درج باب العامود.. حكاية «هبّة» مقدسية

محمود

محمد عبدالكريم

القدس المحتلة – “الساحة لكم افعلوا بها ما تريدون” يقول الضابط في شرطة الاحتلال، يرد الشبان المقدسيون المنتفضون “ولكن ماذا عن الدرج”، يجيب الشرطي: “لا يمكنكم الجلوس هناك”، يأتي الجواب سريعا: ” لا اتفاق إذا”، بهذا العناد الذي أعيا قوات الاحتلال استعاد الشبان المقدسيون خلال 12 يوما من الهبة “الدرج الحجري المؤدي إلى ساحة باب العامود احد أبواب المسجد الأقصى المبارك.

المواجهات لم تخمد فحتى مساء اليوم الاثنين، اعتقل 3 شبان عند باب حطة (احد أبواب المسجد الأقصى المبارك)، وأصيب شرطيتين خلال مواجهات، رغم ذلك فان رائحة الانتصار تطغى على رائحة البارود والمياه العادمة في الساحة، وأصوات التكبيرات والهتاف للوطن وأصوات إزالة السواتر الحديدية تطغى على صمت جنود الاحتلال، العلم الفلسطيني بات يرفرف في الساحة، والصلوات لمن منعوا من دخول الأقصى اوديت في الساحة، فما أصل المعركة.

وفيما أصدر المفتش العام لشرطة العدو، تعليمات بإزالة الحواجز، بدأت الانتقادات تتصاعد فقد وصف عضو الكنيست، إيتمار بن غفير، القرار بأنه «تراجع مخزٍ وانتهاك صارخ للسيادة»، قائلاً: «استسلمت الحكومة وشرطة القدس للعنف مساء اليوم، وهذا سيكلّفنا الكثير».

ومع اشتداد وتيرة الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، ووصول أعدادهم إلى المئات أسبوعياً، لينفجر الشبّان في مشهد مهيب، لم يستطع فيه المستوطنون، الذين يحملون السلاح، الدفاع عن أنفسهم ليصير من الواضح أن الحدث سيرتقي إلى هبّة جماهيرية على غرار هبّتَي البوّابات الإلكترونية وباب الرحمة وغيرهما، وقد تستمرّ لأسابيع، وما هي إلا أيام حتى دشّن المستوطنون ومنظّمة «لاهافا» الإسرائيلية المتطرّفة مجموعات «واتساب» تدعو إلى قتل العرب و«استرداد الشرف اليهودي» في القدس، وكان يوم الحسم ليلة الجمعة، إذ تجمّع عدد كبير من المستوطنين في غربي القدس محاولين الوصول بمسيرات إلى باب العمود، لكن هذه الدعوات والاعتداءات قوبلت بأعنف مواجهات شهدتها المدينة منذ هبّة الشهيد محمد أبو خضير في 2014.

https://www.youtube.com/watch?v=kPFzFq5u09g

صواريخ غزة ومواجهات الضفة وخشية إسرائيلية من انتفاضة شاملة

اشتدّت على مدى الأيام الماضية الاشتباكات بين الشبّان الفلسطينيين وقوات العدو الإسرائيلي في القدس المحتلة، على خلفية مسيرة نظّمها مستوطنون متشدّدون من منظمة «لهافا» الصهيونية لاقتحام المسجد الأقصى، فيما تسبّب تصدّي الشبّان لها في اشتعال شرارة مواجهات واسعة في المدينة، وفي محاولة من العدو لردع الشبان ووقف الاشتباكات الليلية، أعلن جيشه استقدام تعزيزات كبيرة من قوات الشرطة للانتشار في المدينة، مهدّداً باستخدام «القبضة الحديدية لإعادة الهدوء مجدداً»، وهو ما لم ينجح مع توالي الدعوات إلى مواصلة الاشتباك، إذ دعا خطيب الأقصى، الشيخ عكرمة صبري، مجالس العائلات في القدس إلى حشد طاقاتها وتشكيل لجان شبابية للدفاع عن المدينة، مع البقاء على أهبة الاستعداد لأيّ اعتداء غادر في الأيام المقبلة.

