ليبيا.. سلاح الميليشيات في وجه المجلس الرئاسي دفاعًا عن المرتزقة

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

تطورات جديدة وسريعة تواجهها ليبيا عقب اقتحام ميليشا مسلحة مقر المجلس الرئاسي الليبي على وقع تعيينات جديدة بجهاز المخابرات، وتصريحات دعت لإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، الأمر الذي قد يسهم في تعقيد المشهد السياسي ويعرقل مسار الانتخابات المقررة في ديسمبر المقبل، وعلى وقع هذا التصعيد دعت دول غربية ليبيا للإسراع في إجراء الانتخابات وكبح جماح الميليشيات المسلحة.

اقتحام مقر المجلس الرئاسي

بالأمس، اقتحم قادة الميليشيات المسلحة، مقر المجلس الرئاسي الليبي بالعاصمة طرابلس للمطالبة بإقالة وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، والتراجع عن تعيين رئيس جهاز المخابرات حسين العايب مقابل الإبقاء على عماد الطرابلسي.

التمرد جاء عقب اجتماع لقادة الميليشيات المسلحة في ضيافة رئيس جهاز المخابرات المقال الطرابلسي، للردّ على تصريح وزيرة الخارجية المنقوش التي دعت من خلاله إلى انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من بلادها، والتعبير عن رفضهم لقرار المجلس الرئاسي تعيين اللواء العايب على رأس جهاز المخابرات خلفا للطرابلسي.

الاجتماع ضم أغلب ميليشيات العاصمة طرابلس وما يعرف بقوات “بركان الغضب”، هدّدوا من خلاله بمحاصرة مقرّ المجلس الرئاسي واستخدام قوّة السلاح، إذا لم تلق مطالبهم استجابة، وسط حالة من الغضب بسبب قرار المجلس تعيين أحد المقربيّن من قائد الجيش الجنرال خليفة حفتر على رأس جهاز المخابرات.

وتولى العايب إدارة مكتب عبدالله السنوسي، آخر رئيس جهاز مخابرات للبلاد في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي قبل سقوطه ومقتله عام 2011، علما أنه كان أحد ضباط ما كان يعرف بجهاز الأمن الخارجي الليبي.

وأثار تعيين العايب غضب بعض المناوئين للنظام السابق، في حين رصدت وسائل إعلام محلية عقد الطرابلسي اجتماعا تشاوريا مع قادة عملية بركان الغضب تمهيدًا لاحتمال إعلانه رفض تسليم منصبه.

وأظهرت لقطات مصورة لحظة هجوم عناصر مسلحة على مقر اجتماع المجلس الرئاسي، الذي يقع في فندق “كورنثيا” بالعاصمة طرابلس وتطويق محيطه بالكامل بالعشرات من العربات العسكرية المجهزّة وسيارات رباعية الدفع.

وفيما اقتحم المسلحون، ليل الجمعة، فندق كورنثيا مقر إقامة المجلس الرئاسي في طرابلس، أفادت مصادر إعلامية بأن رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، فر من الفندق عبر الباب الخلفي قبل وصول الميليشيات إليه.

وعقب الاقتحام، أكدت المتحدثة باسم المجلس الرئاسي الليبي أن “جميع أعضاء المجلس بخير”، وعلى رأسهم المنفي ونائبيه علي اللافي وموسى الكوني.

دعوات تحريضية للغرياني

 سبق الاقتحام، دعوى تحريضية لمفتي ليبيا المعزول، الصادق الغرياني، دعا فيها ميليشيا “بركان الغضب” للخروج ضدّ وزيرة الخارجية الليبية، المنقوش ووصفها بـ”الوقحة التي تخدم مشروع العدو”، وذلك على خلفية دعوتها إلى خروج القوات التركية والمرتزقة من بلادها.

وأكدت المنقوش مرارًا في خطابها على أن ليبيا مصممة على انسحاب تركيا من بلادها، وخروج كافة القوات الأجنبية من الأراضي الليبية بشكل يسمح بإجراء الانتخابات في أجواء من الأمن والاستقرار،.

وردًا على تصريحاتها، قال الغرياني: إن “من يتنكر للحليف التركي لا يستحق الاحترام ويدل كلامه على أنه غير مسؤول ولا يعرف كيف يضع الأمور في نصابها”.

واستعادت منصات إعلامية وناشطون محسوبون على المعسكر التركي تسجيلات فيديو قديمة للمنقوش تنتقد تدخل تركيا وقطر في ليبيا، وتعتبر المشير خليفة حفتر القائد العام لـ”الجيش الوطني” “بطلا في شرق البلاد، وكان أمل الليبيين للخلاص من الميليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس”.

