قضية «جورج فلويد».. حكم تاريخي ضد الشرطة الأمريكية

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

لمدة ثماني دقائق و46 ثانية، ضغط ضابط الشرطة الأمريكي، “ديريك تشوفين”، بركبته على رقبة المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد (46 عاماً). وبينما كان “تشوفين” يضغط على عنق فلويد في مدينة مينيابوليس الأمريكية -في 25 مايو من العام الماضي- كان الشرطيان، ألكسندر كونغ، وج. توماس لين، يقيدان حركة فلويد.

كل ذلك حدث في الشارع، بجانب سيارة للشرطة، حيث قاموا بتثبيت فلويد على الأرض، بينما كان يصرخ كلماته الأخيرة متوسلاً “من فضلك، لا أستطيع التنفس” حوالي 20 مرة، عندما فقد فلويد وعيه، لم يتحرك الضباط، ولم يتركه تشوفين وزملاؤه إلا عندما وصلت سيارة إسعاف، بعد حوالي دقيقتين من توقف نبضه، وفقاً للمدعين. ليتم إعلان وفاة فلويد في وقت لاحق في مستشفى محلي.

وجهت هيئة محلفين فدرالية كبرى،  أمس الجمعة، اتهامات لجميع رجال شرطة مينيابوليس الأربعة السابقين، المتورطين في مقتل الأميركي من أصول إفريقية جورج فلويد، في مايو الماضي، بمن فيهم ديريك شوفين، الذي أدين بتهم القتل، والقتل غير العمد الشهر الماضي.

وتتهم اللائحة المتعددة الصادرة عن المحكمة الجزئية الأميركية في مينيسوتا، شوفين، إضافة إلى توماس لين، وجيه كوينغ، وتو ثاو بانتهاك حقوق فلويد الدستورية.

وتم اتهام جميع الشرطيين الأربعة بالفشل في تقديم الإسعافات الأولية لفلويد، حيث جثا شوفين على رقبة الضحية لأكثر من 9 دقائق.

إضافة إلى ذلك، تم اتهام شوفين وكوينغ وثاو، بانتهاك حق فلويد في التحرر من الحجز غير المنطقي والقوة المفرطة.

وكان شوفين أول شرطي أبيض في ولاية مينيسوتا يُدان بقتل شخص من أصول إفريقية، واعتبر الكثيرون في البلاد المحاكمة رفيعة المستوى، بمثابة استفتاء على أداء الشرطة في الولايات المتحدة.

وشهد العديد من ضباط شرطة مينيابوليس، بمن فيهم رئيس شرطة المدينة، ضد شوفين أثناء المحاكمة، وهو أمر نادر في قضايا سوء سلوك الشرطة، ومؤشر محتمل على أن محاكمته قد يكون لها دور في إصلاح الشرطة.

وأثارت وفاة فلويد موجة احتجاجات عنيفة في مدينة مينيابوليس ومختلف الولايات الأميركية وحول العالم، وأعادت التفكير على مستوى البلاد في العدالة العرقية.

وأعلنت لائحة الاتهام الصادرة، الجمعة، أن الجرائم تنتهك قانونا أميركيا يحظر أحد بنوده على مسؤولي إنفاذ القانون، حرمان “شخص ما من حق أو امتياز محمي بموجب دستور أو قوانين الولايات المتحدة”.

ويسعى الديمقراطيون في الكونجرس الأميركي إلى تغيير القانون، من خلال مشروع لإصلاح وطني شامل لأجهزة الشرطة.

ومن المقرر أن يمثل لين وكوينغ وتاو للمحاكمة، في أغسطس المقبل، بتهم جنائية تتضمن المساعدة في القتل، والقتل غير العمد، والتحريض عليهما.

هيئة المحلفين

1 1430101

استمعت هيئة المحلفين لـ45 شاهدا، وشاهدت ساعات من مقاطع الفيديو.

ونقل بعض شهود العيان شهادات قوية. وبكى العديد خلال رؤيتهم مشاهد مؤثرة من الحادث.

وتحدثت صديقة فلويد، كورتني روس، التي قضت معه ثلاث سنوات، بالإضافة إلى شقيقته الصغرى فيلونيز، تفاصيل عن خلفيته كشخص.

وقال خبراء معينون من قبل السلطات خلال المحاكمة: إن فلويد توفي جراء نقص الأكسجين، بسبب الأسلوب المعتمد من قبل شوفين وزملائه.

محاكمة جديدة

118134653 tv066863409

أظهرت وثائق محكمة أمريكية أن ديريك تشوفين، الضابط السابق بشرطة مدينة منيابوليس الأمريكية، طلب يوم الثلاثاء من قاض بالمدينة محاكمة جديدة.

ويأتي طلب تشوفين بعد أسبوعين من إدانته بثلاث تهم بالقتل في واقعة مقتل جورج فلويد، المواطن الأمريكي من ذوي الأصول الإفريقية.

ومثلت إدانة تشوفين علامة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة فيما يتعلق بالأعراق، واستنكارا لأسلوب معاملة أجهزة إنفاذ القانون للمواطنين السود.

