فضيحة في ميانمار.. كيف تدعم «توتال» الفرنسية جنرالات الجيش؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

بينما يواصل الجيش في ميانمار منذ فبراير الماضي قمعه بوحشية سافرة الاحتجاجات السلمية المناهضة لانقلابه ضد رئيسة الحكومة المنتخبة أونج سان سو تشي، ضاربا عرض الحائط بالدعوات الدولية لضبط النفس ووقف قتل المتظاهرين، خرجت تقارير إعلامية تفضح تواطؤ شركات بحجم “توتال” في تمويل انقلاب الجيش ودعمه عبر تهديد عمالها بالطرد في حال المشاركة في الاحتجاجات المناهضة له.

تفاصيل الفضيحة

كشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية في تقرير بعنوان “كيف تمول توتال جنرالات الجيش في ميانمار عبر حسابات خارجية؟” نشرته الثلاثاء الموافق الرابع من مايو الجاري، أن “توتال” -وهي واحدة من أكبر ست شركات نفطية في العالم- استمرت في تحويل الضرائب وإيرادات مبيعات الغاز إلى جيش ميانمار من خلال ملاذ ضريبي وحسابات خارجية، حتى يتمكنت جنرالات الجيش من الالتفاف على العقوبات المفروضة عليهم من عدة بلدان في مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا.

الصحيفة الفرنسية الشهيرة قالت إن لديها وثائق مسربة تظهر أن توتال تقوم بتشغيل حقل غاز “ياندا” الذي تصل إمدادته إلى الأسواق المحلية في ميانمار وتايلاند – والذي تُعد “توتال” أحد أكبر المشاركين فيه- بالشراكة مع شركة غاز ونفط محلية يديرها عسكريون حاليون ومتقاعدون في البلاد، وللهروب من العقوبات وعدم فضح أمرها تقوم بتحويل عائدات مبيعات الغاز إلى جنرالات جيش ميانمار عبر شركة وسيطة تدعى Moattama Gas Transportation Company  المسجلة في برمودا – أحد أقاليم ما وراء البحار البريطانية وأحد الملاذات الضريبية الشهيرة-  منذ العام 1994، وأشارت الصحيفة إلى أن التحويلات المالية إلى ميانمار شملت أيضا شركة تايلندية وشركة Chevron الأمريكية، وخلصت إلى أن هذه العائدات الطائلة تعد أحد أهم مصادر الجيش البورمي اليوم، ولا تمر عبر خزينة الدولة بل تدخل إلى حسابات الشركات التي يسيطر عليها الجنرالات.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل أن إدارة الشركة تضغط على العمال وتهددهم صراحة بفقدان وظائفهم في حال المشاركة في الاحتجاجات المناهضة للانقلاب، فبحسب شهادات لموظفين في الشركة نقلتها “لوموند” إدارة توتال قالت إنه في حال مشاركة أي عامل في الاحتجاجات الدائرة في البلاد فسيدفع الثمن، لكن دون أن تحدد المقصود بـ”الثمن”، لكن بعض العمال قالوا في شهادتهم: إنه ربما سيكون إجبارهم على أخذ إجازة غير مدفوعة الأجر أو الاستقالة نهائيا.

ويقول العمال إنهم يشعرون بالخجل من العمل داخل شركة تمول الجيش، لكنهم في نفس الوقت لا يمكنهم التخلي بسهولة عن وظائفهم نظرا للمسؤوليات الاجتماعية التي على عاتقهم، كما أن بعضهم تلقى تهديدات بالاعتقال العسكري في حالة المشاركة في حركة العصيان المدني ضد الجيش، وقالت لهم إدارة الشركة إنهم سيتم توقيفهم على الفور.

يذكر أن ميانمار تعاني من أزمة اقتصادية، تقول الأمم المتحدة بأنها ستدفع نصف سكانها بحلول عام 2022 للعيش في فقر مدقع بدخل يقل عن 1.5 دولار في اليوم.

رد توتال على الاتهامات

في أول رد فعل على تقرير “لوموند”، أعلنت “توتال” أمس، إلغاء حملة إعلانية كانت ستنشر في الصحيفة خلال الأسابيع المقبلة، ولم توضح السبب صراحة، إلا أنها أكدت في تصريحات للصحيفة الفرنسية أنها لم تعد تضم أي شركات فرعية في الملاذات الضريبية، في إشارة إلى برمودا.  

وأكدت “لوموند” خبر إلغاء الحملة الإعلانية، التي تعد بحسب وصف “فرانس برس”، عقوبة رمزية نظرا لكون “توتال” ليست من كبار المعلنين بالصحيفة، كما أن لوموند تتمتع بوضع مالي جيد وعائدات الإعلانات لا تمثل سوى 22% من إيراداتها.

في أعقاب انقلاب فبراير في ميانمار تعرضت “توتال” وغيرها من الشركات الأجنبية العاملة في البلاد، لضغوط من نشطاء مؤيدين للديمقراطية من أجل وقف تمويل المجلس العسكري، لكن إدارة الشركة الفرنسية تتذرع بالعمال وتدافع عن موقفها بالقول: حتى إذا قررنا إيقاف الإنتاج للاحتجاج على الوضع في بورما، فسيكون عمالنا في موقف مأساوي، وربما سيقعون تحت طائلة العمل القسري.. لا يمكننا تصور أن يواجه المتعاونون البورميون هذه المخاطر”، هذا بحسب بيان لباتريك بويان الرئيس التنفيذي للشركة صدر في أبريل الماضي.

وقال بويان -في مقال نشرته “لو جورنال ديمانش”- إنه يتعين على الشركة أن تستمر في إنتاج الغاز في ميانمار ودفع الضرائب للمجلس العسكري لحماية الموظفين من العمل القسري والحفاظ على إمدادات الكهرباء، لافتا إلى أن الشركة في أعقاب الانقلاب قررت إلغاء خطط لتطوير حقول غاز قبالة الساحل الغربي لميانمار، كما أوقفت خططا لحفر آبار جديدة، وقررت التبرع بما يعادل الضرائب المستحقة لمنظمات غير حكومية محلية.

بينما تقول “توتال” إنها مستمرة في العمل بميانمار ودفع إيرادات مبيعات الغاز والضرائب للمجلس العسكري، فقط  لضمان سلامة عمالها وحمايتهم من السجن أو العمل القسري ومزيد من التدهور بظروفهم المعيشية ذرا للرماد في العيون، إلا أنها في الحقيقة تبقى كغيرها من الشركات العملاقة ما يهمها هو عدم توقف عجلة الإنتاج لأي سبب وبأي ثمن، أما العمال الذين تقهرهم الحاجة إلى لقمة العيش فيبقى أملهم الوحيد هو نجاح الأحرار منهم في هزيمة آلة القمع الوحشية التي اغتالت أكثر من 80 مدنيا واعتقلت الآلاف منذ فبراير الماضي، وترفض أية وساطات دولية للوصول إلى حلول تضمن تحقيق السلام والاستقرار بالبلاد.

ربما يعجبك أيضا