لم تتأخّر الضفّة الغربية المحتلّة، ومعها قطاع غزة، عن المؤازرة القدس سريعاً، تمدَّد الاشتباك ليشمل مختلف محافظات الضفة، فيما كان القطاع يقول كلمته بصليات صاروخية مقنّنة ومدروسة، لم تتوقّف عن الانطلاق تجاه المستوطنات، وتحوّلت المسيرات التي نُظّمت نصرةً للقدس، وانطلقت من مدن الخليل ونابلس وطولكرم وجنين ورام الله، إلى مواجهات عنيفة مع جيش العدو الإسرائيلي، تخللها رشق لسيارات المستوطنين بالحجارة على الطرق الالتفافية الاستيطانية المنتشرة في الضفة.

تحذير إسرائيلي من عودة العمليات الفردية بعد أحداث القدس وتحرك لتطويق التصعيد

وسط ذلك، حذّر محللون إسرائيليون من استمرار التوتر الأمني في غزة والقدس والضفة الغربية لأسابيع.

أما صحيفة «إسرائيل اليوم»، فقالت إنه «خلال المداولات الأمنية، سادت تقديرات تفيد بأنه «لا يوجد سبب واضح للأحداث في القدس، خلافاً لتلك التي شهدتها المدينة في أعقاب وضع البوابات الإلكترونية في حرم المسجد الأقصى في عام 2017»، لافتةً إلى أن «استمرار العنف قد لا ينعكس على غزة فقط، وإنما على الضفة الغربية أيضاً، وحتى على الجبهة الشمالية، وربما على العالم الإسلامي كله، معللةً ذلك بكون القدس «هي مسألة يسهل على أي مسلم التكتل حولها، وعلى إسرائيل أن تحاذر من اعتبار الأحداث كحرب دينية.

في غضون ذلك، شبّهت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أحداث القدس، بتلك التي شهدتها المدينة عام 1997 خلال ولاية نتنياهو الأولى كرئيس حكومة، عندما فتحت إسرائيل نفقاً تحت الأقصى. وفي أعقاب ذلك، اندلعت «انتفاضة النفق»، التي استُشهد على إثرها مئة فلسطيني وقُتل 17 جندياً. ورأت الصحيفة أن نتنياهو تعلّم الدرس، وهو لا يريد العودة إلى التجربة ذاتها.

في حذرت صحيفة “هآرتس” من أن المواجهات التي تشهدها مدينة القدس يمكن أن تمهد الطريق أمام عودة العمليات “الفردية”، يأتي ذلك في وقت شرعت أوساط دولية في جهود وساطة لتطويق التصعيد الحاصل.

وفي تحليل أعده كل من نير حسون وجوش برينر، أوضحت الصحيفة أن كلاً من الإسرائيليين والفلسطينيين يمكن أن يقدموا على تنفيذ عمليات نتيجة أجواء التصعيد التي خلفتها أحداث القدس.

وأوضحت الصحيفة أن البيئة السياسية الداخلية في إسرائيل توفر للتنظيمات الإرهابية الإسرائيلية مجالاً أوسع للعمل، مشيرة إلى أن الحركة الكهانية، التي تنتمي إليها منظمة “لاهافا” باتت ممثلة في الكنيست كنتيجة للانتخابات الأخيرة؛ حيث يمثلها بشكل خاص إيتمار بن غفير، الذي يعد أحد أتباع الحاخام مئير كهانا، مؤسسة حركة “كاخ” الإرهابية.

وحسب الصحيفة، فإن العمليات الإرهابية الإسرائيلية ستدفع الفلسطينيين إلى الرد، مشيرة إلى أن الردود الفلسطينية ستكون فردية بالأساس، ولن تكون ذات طابع تنظيمي.

من جانب آخر، أوضح الصحافي الإسرائيلي إنشيل بيبر، الذي يعمل في صحيفة “هآرتس” أن معظم الشباب الإسرائيلي الذين شاركوا في المسيرات المستفزة في القدس المحتلة، التي نظمتها منظمة “لاهافا”، ينتمون إلى التيار الديني الحريدي.