وكانت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، رحبت بحكم الإدانة الذي صدر في قضية مقتل فلويد، قائلة: إن “أي نتيجة أخرى كانت ستمثل استهزاء بالعدالة”.

جدار الصمت الأرزق

تقول الكاتبة لجوانا والترز بصحيفة الجارديان البريطانية إن قرار هيئة المحلفين إدانة ضابط شرطة مينيابوليس السابق ديريك شوفين لقتله جورج فلويد جاء بمثابة لحظة تاريخية في محاكمة الإجراءات الوحشية للشرطة وللحركة من أجل المساواة العرقية في أمريكا.

وتضيف: إن المراقبين يرون أن هذه القضية ستشكل نقطة فاصلة في ما يتعلق بمحاسبة الشرطة في الولايات المتحدة ومساءلتها.

وتضيف أنه منذ نشر الفيديو الذي صوره أحد المارة عن مقتل فلويد تحول شيئان رئيسيان.

الأمر الأول هو أن قادت حركة “حياة السود مهمة”، التي تسعى إلى وضع حد لعمليات القتل التي تمارسها الشرطة بحق السود، ومن أجل تحقيق العدالة والإنصاف، انتفاضة واسعة النطاق للحقوق المدنية انتشرت عبر الولايات المتحدة وفي العالم.

والأمر الثاني أنها أدت إلى انهيار أجزاء كبيرة مما يسمى بـ”جدار الصمت الأزرق”، حيث تتستر الشرطة على ارتكاب أفرادها لمخالفات وتتصدى لمطالب المساءلة.

وتضيف أنه بعد أن شاهد ميداريا أرادوندو، رئيس شرطة مينيابوليس، مقطع فيديو موت فلويد، تحركت الأمور بسرعة. ووصف أرادوندو علنا قتل فلويد بأنه جريمة قتل.

وتقول أنه على الرغم من التأكيدات عند افتتاح المحاكمة أن الأمر يتعلق بشرطي واحد وقضية واحدة، كان من الواضح أن أمريكا نفسها وشرطتها قيد المحاكمة.

وتقول: إن الولايات المتحدة تمتلك نظامًا لامركزيا ضخما للشرطة، ويوجد في البلاد ما يقرب من 18000 قسم شرطة لكل منها أساليبه الخاصة للتعامل واستخدام القوة وآليات الرقابة، مما يجعل الإصلاح الشامل شبه مستحيل. وترى أن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب أدت إلى تراجع أي إصلاح في الجهاز الشرطي في الولايات المتحدة.

وترى الكاتبة أنه لم تحدث ثورة في العدالة العرقية أو في جهاز الشرطة في الولايات المتحدة منذ مقتل جورج فلويد في 25 مايو/ أيار 2020.

وتضيف أنه على سبيل المثال، سرعان ما واجه التصويت في مينيابوليس في يونيو/حزيران الماضي لاستبدال جهاز الشرطة بنظام جديد للسلامة العامة صعوبات.

وترى أنه على الرغم من ذلك إلا أن الاحتجاجات الواسعة والأصداء الكبيرة التي أعقبت مقتل فلويد

تسوية تاريخية

في مارس الماضي الأمس توصلت عائلة “جورج فلويد” إلى تسوية بقيمة 27 مليون دولار، وفق ما أعلن محاموها، إذ أفادوا في بيان أنه تم الاتفاق على “أكبر تسوية تسبق محاكمة في قضية حقوق مدنية تتعلّق بالقتل الخطأ في تاريخ الولايات المتحدة”.

وقال بن كرامب، أحد محامي عائلة فلويد: إن لحظة “مقتل جورج فلويد المروعة التي شاهدها الملايين حول العالم، أطلقت العنان لرغبة عميقة ومطالبة لا يمكن إنكارها بالعدالة والتغيير”.

وتابع: “تبعث أكبر تسوية على الإطلاق تسبق محاكمة في قضية قتل رجل أسود عن طريق الخطأ برسالة قوية مفادها أن حياة السود مهمّة فعلا وعلى قسوة الشرطة ضد ذوي البشرات الملونة أن تنتهي”.

لكن حتى إذا انتهت القضية من الناحية القانونية، فإنه من المرجح أن تظل قضية العنصرية بشكل عام مستمرة لفترة في الولايات المتحدة الأمريكية، مثلما عادت للظهور في أحداث اقتحام الكونجرس التي هزت أمريكا والعالم مرة أخرى، وتصدرها عدد من الحركات والشخصيات العنصرية المتعصبة للعرق الأبيض من أنصار الرئيس السابق ترامب.

ففي تلك الأحداث، كما كتب وقتها المخرج الأمريكي، الحائز على جائزة الأوسكار، مايكل مور، «كان العنصريون البيض في كل مكان وسط ذلك الحشد الغوغائي، وكان جيشنا وأقسام البوليس في أنحاء البلاد مخترقين بالبيض العنصريين المتشددين. والكل يعرف أنه لو كان هذا الحشد من السود، لكانوا كلهم قد أبيدو»، وهو ما دعا «مور» للقول: «نحن بحاجة لأن نبدأ من جديد بمفهوم شامل عن العدالة الجنائية، وضباط جُدد معادين للعنصرية».

ربما يعجبك أيضا