تثبيت تصنيف مصر الائتماني.. انتصار بوجه «الجائحة»

عاطف عبداللطيف
الاقتصاد المصري

كتب – عاطف عبداللطيف

في خطوة تعزز من الثقة في الاقتصاد المصري، قامت مؤسسة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني، بتثبيت درجة التصنيف السيادي للاقتصاد عند مستوى B/B على المدى الطويل الأجل والقصير الأجل مع الحفاظ على النظرة المستقبلية المستقرة مدعومة بسجل مصر في الإصلاحات الاقتصادية والمالية واستقرار الاقتصاد الكلي الذي أدى إلى تراكم أرصدة احتياطي النقد الأجنبي وارتفاع معدلات النمو في العامين السابقين لجائحة كورونا، وكذلك تحقيق الدولة معدلات نمو إيجابية بالرغم من الجائحة العالمية، ما يجعل السيولة الخارجية لمصر، ووفقًا لمؤسسة ستاندرد آتد بورز في أحدث تقريرها، فإن النظرة المستقبلية المستقرة لمصر تعكس أن الضغوط على مؤشرات الدين الخارجي والحكومي ستكون مؤقتة، وستنخفض تدريجيًا اعتبارًا من بداية العام المقبل 2022، مدعومة بنمو إجمالي الناتج المحلي وإيرادات الحساب الجاري.

ووفقًا لتقديرات مؤسسة «ستاندرد أند بورز» في تقريرها الأخير، يستطيع الاقتصاد المصري تجاوز التداعيات السلبية الناتجة عن الجائحة بسبب تحسن المؤشرات الاقتصادية الرئيسية مثل استقرار أوضاع المالية العامة، ووجود احتياطي نقد أجنبي كبير ومطمئن، إضافة إلى استمرار الحكومة في تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية والهيكلية التي من شأنها تحسين بيئة تشغيل الأعمال وضمان استدامة أوضاع المؤشرات الاقتصادية.

تثبيت التصنيف

الوكالة الدولية أضافت في تقريرها، أن احتياطيات مصر من النقد الأجنبي والنفاذ إلى أسواق الدين المحلية والخارجية، تتيح للحكومة تغطية احتياجات التمويل الخارجي المرتفعة وآجال الاستحقاق القادمة.

وقالت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية إن تثبيت التصنيف السيادي يعد أمرًا مهمًا في ظل الاضطراب الاقتصادي والمالي الذي يعاني منه العالم بسب تفشي وباء كورونا ومرور العالم بالعديد من التغيرات الهيكلية في سلاسل التوريد والإنتاج، كما يمر العالم بأزمة سيولة ستؤثر على قدرة الدول على النفاذ لأسواق المال لتمويل التنمية والنمو المستدام.

وأضافت السعيد أن تثبيت التصنيف السيادي لمصر يؤكد جدارة الاقتصاد وقدرته على الخروج من الأزمة العالمية واستعادة معدلات النمو المرتفعة. وتعد التصنيفات الائتمانية أداة هامة يستخدمها المستثمرون عند اتخاذ قرارات شراء السندات واستثمارات الدخل الثابت الأخرى وتشير إلى الحد الأدنى من العائد الذي يطلبه المستثمرون على الاستثمار في سندات الدولة والذي يجب أن يعكس في جانب كبير منه التصنيف المعطى للمخاطر السيادية للدولة.

ثقة كبيرة

لا شك أن قرار مؤسسة «ستاندرد أند بورز» بالإبقاء على التصنيف الائتماني لمصر للمرة الثالثة على التوالي منذ بداية الجائحة وللمرة الأولى منذ بداية عام ٢٠٢١، يعكس استمرار رصيد الثقة المتولد لدى المحللين بها بسب الإصلاحات الاقتصادية والمالية الكبيرة المنفذة خلال السنوات الماضية، مما أعطى قدرًا كافيًا من المرونة للاقتصاد المصري على تمويل احتياجاته بالعملتين المحلية والأجنبية رغم تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية العالمية مؤخرًا.

وأكد الدكتور محمد معيط وزير المالية المصري، أن قرار مؤسسة «ستاندرد أند بورز» بالإبقاء على التصنيف الائتماني لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية كما هو دون تعديل عند مستوى B مع الإبقاء أيضًا على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصري Stable Outlook للمرة الثالثة على التوالي منذ بداية أزمة كورونا، يعكس استمرار ثقة المؤسسات الدولية ومؤسسات التصنيف الائتماني في صلابة الاقتصاد المصري وقدرته على التعامل الإيجابي المرن مع تداعيات «الجائحة»، مقارنة بالدول ذات التصنيف الائتماني المماثل أو الأعلى، في الوقت الذي تدهورت فيه الأوضاع الاقتصادية بمعظم الدول النظيرة والناشئة.

