اضطهاد المسيحيين في تركيا.. «العدالة والتنمية» في قفص الاتهام وترقب غربي

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

تواجه تركيا أزمات كبيرة بدءًا بالأزمة الاقتصادية المستعرة ومشاكل سياسية وعسكرية كبيرة بالتورط في الحرب وإنفاق الأموال وملايين الدولارات على المرتزقة والحشد العسكري في ليبيا والعراق وسوريا فضلًا عن سوء العلاقات مع دول أخرى بينها اليونان وقبرص ومصر، وأزمات وسوء علاقات مع الاتحاد الأوروبي ودول غربية، وتبقى أزمة المسيحيين المضطهدين في تركيا كـ”النار تحت الرماد”، إذ تشتعل بين الحين والآخر.

وبخطوات سريعة يتجه الكونجرس الأمريكي نحو إقرار قانون “الحريات الدينية في تركيا والبطريركية المسكونية”، حيث من المُفترض أن يكون مُعدوه قد أنهوا مسودته الأولية، وسيطرحونه للنقاش والإقرار خلال الأسابيع القادمة، مما يدلل على ترقب غربي واسع لانتهاكات حقوقية كبيرة في الأراضي التركية بمباركة الحزب الحاكم بزعامة رجب أردوغان.

وقبل شهرين، سلط التقرير السنوي الأخير، الذي أصدرته جمعية الكنائس البروتستانتية في تركيا “TAK”، الأضواء على أحوال المسيحيين الأتراك من أتباع المذهب البروتستانتي في البلاد. وعدد التقرير أشكال التهميش والتمييز والاضطهاد التي تطال أبناء هذه الطائفة من المواطنين الأتراك، لأسباب سياسية وسلطوية، تتعلق بالسياسات المُتبعة في تركيا.

وكانت تركيا موطناً تاريخياً لأبناء الديانة المسيحية، فقد كان مسيحيو تركيا يقدرون بـ20 بالمئة تقريبًا من سكانها خلال سنوات الحرب العالمية الأولى 2014-2018، لكن المجازر التي طالهم وهجراتهم الجماعية، قلصته نسبتهم لتكون أقل من 0.3 بالمئة من مجموع السكان، حيث يُقدرون بحوالى 200 ألف مسيحي فحسب، يشكل الروم الأرثوذوكس والكاثوليك النسبة الأكبر منهم.

اضطهاد ديني

مطلع شهر مايو الجاري، ندد تقرير أعد بطلب من وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هنت، بممارسات حكومة “العدالة والتنمية” التركية فيما يتعلق بالاضطهاد الديني للمسيحيين، الأمر الذي نجم عنه هجرات جماعية خلال العقدين الماضيين، وبحسب النتائج التي توصل إليها التقرير، فإن الحزب الحاكم في تركيا بزعامة الرئيس رجب أردوغان، عمل على تأجيج التحريض ضد المسيحيين، والعمل على تشويه سمعتهم بطرق ممنهجة.

وأشار هنت إلى أن قضية اضطهاد المسيحيين تأتي على رأس اهتمامات وزارته، مضيفًا: لعبت (اللياقة السياسية) دورًا مهمًا في عدم التطرق لهذه المشكلة، كما أن هناك قلقًا في غير محله بشأن أن يكون الخطاب المرتبط بالمسألة صادرًا من دولة استعمارية سابقة.

واستطرد قائلًا: “علينا أن ندرك أن التقرير الذي أعده أسقف كنيسة تورورو فيليب ماونستيفن، أشار بشكل حاسم إلى أن المسيحيين هم أكثر الجماعات الدينية اضطهادًا”، وفق ما نقلت صحيفة “جارديان” البريطانية.

وتابع: “كنا غافلين عن قضية اضطهاد المسيحيين، وبرأيي فإن تقرير الأسقف إلى جانب الأحداث الدامية التي وقعت مؤخرًا في سريلانكا قد أيقظت الجميع بطريقة صادمة لمعالجة الأمر”.

خطاب الكراهية

التقرير البريطاني سلط الضوء أيضًا على تورط بعض الأنظمة حول العالم في اضطهاد المسيحيين إلى جانب وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي كما تفعل تركيا إذ “يصور حزب العدالة والتنمية” بتركيا المسيحيين على أنهم يمثلون تهديدًا لاستقرار الدولة، وغالبًا ما يتم التعامل مع المسيحيين الأتراك على اعتبار أنهم ليسوا أتراكًا حقيقيين، وإنما كأشخاص متعاونين مع جهات غربية تسعى لزعزعة استقرار البلاد”.

