جفاف نهري «دجلة والفرات».. كارثة تهدد حياة الملايين

سهام عيد

كتبت – سهام عيد

في ضوء الانتهاكات التركية الصارخة لحجب مياه نهر الفرات أكبر أنهار سوريا والتي تسببت في تراجع منسوب تدفق المياه فيه إلى أقل من النصف، وأدت إلى حرمان دولتي المصب سوريا والعراق من الواردات المائية لنهري دجلة والفرات، تتكاتف كل من سوريا والعراق للتواصل مع الدول الصديقة والمنظمات الدولية للضغط على النظام التركي للتراجع عن إجراءاته المضرة بالبلدين، فضلًا عن قيام العراق بالتحرك على عدة مستويات للعمل على زيادة الاطلاقات المائية في النهرين.

وبحث وزير الموارد المائية الدكتور تمام رعد مع نظيره العراقي المهندس مهدي رشيد الحمداني المستجدات المتعلقة بإجراءات النظام التركي، اليوم الثلاثاء، الجهود المشتركة للضغط على النظام التركي لوقف إجراءاته على النهرين حيث بين الوزير العراقي حجم المعاناة التي يواجهها الشعب العراقي بسبب شح الواردات المائية في نهري الفرات ودجلة بسبب الإجراءات التركية خلال الفترة الماضية لافتاً إلى قيام العراق بالتحرك على عدة مستويات للعمل على زيادة الاطلاقات المائية في النهرين.

من جهته، عرض الوزير رعد الجهود التي تقوم بها الحكومة السورية من خلال التواصل مع الدول الصديقة والمنظمات الدولية للضغط على النظام التركي للتراجع عن إجراءاته المضرة بالبلدين الشقيقين سوريا والعراق مؤكداً أهمية تضافر جهودهما في هذا المجال.

وأكد الجانبان عمق العلاقات الثنائية وضرورة تعزيزها واتفقا على رفع مستوى التنسيق وتبادل المعلومات الفنية بما يخدم البلدين وعقد اجتماع لاحق لمتابعة التطورات الخاصة بالموقف المائي.

نهر الفرات وانخفاض غير مسبوق في منسوب تدفقه

عقب تداول نشطاء صورًا مأساوية وحزينة لحال نهر الفرات، بعد أن تراجع منسوب تدفق المياه فيه إلى أقل من النصف، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان في الرابع من الشهر الجاري إن منسوب نهر الفرات انخفض بمعدل خمسة أمتار لأول مرة في التاريخ بسبب حجب الجانب التركي لمياه النهر بحيث بات لا يتجاوز 200 متر مكعب في الثانية، وهو ما يشكل انتهاكًا صارخاً للاتفاقية الموقعة بين سوريا وتركيا عام 1987؛ حيث التزمت تركيا بإطلاق 500 متر مكعب في الثانية على الأقل يتقاسمها العراق وسوريا.

وحذر المرصد السوري من كارثة وشيكة تهدد حياة وسبل معيشة أكثر من ثلاثة ملايين سوري يعتمدون على النهر في تأمين مياه الشرب والكهرباء والري.

وينبع «الفرات» من تركيا ويعبر الأراضي السورية ليجري في الأراضي العراقية حيث يلتقي في جنوبها مع نهر دجلة، ليشكلا شط العرب.

وبعد دخوله سوريا عند مدينة جرابلس بريف حلب يمر النهر في محافظة الرقة وبعدها بدير الزور ثم يخرج من الأراضي السورية عند مدينة البوكمال ليدخل العراق عند مدينة القائم في الأنبار.

بعد ذلك يدخل النهر في محافظتي بابل وكربلاء ثم إلى النجف والديوانية فالمثنى ثم ذي قار ليدخل بعدها منطقة الأهوار جنوب العراق، وفي الجنوب يتحد معه نهر دجلة فيشكلان شط العرب الذي تجري مياهه مسافة 120 كيلومترا جنوبا لتصب في الخليج.

يذكر أن سوريا وقعت اتفاقية مع العراق «دولة المصب» عام 1989 ونصت بأن تكون حصة الأخيرة الممررة لها عند الحدود السورية العراقية 58 بالمئة من مياه الفرات مقابل 42 بالمئة لسوريا من أجمالي الكمية التي تردها من تركيا، وفقا لموقع بي بي سي عربي.

لكن مع تراجع كمية المياة المتدفقة إلى سوريا قالت «الإدارة الذاتية» التي تحكم مناطق شمال وشرق سوريا أنها خفضت حصة الجانب العراقي.

