المقامرة على الأسهم سياسة الكوارث المالية.. «أركيجوس» نموذجًا

كتب – حسام عيد

في الأسبوع الأخير من مارس الماضي، حدث انهيار ضخم ومفاجئ في صندوق التحوط “أركيجوس كابيتال مانجمنت”Archegos Capital Management، ومقره نيويورك، بعدما استخدم أموالًا مقترضة للقيام برهانات ضخمة على بعض الأسهم قبل أن يفشل في الوفاء بمتطلبات الشراء بالهامش، ما تسبب في إجباره على بيع أسهم بقيمة 20 مليار دولار.

كان من المتوقع أن يتكبد عدد من البنوك والشركات العالمية خسائر حادة وفي مقدمتها “نوميرا هولدنجز” Nomura Holdings اليابانية، و”كريدي سويس” السويسري. وهذا ما حدث بالفعل.

انهيار سرعان ما تحول إلى أزمة، وتمثلت أولى تبعاته وتداعياته، في فقدان مدير صندوق التحوط، بيل هوانج، الملياردير والمستثمر الكوري الأمريكي الملقب بـ”شبل النمر”، 8 مليارات دولار، ثم تضخمت الخسارة حتى بلغت 20 مليار دولار. وفي التقرير التالي سنسلط الضوء على أسباب انهيار صندوق التحوط “أركيجوس”.

واحدة من أكبر الفضائح المالية

لم يستغرق الأمر سوى يومين فقط للمستثمر الشهير بيل هوانج، الذي كان يومًا ما ملء السمع والبصر كأحد أشهر المتداولين في عالم أسواق المال، حتى يخسر كل ثروته المقدرة بنحو 20 مليار دولار في خضم فضيحة انهيار صندوق “أركيجوس” والذي تسبب بموجة بيع عنيفة في أسواق المال الأمريكية في أواخر الشهر الماضي.

وقبل نحو 8 سنوات كان المستثمر الشهير الذي يطلق عليه لقب “شبل نمر”، في قلب أزمة طاحنة بعد اتهامه بالتلاعب في أسواق المال وانهار الصندوق الذي كان يديره في حينها، والذي لم يتبق منه سوى نحو 200 مليون دولار فقط، ليبدأ الرجل في بناء ثروة بمليارات الدولارات من خلال الرهان ضد الأسهم الأمريكية.

والشهر الماضي، تسبب هوانج من خلال صندوق تحوط “أركيجوس” التابع له في واحدة من أكبر عمليات نداء الهامش بالسوق الأمريكية، بعدما أجبر من قبل المقرضين على إغلاق المراكز في ظل تراجع الأسعار.

كأحد أبرز حيتان “وول ستريت”، لم يكن هوانج يثير الكثير من الضجيج في سوق المال، فقد فضل الرجل الغياب عن المشهد.

ولسنوات طوال لم يكن اسم هوانج أو الصندوق التابع له يظهر في أي من الإفصاحات المرسلة إلى أسواق المال الأمريكية، إذ انتهج الرجل حيلة غريبة من خلال استخدام أحد الأدوات الاستثمارية التي يمكن الاختباء من خلالها، وهي عقود المبادلة التي تمنح المستثمر المكسب أو تكبده الخسارة في هذا السهم دون امتلاكه.

بيد أن السياسة الاستثمارية التي اتبعها هوانج بتركيز السيولة التي حصل عليها من المقرضين في حفنة من الأسهم، أثبتت فشلها بعد التراجعات الحادة التي منيت بها تلك الأسهم وتسببت في نهاية المطاف في خسائر بمليارات الدولارات للمستثمرين، بالإضافة إلى محو ثروة هوانج بالكامل.

وأسس “هوانج” الصندوق في 2013 كمكتب للعائلة، ولكن إخفاقه كشف هشاشة النظام المالي، وذكر المفوض الديمقراطي في لجنة تداول السلع الآجلة “دان بيركوفيتز” أن الولايات المتحدة تحتاج لتشديد الرقابة على المكاتب العائلية بعد تلك الكارثة.

وقبل نحو 4 أعوام من الآن، كان بنك الاستثمار العالمي “جولدمان ساكس” يضع هوانج على قائمته السوداء للعملاء ذوي السمعة السيئة، بعد كشف تلاعبه في سوق المال.