وأضاف: “لقد عرض خطاب الكراهية ضد المسيحيين الذي ينشره زعماء دينيون ووسائل إعلام حكومية، سلامة المسيحيين للخطر، كما زاد من تعصب المجتمعات”. ولفت الوزير البريطاني إلى أن التقرير توصل إلى 3 دوافع وراء اضطهاد المسيحيين تتمثل في فشل النظام السياسي الأمر الذي يخلق أرضية خصبة للتطرف الديني، وصعود اليمين المتطرف كما هي الحال في تركيا، فضلًا عن ضعف نظام المؤسسات وتراجع قيم العدالة وسيادة القانون، مما يجعل الظروف ملائمة أمام المتطرفين.

ويمثل التقرير خطوة أولى لتحديد حجم اضطهاد المسيحيين قبل تقديم آخر في الصيف، يضع الخطوط العريضة لوزارة الخارجية البريطانية لكيفية العمل بغرض زيادة الوعي بالقضية.

تقرير صادم

آخر تقرير لجمعية الكنائس البروتستانتية في تركيا، جاء صادمًا، وأشار التقرير بشكل مفصل إلى آثر جائحة كورونا على أبناء الطائفة، حيث لا تمنح حكومة الرئيس رجب أردوغان تراخيص شرعية واضحة لمواقع إقامتهم لشعائرهم الدينية، مما أربك أبناء ورعاة هذه الطائفة.

وأبناء الطائفة البروتستانتية، حسب التقرير، لا يتمتعون بنفس المزايا والموقع القانوني الذي يشغله أبناء الطوائف المسيحية الأخرى في تركيا، وهذا ما يدفع إلى إيجاد صعوبات تمنعهم من العثور على أماكن ومساحات مناسبة لالتقاء أبناء الطائفة وممارستهم لطقوسهم، ومجموع الأماكن الخاصة بأبناء الطائفة، بما في ذلك الكنائس والجمعيات الخيرية والمؤسسات الثقافية الخاصة بهم، يقل عن 200 موقع، وكلها مستأجرة وغير مملوكة لهذه المؤسسات.

ومسألة عدم القدرة على ملكية الأماكن هي البوابة لصعوبة تشكيل جمعيات “مدنية” خاصة بالطائفة، التي كانت تعاني صعوبة جذرية حتى قبل عام 2020 حسب ما يشرح التقرير، خصوصًا أن حكومة أردوغان غيرت خلال هذا العام اللوائح التنظيمية لتشكيل الجمعيات.

البروتستانت نموذجًا

يعتبر البروتستانت، الذين يشملون عادة مع الأنغليكان في نفس الطائفة، من أصغر الجماعات الدينية في تركيا. وتقول الأرقام الكنسية بأن أعدادهم تبلغ حوالى 9 آلاف مسيحي بروتستانتي، ينتشرون بالذات في المناطق الغربية من البلاد.

ويقر الدستور التركي بحرية الدين للأفراد، لكن ذلك لا يطبق فعليًا إلى بشكل نسبي للغاية، فالمؤسسات ودور العبادة والتنظيمات الجمعية لا تتمتع بذلك، بالذات لأبناء هذه الطائفة. وتعرضت دور للعبادة البروتستانتية لهجوم بالزجاجات الحارقة عام 2006، كذلك راح ثلاثة من البروتستانت ضحايا لهجوم على دار “الكتاب المُقدس” في مدينة ملاطية التركية عام 2007، وحدث ذلك بعد هجمات إعلامية شنها الإعلام التركي على أبناء ومؤسسات تلك الطائفة.

المسيحيون الأتراك عمومًا، والبروتستانت خصوصًا يتعرضون إلى حملات شعبوية للتحذير من خطرهم. إذ صنف مجلس الأمن القومي التركي عام 2001 المبشرين البروتستانت كثالث تهديد للأمن القومي التركي، كذلك كانت القوات المسلحة التركية قد طالبت عام 2004 بقوانين تقيد من النشاطات التبشيرية في البلاد.

التقارير الغربية التي تحدثنا عنها، تشي بالكثير عن ما يحدث في الداخل التركي وما يعانيه المسيحيون من اضطهاد، وقد تشكل ضغطًا إضافيًا على أنقرة، سواء من قِبل أمريكا، حيث تصدر وزارة الخارجية الأمريكية تقريرًا سنويًا حول الحريات الدينية في العالم، كذلك سيكون بمثابة عائق مضاف في ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

ربما يعجبك أيضا