يشار إلى أن الضفة الغربية والقدس وإسرائيل شهدت منذ عام 2015 عشرات العمليات الفردية التي نفذها الفلسطينيون رداً بشكل أساس على الإجراءات التي تفرضها إسرائيل في القدس والمسجد الأقصى، وانتقاماً من العمليات التي تنفذها التنظيمات الإرهابية الإسرائيلية.

ويذكر أن منظمة “شارة ثمن” الإرهابية نفذت مئات العمليات على مدى السنوات السبع الماضية، التي شملت عمليات قتل، إحراق مساجد وكنائس، تخريب المحاصيل الزراعية، وتسميم آبار المياه؛ حيث كانت أخطر هذه العمليات إحراق عائلة دوابشة الفلسطينية، ورجم المواطنة الفلسطينية عائشة الرابي حتى الموت عندما كانت تجلس خلف مقود سيارتها.

أصل المعركة

قد يبدو لدى البعض في بادئ الأمر أن المواجهات اندلعت على خلفية نصب الشرطة للسواتر الحديدية في المكان فقط؛ لكن المقدسيين يجمعون على أن المعركة الأساسية في باب العامود هي معركة على “الهوية”.

باب العامود يعد الشريان الأساسي الموصل لأسواق البلدة القديمة، التي يعمل الاحتلال بشكل يومي على قتلها وإغلاق أبواب حوانيتها، وبالتالي “يخطط الاحتلال لتدمير التدفق الاجتماعي عبر باب العامود لقتل ما تبقى من الأسواق، والسيطرة على عدد أكبر من العقارات في البلدة القديمة”.

في إطار محاولاته الرامية إلى إحكام السيطرة على كلّ مناحي الحياة في القدس عموماً، والبلدة القديمة خصوصاً، وبعد سيطرته على آثارها تحت الأرض وخلق ما يُعرف بـ«القدس التحتي»، يستمرّ العدو الإسرائيلي، بأذرعه المختلفة، في السعي إلى تهويد المنطقة الممتدّة من وادي قدرون إلى جبل الزيتون ثمّ البلدة القديمة، ضمن مخطّط «الحوض التاريخي» التوراتي. وآخر فصول ذلك محاولة السيطرة على باب العَمود أو بوّابة رمضان؛ أهمّ أبواب البلدة القديمة وأكبرها.

بهدوء وبالتدريج، تُواصل سلطات الاحتلال على مدار سنوات ارتكاب جرائم جماعية ضدّ الفلسطينيين في القدس المحتلّة، والهدف إبعادهم عن المسجد الأقصى عبر مخطّطات لعزل وهدم أحيائهم الملاصقة للحرم القدسي من الناحية الشرقية، وهو ما يتزايد حالياً في حيَّي البستان والشيخ جرّاح. خلال العقود الماضية، تعرّض الحَيّان لمحاولات تهويد بدأها عدد من الحركات اليهودية بشراء البيوت العربية عبر وسطاء بعضهم فلسطينيون أو عملاء، ليتبعها إعلان بلدية الاحتلال مخطّطات تنظيمية لتلك المناطق، الأمر الذي فتح نار جهنم على المرابطين في هذه الأحياء لحماية الأقصى.

ومع استمرار بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية، واعتراف الرئيس الأميركي الأسبق، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة للاحتلال، تكثّفت الهجمة ضدّ الأحياء الفلسطينية التي تعرّضت لانتهاكات كثيرة، بحيث باتت إشعارات الهدم في سلوان والشيخ جرّاح تصل سكّانهما بصورة شبه يومية. وحيّ سلوان يقع على بعد 300 متر جنوب الأقصى، وهو مُقام على مساحة 70 دونماً، ويسكنه قرابة 2000 نسمة، ويضمّ 100 وحدة سكنية باتت مهدّدة كلها، إذ أعلنت بلدية الاحتلال أنها ستزيل الحيّ بالكامل لإقامة حديقة توراتية ونصب تذكاري لجيش العدو مكانه. وسلّمت سلطات العدو أوّل إخطار إزالة للحيّ في 2005، ليبدأ مسلسل التضييق بهدم عشر وحدات سكنية دفعة واحدة في ذلك العام.

