوار، ولن تعدل سلوكه داخلياً الوعود الهائلة من مداخيل مبيعات الغاز والنفط والتجارة في السوق الصينية بحيث يلتفت إلى تحسين وتطوير الأوضاع الداخلية، ما يعني استمرار ديناميكية الصراع بين الأقطاب في الداخل.

إسرائيل وأمريكا

تزيد اتفاقية «التعاون المشترك» بين الصين وإيران، ارتباط إسرائيل بأمريكا وتحسن من فرص إيران للعودة للاتفاق النووي الأصلي بشروط معقولة وعبر تجاوز خطوط تل أبيب الحمراء، وهو ما بدا واضحا للعيان في قبول الإدارة الأمريكية الجديدة إسقاط العقوبات على إيران مقابل عودتها للاتفاق النووي.

إسرائيل التي أعربت عن رفضها فضلا عن قلقها الشديد من الاتفاقية، تعرف جيدا قوة هذا الاتفاق وكيف أنه يقوي إيران في مواجهة الضغوط الأمريكية والغربية، غير أنها عاجزة عن تدميره على غرار ما فعلته في العراق، ربما لعدم امتلاكها أدوات تمكنها من تحقيق ذلك في الداخل الإيراني.

قد تمثل اتفاقية الـ25 عاما فرصة لسخونة الحرب الباردة بين الصين وأمريكا على غرار الدخول السوفيتي إلى أفغانستان. ما يعني أنه ليس أمام واشنطن إلا لعب الدور ذاته وبالتعاون مع دول المنطقة كما تتعاون الصين مع طهران لكسر العزلة الأمريكية المفروضة على نظام الملالي.

التوغل الصيني بالمنطقة بلغ ذروته، بإعلان الصين استعدادها لاستضافة محادثات مباشرة بين إسرائيل وفلسطين، ملمحة إلى أن الهيمنة الأمريكية بالمنطقة أعاقت السلام بحسب «نيويورك تايمز» .

إن السياسات المتغطرسة لأمريكا هي من ستحول وجهة دول الشرق الأوسط للصين صاحبة السياسة الهادئة والمتوازنة والتي مكنتها من التغلغل في مناطق مختلفة من العالم، لا سيما الشرق الأوسط الذي يتمتع بأهمية جيوسياسية في محاولة منها لقطع الطريق على الغطرسة الأمريكية.

ربما يعجبك أيضا