وقال الوزير المصري، إن القرار يعكس توازن السياسات الاقتصادية والمالية التي تنتهجها الحكومة ووزارة المالية خلال السنوات الماضية وخلال فترة التعامل مع الجائحة؛ مما أسهم في أن يكون الاقتصاد واحد من الاقتصادات المحدودة جدًا على مستوى العالم التي تحقق نموًا وتحسنًا في معدلات البطالة خلال عام ٢٠٢٠، حيث سجل الاقتصاد المصري معدل نمو بلغ ٣,٦٪ خلال العام المالي ٢٠١٩/ ٢٠٢٠ ومن المتوقع أن يحقق ٢,٨٪ خلال العام المالي الحالي، نتيجة المساهمة الإيجابية والمرتفعة لعدة قطاعات وعلى رأسها قطاع تكنولوجيا المعلومات وقطاع الصحة والخدمات الحكومية وقطاع تجارة الجملة والتجزئة وقطاع الزراعة، وقد أسهم الأداء القوي ونمو هذه القطاعات في الحد من التأثير السلبي للجائحة على عدد من القطاعات الاقتصادية مثل قطاع السياحة والطيران والصناعات التحويلية والبترول والثروة المعدنية.

وجدد الوزير تأكيده على مواصلة جهود الضبط المالي واستمرار خفض مسار ومعدلات الدين الحكومي للناتج المحلي، لافتًا إلى أن مؤسسة «ستاندرد أند بورز» تتوقع في تقريرها الأخير مساهمة إيجابية قوية للاستثمارات الحكومية والخاصة بما يُسهم في تحقيق معدلات نمو مستدامة تصل إلى نحو ٥,٣٪ على المدى المتوسط خلال الفترة «٢٠٢٢ – ٢٠٢٤»، إضافة إلى الأثر الإيجابي المتولد من خلال استمرار تحسن مناخ الأعمال بسبب تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية مثل تطبيق قانون الجمارك الجديد الذي من شأنه تعزيز الشفافية وتبسيط ودمج القواعد الجمركية إضافة إلى جهود الحكومة ووزارة المالية في رد الأعباء للمصدرين وإتاحة سيولة إضافية لهم والعمل على وضع سياسات محفزة وداعمة للأنشطة التصديرية.

الاحتياطي النقدي الأجنبي

وفي وقت أشاد فيه تقرير مؤسسة «ستاندرد أند بورز» بوجود قاعدة تمويل محلية واسعة وقوية، ورصيد مطمئن من الاحتياطيات من النقد الأجنبي وهما عناصر تمثل مصدر قوة وصلابة للاقتصاد المصري، يأتي أهم العوامل التي قد تؤدي إلى رفع التصنيف الائتماني لمصر في المدى المتوسط هو مواصلة جهود الضبط المالي واستمرار خفض مسار ومعدلات الدين الحكومي للناتج المحلي مما يُسهم في خفض الاحتياجات التمويلية للاقتصاد المصري وتحقيق معدلات نمو اقتصادية مرتفعة وجيدة.

أوضح أحمد كجوك نائب وزير المالية المصري للسياسات المالية، أن مؤسسة «ستاندرد أند بورز» تتوقع تحسن آفاق نمو الاقتصاد المصري بسبب التزام الحكومة بمسار الإصلاحات الاقتصادية والمالية والهيكلية، كما تتوقع معاودة التحسن التدريجي لمعظم المؤشرات الاقتصادية والمالية في المدى المتوسط ومنها عودة معدلات الدين الحكومي في الانخفاض كنسبة للناتج المحلي وتحسن وانخفاض أعباء فاتورة خدمة الدين بسبب استمرار تحقيق فائض أولي بقيمة ٢٪ من الناتج المحلي خلال السنوات المقبلة نتيجة لجهود وزارة المالية في إطالة عمر الدين ليصل إلى ٣,٢ عام خلال ٢٠٢٠ ونحو ٣,٦ عام بنهاية يونيو ٢٠٢١، على ضوء انخفاض معدلات الفائدة المحلية.

تقييم قوي

ويعد التصنيف الائتماني السيادي الذي تجريه وكالات التصنيف الائتماني الدولية، ومن أهمها مؤسسة ستاندرد آند بورز تقييمًا لقدرة الحكومات على خدمة ديونها في إطار المدى الزمني لتواريخ الاستحقاق المحددة لهذه الديون، أخذًا في الاعتبار طبيعة الشروط المتفق عليها بين الحكومة وبين المقرضين لها عند عقد القرض، وباستخدام مجموعة من المؤشرات الكلية يتم تحويل هذا التقييم في صورة تصنيف محدد للدولة يعكس المخاطر السيادية بالنسبة لها، والذي هو في واقع الأمر تقييم لاحتمال توقف دولة ما عن خدمة دينها، أي أن التصنيف الائتماني السيادي ينصرف إلى قدرة ورغبة الدولة على احترام التزاماتها نحو المقرضين من المصادر المختلفة.

ودائمًا ما يصحب التصنيف الائتماني للدولة ما يسمى النظرة المستقبلة Outlook للتصنيف الائتماني للدولة، الذي يعكس تقييم مؤسسة التصنيف حول وضع التصنيف الممنوح للدولة في المدى المتوسط (بين سنة إلى ثلاث سنوات)، الذي يأخذ بشكل عام إحدى صور ثلاث وهي إيجابي، ويعكس تفاؤل المؤسسة باستمرار احتمالات تحسن أداء الحكومة الائتماني واحتمالات ارتفاع تصنيفها في المستقبل، وسلبي، ويعكس تشاؤم المؤسسة باستمرار احتمال تراجع أداء الحكومة وتراجع التصنيف الممنوح لها في المستقبل، ومستقر، ويعكس ثقة المؤسسة باستمرار التصنيف الحالي للدولة كما هو عبر المدى المتوسط.

ربما يعجبك أيضا