وتصاعدت الحملة الدعائية المناوئة للمنقوش بعدما طالبت تركيا بإنهاء تواجدها العسكري وسحب المرتزقة الموالين لها من الأراضي الليبية، بينما امتنعت الحكومة عن التعليق على تلقي المنقوش تهديدات، أو تعرضها لضغوط لإقالتها من منصبها.

تحرك دولي وتنديد ليبي

وفي وقت لم تبدأ فيه السلطات الليبية بعد بالتحضير لإجراء الانتخابات، دعت خمس دول غربية ليبيا إلى إجراء الانتخابات في موعدها. كما حثت العفو الدولية ليبيا على إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان وكبح جماح الميليشيات.

وفي هذا السياق، دعت سفارات خمس دول غربية، هي الولايات المتّحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، في بيان مشترك الخميس ، السلطات الليبية إلى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها المقرّر في 24 ديسمبر لإخراج البلاد من الفوضى الغارقة فيها منذ عشر سنوات.

وحذّرت السفارات الخمس في بيانها المشترك من أنّ “الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لإجراء أي تغييرات من شأنها التعطيل في الهيئات ذات الصلة، والتي لها دور أساسي في التجهيز للانتخابات، خلال الجدول الزمني الذي حدّده مجلس الأمن الدولي”.

وتحاول ليبيا طيّ صفحة عقد من النزاعات التي بدأت في 2011 بانتفاضة شعبية أدّت إلى سقوط نظام معمّر القذافي واتّسمت في السنوات الأخيرة بنزاع دامٍ على السلطة دار بين حكومة مقرّها في طرابلس (غرب) وأخرى مقرّها في بنغازي (شرق).

وبرعاية الأمم المتّحدة انتخبت الأطراف الليبية خلال اجتماع عقد في جنيف في مطلع فبراير الماضي سلطة تنفيذية جديدة موحّدة، والسلطة السياسية الجديدة المتمثلة بحكومة وحدة وطنية يرأسها عبدالحميد الدبيبة ومجلس رئاسي يقوده محمد المنفي، مكلّفة بموجب خارطة طريق ترعاها الأمم المتّحدة.

كبح جماح الميليشيات

وفي سياق أخر، حثّت منظمة العفو الدولية “أمنستي” الحكومة الليبية الجديدة على إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان ومحاربة إفلات التنظيمات المسلحة من العقاب في وقت تسعى فيه ليبيا لطي صفحة عقد من الفوضى.

وشدّدت العفو الدولية على ضرورة “كبح جماح الميليشيات والجماعات المسلحة المسؤولة عن عمليات الخطف، والاعتقال التعسّفي، والتعذيب، والاختفاء القسري، والنزوح القسري، والسلب والنهب، وغير ذلك من الجرائم”.

وأضافت أنّه إثر سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، تأثّرت حياة الليبيين اليومية نتيجة “الميليشيات والجماعات المسلّحة المتنافسة التي ارتكبت جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان مع إفلاتها من العقاب”. وعاشت ليبيا عقداً من الصراع، تميّز في السنوات الأخيرة بوجود سلطتين متنافستين وأعمال عنف دموية ومقاتلين أجانب.

وهناك مساع تبذل حالياً لطيّ تلك الصفحة بعد تعيين سلطة تنفيذية جديدة في فبراير نالت ثقة البرلمان في مارس، وهي مسؤولة عن توحيد المؤسسات وقيادة البلاد حتى إجراء انتخابات عامة والمقررة  في ديسمبر.

ودعت العفو الدولية حكومة عبدالحميد الدبيبة إلى “وضع حدّ لعمليات الاحتجاز التعسّفي والاختفاء القسري والتعذيب والمحاكمات الجائرة” و”احترام وحماية حرية التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والتجمّع السلمي” و”حماية حقوق المهاجرين واللاجئين” و”اتخاذ الإجراءات اللازمة لتيسير عودة النازحين داخلياً”.

يذكر أن ليبيا مركز للهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، ويقع عشرات الآلاف من المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء فريسة لمهرّبي البشر ويموت كثير منهم أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط.

ورغم المساعي المبذولة لإنهاء الانقسام لا يزال ملف الميليشيات المسلحة وإخراج المرتزقة من أكبر عوائق سير العملية السياسة التي توقع لها الكثيرون النجاح، إلا أن إصرار بعض القوى على بقاء الميليشيات سيضر بالعملية السياسية برمتها

ربما يعجبك أيضا