عملياً، تعرّض رجال سلوان كافة للاعتقال، بالإضافة إلى 70% من نسائه، كما فَصل الاحتلال العشرات من أعمالهم، علماً أن سكّان الحيّ مجبورون على دفع أكثر من 58 ألف شيكل (18 ألف دولار) شهرياً هي غرامات يفرضها الاحتلال بذريعة «البناء من دون ترخيص». وتقول مصادر مقدسية إنها تتوقّع ارتكاب حكومة العدو «مجزرة» بتنفيذ عمليات هدم جماعية من شأنها أن تطاول عشرات المنازل بسبب ضغوط كبيرة تمارسها الأحزاب اليمينية المتطرّفة، وهو ما دفع أهالي الحيّ إلى إعلان الاستنفار واتخاذ قرار بالمواجهة، الأمر الذي يزيد من إمكانية تفجُّر الأوضاع في المدينة المحتلّة.

وضمن خطّة تطويق البلدة القديمة، يحاول الاحتلال إقامة حزام استيطاني يعزل الحرم القدسي عن أماكن الفلسطينيين، لكن حيّ الشيخ جراح (شرقاً) يمثّل حجر عثرة أمام ذلك، ولذا يعمل العدو على تهجير سكّانه منه بحجّة عدم امتلاكهم أوراقاً تثبت ملكيّتهم للأرض (راجع العدد 4300 في السبت 20 آذار). وترجع قصة الحيّ الذي يسكنه 500 فلسطيني إلى عام 1956، عندما اتفقت الحكومة الأردنية مع «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) على إسكان 28 عائلة من لاجئي النكبة فوق أرض تُسمّى «كرم الجاعوني». ووفق الاتفاقية، تُسجّل ملكية البيوت والأرض، بعد ثلاث سنوات من إقامة اللاجئين في بيوتهم الجديدة، بأسماء العائلات في الطابو الأردنيّ. لكن بعد احتلال القدس عام 1967 مباشرةً، بدأ مسلسل السيطرة على الحيّ بالاستيلاء على عدد من المنازل فيه، ثمّ إخطار السكان بالرحيل. والجديد في القضية أنه بعد ضغط العائلات الفلسطينية، أعلن الأسبوع الماضي المتحدّث باسم الخارجية الأردنية، ضيف الله الفايز، أن عمّان سلّمت في 2019 السفارة الفلسطينية مراسلات وعقود إيجار لوحدات سكنية تعود إلى أهالي الشيخ جرّاح، مؤكداً أنه تمّ تسليم سجلات المملكة الرسمية، والعائدة إلى وزارة الإنشاء والتعمير سابقاً، وكلّها تُبيّن بعد البحث الدقيق والمطوّل إبرام عقود تأجير لعدد من الأهالي تمّ نشرها في الصحف الأردنية.

وتُخطّط سلطات الاحتلال لبناء 200 وحدة استيطانية فوق أراضي الشيخ جرّاح وبيوته، بما فيها نصب تذكاري لأحد ألوية الجيش، على أن يخدم هذا المخطّط رؤية العدو في تطويق البلدة القديمة، بتحقيق امتداد جغرافي استيطانيّ، وخنق الأحياء الفلسطينية وقطع تواصلها. وخلال مطلع العام الجاري، طُرحت على طاولة حكومة الاحتلال ثلاثة مشاريع تهويدية للقدس، تقوم على مصادرة أحياء فلسطينية كاملة وتشريد سكانها. ومن تلك المشاريع مصادرة نحو 40% من أراضي الشيخ جرّاح، وطرد 500 مقدسي منه خلال شهرين. وبالفعل، صدر قرار ضدّ سبع عائلات بإخلاء منازلها قبل الشهر المقبل، وأخرى قبل آب/ أغسطس المقبل، وذلك لعجزها عن إثبات ملكيّتها.

ربما يعجبك أيضا