في فلسطين.. الشباب المقدسي يقدم نموذجًا آخر للقيادة والتعبئة

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

خلال الأسابيع القليلة الماضية، وقعت الكثير من الاشتباكات والعنف حول باب العامود في القدس بين الفلسطينيين والمتطرفين اليهود الإسرائيليين، وأن مفتاح أي فهم حقيقي للأحداث هو فهم للعلاقة العميقة الموجودة بين السكان الفلسطينيين في البلدة القديمة والأماكن العامة المحيطة بمنازلهم، إنها نوع فريد من العلاقة حتى إن الفلسطينيين الذين يعيشون خارج أسوارها غالبًا ما يستخفون بها.

 يقول الكاتب محمود مُنى، في تقرير نشرته صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، إنه “إلى جانب المسؤوليات الدينية والوطنية الواضحة التي يشعر بها سكان المدينة القديمة تجاه مسقط رأسهم، فإنهم يرون المساحات العامة في المدينة القديمة حدائقهم الخلفية الخاصة بهم، حيث يقضون أوقاتهم في أماكن التراس وعلى شرفاتهم الجميلة في وقت متأخر من ليالي الصيف”.

“القدس لا مثيل لها”

القدس مدينة لا مثيل لها، يصف الكاتب حال المدينة قائلا: “الشوارع ضيقة، ومنازل المدينة القديمة مزدحمة، مع القليل من تصاريح البناء أو التجديد الممنوحة للسكان الفلسطينيين. وهذا يفسر سبب تدفق العائلات والشباب على وجه الخصوص إلى باب العامود الشاسع بحثًا عن مساحة. طوال حياتي، وأكثر من ذلك في السنوات العديدة الماضية، أصبحت بوابة العامود (أو باب العمود كما نسميها) المحور الاجتماعي حيث يتجمع الناس، وعلى مر السنين، أصبحت ساحة المدرج مسرحًا للعروض الثقافية بما في ذلك الأحداث الموسيقية وفن الشارع والرقص التقليدي وحتى رياضة الوثب “الباركور””.

تغير كل هذا في اليوم الأول من شهر رمضان هذا العام، عندما منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية الناس من التجمع حول السلالم الكبيرة (المعروفة لدى السكان المحليين باسم “الكراسي”) بحواجز معدنية ، ولم تسمح إلا بالوصول بالمشي عبر الدرجات الصغيرة الضيقة، واعتبر الشباب الفلسطيني هذا استفزازًا، ونظموا احتجاجات ليلية لاستعادة المساحة.

يشير الكاتب إلى أنه كان هناك مستوى متزايد من التصميم والالتزام بالتظاهر السلمي، بعد أيام قليلة من السخرية، تبنى المجتمع الفلسطيني الأوسع بسرعة محنة الشباب، كانت مطالبهم واضحة وضوح الشمس، إزالة الحواجز من حول الدرج الكبير وفتح منطقة الجلوس.

وحاولت شرطة الاحتلال في عدة نقاط إقناع الشباب بقبول إغلاق الدرج ولكن دون جدوى، لقد كانت لحظة رائعة عندما كان هناك إدراك أنه لم يكن هناك في الواقع زعيم لهذه الحركة، ولا حزب سياسي أو زعماء معنيين.

يرى الكاتب أن اليأس وتنامي مشاعر القهر والتمييز كلها عوامل تساهم في الغضب الذي يغذي دورة المواجهة هذه. ومع ذلك، جاءت نقطة التحول عندما تجمعت مجموعات يهودية قومية متطرفة وسارت، مرددة ‘الموت للعرب’، قبل اندلاع الاشتباكات في شوارع القدس على مرأى ومسمع من قوات الاحتلال الإسرائيلية”.

في 22 أبريل وصلت الأمور إلى ذروتها، وأصيب نحو 120 فلسطينيا خلال ليلة واحدة، ومع استمرار الاحتجاجات وتصاعدها، بعد يومين قررت الشرطة إزالة الحواجز وفتح سلالم باب العامود.

توافد المقدسيون من جميع الأعمار والخلفيات على الساحة للاحتفال بليلة نادرة من النجاح والاحتفال، لقد كان نصرًا صغيرًا، لكن 13 ليلة من المظاهرات المستمرة قد آتت أكلها أخيرًا، وتم فتح الفضاء الاجتماعي الأهم للفلسطينيين في المدينة أخيرًا مرة أخرى.

لكن لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلية تواصل انتشارها بأعداد كبيرة حول بوابة العامود، والتوتر يعم المكان..

ويختتم الكاتب حديثه قائلا: “إنه في مواجهة سياسات الاحتلال الإسرائيلي “عبر الاحتجاج وعلى عكس المسار المسدود نحو الانتخابات الفلسطينية، يقدم الشباب المقدسي نموذجا آخر للقيادة والتعبئة، من خلال العفوية والمشاركة المجتمعية والاجتماعية”.

العقبة الكبرى

من جانبها، ترى الناشطة المقدسية، نجوى عودة، أن الأحداث الأخيرة تؤكد أن القدس هي “الرقم الأصعب والعقبة الكبرى” أمام كل محاولات الاحتلال فرض سيطرته وسيادته عليها، على الرغم من أعتى أساليب البطش والترسانة العسكرية التي يستخدمها”.

وتضيف عودة: إن “المقدسي الأعزل، من الطفل للشيخ، قد يصبر ويتحمّل أي شيء، إلا الانتقاص من حقّ سيادته ووجوده في مدينته، وهو لديه قوة سحرية وروح وثابة، تجتمع وتنصهر وتنتج قوة خارقة للمواجهة، إذا ما تعرضت قدسنا وأقصانا للخطر”.

وعكست المشاهد التي أظهرت مئات الشبّان المقدسيين خلال الاشتباكات دون اكتراث لقمعهم بالإصابة والاعتقال، حقيقة الواقع الصعب والأقرب للجحيم الذي يعيشه المقدسيون عموماً، والشباب منهم على وجه الخصوص.

ويبقى تصاعد الأحداث واحتمالية تطورها إلى انتفاضة شعبية واسعة أمراً وارداً، ويوضح أحد الشباب المقدسي أنهم يواجهون أعتى ممارسات القمع والاستهداف ومحاولة سلبهم انتماءهم الوطني، مع ازدياد معدلات الفقر والبطالة بين صفوفهم بسبب سياسة التهويد الإسرائيلية.

ربما يعجبك أيضا