غير أن هذا الأمر لم يدم طويلا، إذ كانت عشرات الملايين من الدولارات التي يدفعها هوانج للمنافسين على غرار “كريدي سويس”، و”مورجان ستانلي” كفيلة برفع اسم الرجل من القائمة السوداء وإعادة التعامل معه مرة أخرى.

وكثيراً ما أثبتت سياسة هوانج في الرهان والمقامرة على ارتفاع الأسهم أو هبوطها عدم نجاعتها، ففي عام 2008 كان المستثمر ذو الأصول الكورية الجنوبية يراهن على هبوط أسهم شركة فولكس فاجن الألمانية، لكن قيمة السهم تضاعفت خلال يومين ليضطر هوانج حينها إلى إغلاق كافة مراكزه في السهم متكبداً خسائر فادحة.

خسائر البنوك العالمية بمليارات الدولارات.. والسبب المضاربات

تداعيات أزمة صندوق التحوط “أركيجوس” توالت بوتيرة متسارعة خلال فترة زمنية قياسية، لتتجاوز معها خسائر البنوك العالمية 10 مليارات دولار بعد أن كشف بنك “نومورا هولدينجز”، وهي شركة قابضة مالية يابانية، بالإضافة إلى مجموعة “يو بي إس” المصرفية السويسرية عن أكثر من 3.7 مليار دولار من الخسائر المجمعة من انهيار الشركة العائلية في الولايات المتحدة.

وتكبد البنك الياباني خسائر بنحو 245.7 مليار ين (2.3 مليار دولار) في الأشهر الثلاثة المنتهية في 31 مارس، وهي أكبر خسارة فصلية له منذ عام 2009، فضلاً عن خسائر أخرى في المتبقي من العام المالي بنحو 62 مليار ين مرتبطة أيضًا بـ”أركيجوس”.

فيما قالت مجموعة “يو بي إس”، التي لم تشر من قبل إلى أي تأثير من “أركيجوس”، إنها تتوقع خسائر مركبة بقيمة 861 مليون دولار خلال الربع الثاني.

ويعتبر البنكان من بين أكبر الخاسرين من كارثة “أركيجوس” كابيتال، التي انهارت بعدما عمدت البنوك والشركات بتقديم تمويلات بالمليارات لعمليات شراء الأسهم بالهامش، والتي عجزت الشركة عن سدادها وقاد إلى عمليات بيع قسرية بعشرات المليارات من الدولارات.

وتعد نومورا، المقرض الثاني الأكثر تأثرًا بعد أن أعلنت مجموعة كريدي سويس، عن خسارة مجمعة بنحو 5.5 مليار دولار مع تراجع أسهمها 13.8% إلى أدنى مستوياتها في ثلاثة أشهر، فيما يحتل “يو بي إس” المركز الرابع، خلف مورجان ستانلي مباشرة، والذي فاجأ المستثمرين والمحللين بخسارة 911 مليون دولار في وقت سابق من هذا الشهر.

وقدرت “بلومبيرج”، حجم الأموال التي تديرها المكاتب العائلية لأصحاب الثروات عالمياً بنحو 6 تريليونات دولار، ودفع انهيار “أركيجوس كابيتال” المنظمين والمشرعين والمدافعين عن صغار المستثمرين إلى الضغط من أجل الكشف عن الأعمال الداخلية للمكاتب العائلية، التي تستفيد من عمليات التنظيم الخفيف.

ويدرس المنظمون الأمريكيون متطلبات إفصاح أكثر صرامة، حيث يستكشف مفوضو الأوراق المالية والبورصات كيفية زيادة الشفافية لأنواع الرهانات المشتقة التي أغرقت شركة “أركيجوس”.

وختامًا، تلاشي ثروة “هوانج” المفاجئ هو أحد أكبر أشكال الإخفاق الذريع في التاريخ المالي الحديث جراء عمليات المضاربات والرهانات والبيع على المكشوف. كما أن كافة المؤسسات المالية المتورطة بتلك الكارثة ستواجه ليس فقط المخاطر المالية ومخاطر السمعة، ولكن أيضًا التدقيق التنظيمي في حال قررت السلطات وجود أوجه قصور مادية في الحوكمة أو نقاط ضعف في إدارة المخاطر.

ربما يعجبك أيضا