هل تستطيع فرنسا الحفاظ على استقرار الوضع في تشاد؟

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

تتلاحق خطوات المجلس العسكري الانتقالي في تشاد لتثبيت ملامح المرحلة الانتقالية وسط ضغوط من المعارضة السياسية وتهديدات المتمردين المسلحين. في أحدث خطوة أصدر المجلس العسكري الانتقالي مرسومًا بتعيين رئيس الوزراء والمرشح الرئاسي السابق ألبيرت باداكيه رئيسا للوزراء خلال المرحلة الانتقالية التي حددها بـ 18 شهرا . وجدد المجلس رفضه للدخول في مفاوضات مع المسلحين، وطالب دول الساحل بمزيد من التعاون للتصدي للمتمردين.

سبق لـ«باداكيه» أن شغل منصب رئيس الوزراء حتى عام 2018 كما كان مرشحا في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مطلع أبريل الجاري . خطوات الجيش تحاول تهدئة الأوضاع والتعامل مع المتمردين المسلحين الذين هددوا بالزحف للسيطرة على العاصمة إنجامينا .

ضغوط داخلية

لا تقتصر الضغوط التي يتعرض لها المجلس العسكري على المسلحين فقط، فهو يواجه رفضا من المعارضة السياسية، بعدما أصدرت أحزاب المعارضة بيانا نددت فيه بما وصفته بـ«انقلاب مؤسساتي» ودعت إلى مرحلة انتقالية بحكومة يقودها مدنيون يتم تشكيلها عبر حوار سياسي شامل، داعية الأسرة الدولية إلى «مؤازرة الشعب التشادي لإعادة دولة القانون والديمقراطية».

الأحياء الفقيرة في شمال العاصمة إنجامينا شهدت موجة احتجاجات كبيرة رفضا للمجلس العسكري، والمطالبة بنقل السلطة للمدنيين وحل المجلس العسكري، ووقف ما سموه بالاستعمار الفرنسي الجديد .

احتجاجات عارمة في الشمال رغم صدور مرسوم حظرت فيه وزارة الأمن العام بشكل قاطع كل المسيرات أو التظاهرات التي لم تحصل على موافقة مسبقة، لذلك استخدمت قوات الجيش الرصاص الحي ومحاصرة الأحياء الثائرة ما تسبب في مقتل شخصين على الأقل.

باريس

دلالات تغير الموقف الفرنسي

أما الحليف الأقوى خارجيا، فرنسا، فقد غيرت موقفها من دعم تحول مدني- عسكري في تشاد إلى الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية مدنية تدير شؤون البلاد لحين إجراء انتخابات في غضون 18 شهراً. ماكرون أكد رفض بلاده لسياسة توريث الحكم ورفض قمع المعارضة، لكن هذا الموقف قد لا يعجب المجلس الانتقالي العسكري في تشاد بقيادة محمد إدريس ديبي.

وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان مشترك، بعد محادثات أجراها الرئيس ماكرون مع رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي إن البلدين «يقدمان دعمهما لعملية انتقالية شاملة متاحة لكل القوى السياسية في تشاد بقيادة حكومة وحدة وطنية يتعين أن تؤدي إلى انتخابات في غضون 18 شهراً».

وندد ماكرون في وقت سابق بمعاملة المحتجين في تشاد حيث قُتل شخصان على الأقل وأصيب 27 في مظاهرات للمطالبة بالعودة إلى الحكم المدني. تصريحات قد تطمئن المعارضة، لكنها تغضب المجلس العسكري، وهو ما يضع باريس في موقف حرج، خاصة وأنه بحاجة لدعم استقرار تشاد والجيش في مواجهة قوى التطرف من جهة، ومن جهة أخرى لا تريد الظهور بمظهر الداعم لسيطرة العسكر على الحكم في البلاد.

والسؤال الآن: هل تستطيع فرنسا الحفاظ على استقرار الوضع في تشاد؟

الرئيس الفرنسي كان الرئيس الغربي الوحيد الذي انتقل إلى إنجامينا عاصمة تشاد لحضور جنازة صديق فرنسا الدائم إدريس ديبي ، حضور يؤكد أهمية العلاقة بين البلدين وأهمية الدور التشادي بالنسبة لباريس فيما يخص استقرار القارة الأفريقية ومواجهة الجماعات المسلحة والمتطرفة .

تؤكد الممارسة الفرنسية في تشاد وفي منطقة الساحل الأفريقي، أن المصالح تُقدَّم على المبادئ، وهو ما بدا جليا في الدعم الفرنسي اللا محدود للرئيس الراحل ديبي لمدة أكثر من ثلاثين عاماً، في وقت شهدت فيه تشاد أسوأ سجل لحقوق الإنسان، كما أنها احتلت موقعاً متأخراً في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية بالرغم من ما تذخر به من ثروات وعلى رأسها النفط.

فالاستقرار الأمني والسياسي في تشاد مقدم بالنسبة لفرنسا على الديمقراطية والدستور، استقرار يتطلب إجراء حوار وتسوية شاملة دون تغليب كفة فصيل على آخر أو هيمنة مجموعة معينة من أجل المصالح الفرنسية التي تخشى المنافسة التجارية والاستثمارات التي بدأت تتوسع في المنطقة من قبل الصين وتركيا وروسيا.

بعض المراقبين يرون أن فرنسا التي خسرت نفوذها في ليبيا ستحاول الرمي بثقلها في الملف التشادي ، لأن ما يحدث في هذه المنطقة الأفريقية قد لا يكون بعيدا عن يد روسيا التي باتت تزاحم نفوذ فرنسا في وسط أفريقيا وباتت لديها علاقات جيدة مع المتمردين التشاديين الذين يتخذون من ليبيا قاعدة خلفية لهم.

ربما يعجبك أيضا