سد الفرات

سد الفرات

وتراجع الوارد المائي خلال الأشهر الماضية أدى إلى تراجع مخزون المياه في بحيرتي سدي تشرين والفرات بسبب تشغيل عنفات (توربينات) توليد الكهرباء على السدين.

وأخرج هذا الإنخفاض الشديد مؤخراً في مياه بحيرتي السدين معظم عنفات توليد الكهرباء المقامة على السدين من الخدمة، بسبب عدم توفر المياه.

واضطرت الإدارة الذاتية التي يُهيمن عليها الأكراد إلى تقنين الكهرباء لساعات طويلة.

وتعتمد محافظات الحسكة والرقة ودير الزور على الطاقة الكهربائية الواردة من السدين.

ونقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مدير السدود في الإدارة الذاتية محمد طربوش قوله إن منسوب التخزين الاسمي لبحيرة سد الفرات الواقعة في بلدة الطبقة غرب محافظة الرقة هو 304 أمتار عن سطح البحر واليوم المنسوب هو 298.85 مترا، ومن واقع الأرقام نشاهد انخفاضاً في المنسوب يتعدى 5 أمتار شاقولية، بينما يبلغ في بحيرة سد تشرين مستوى التخزين الاسمي 325 متراً عن سطح البحر لكنه اليوم انخفض إلى 321 مترا وهذا يعني انخفاض البحيرة 4 أمتار شاقولية.

وأكد أن «اقتراب كلتا البحيرتين من المنسوب الميت والذي يعني إيقاف التشغيل للسدود بشكل تام للحفاظ على ما تبقى من مياه للشرب أولا وللري ثانياً، تسبب بتوقف توليد الطاقة الكهربائية من السدود».

وتراجع منسوب المياه في نهر الفرات أدى إلى خروج مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية عن الخدمة مما يهدد سبل معيشة نسبة كبيرة من أبناء شمالي وشرقي سوريا الذين يعتمدون على الزراعة.

وتوقف العديد من محطات ضخ المياه الخاصة بالشرب أو الري في العديد من المناطق بسبب ابتعاد مجرى النهر عنها.

وقد عمد العديد من البلدات إلى محاولة رفع منسوب المياه عبر ردم مجرى النهر بكتل أسمنية كبيرة، كي تصل المياه إلى المضخات التي تغذي البلدات والمدن الواقعة على ضفاف النهر.

يُذكر أن تركيا أقامت 5 سدود عملاقة على نهر الفرات في إطار مشروع الغاب الذي بدأت العمل فيه في سبعينيات القرن الماضي وما زال العمل جار في سدين أخرين.

وأدت المشاريع التركية إلى تراجع حصة العراق من النهرين بنسبة 80 في المئة حتى قبل الأزمة الحالية بينما حصة سوريا انخفضت بنسبة 40 في المئة.

وحسب القانون الدولي فإن نهر الفرات هو نهر دولي لأنه يعبر عدة دول.

في سنة 1987، تم إبرام اتفاق مؤقت بين تركيا وسوريا يقضي بأن تحصل سوريا على ما لا يقل عن 500 متر مكعب في الثانية.

وصمد هذا الاتفاق على أرض الواقع حتى عام 2012 عندما فقدت حكومة الأسد السيطرة على شمال شرق البلاد حيث أصبح انقطاع المياه على الضفة السورية من نهر الفرات أكثر تواترا.

وبعد استعادة “قوات سوريا الديمقراطية” السيطرة على المنطقة من تنظيم داعش 2017، تراجع مستوى تدفق المياه من تركيا الى سد تشرين من 690 متر مكعب في الثانية في بداية عام 2020 إلى 226 متراً مكعباً في شهر ديسمبر، حسب تقرير لمقاطعة الجزيرة التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.

وتواجه سوريا أزمة مياه أكثر حدة من العراق وتركيا، فقد دمر الجفاف الذي بدأ في عام عام 2006 الزراعة في سوريا وأجبر أعداداً كبيرة من أبناء الريف على النزوح إلى المدن.

وقد ربط بعض الباحثين ذلك بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي أدت لاحقا إلى الحرب الأهلية في سوريا.

وبحلول عام 2011 وصل إجمالي استهلاك المياه السنوي في سوريا كنسبة مئوية من وارداتها من المياه المتجددة الداخلية إلى 160 في المئة مقارنة بـ 80 في المئة في العراق و20 في المئة في تركيا، حسب تقديرات الخبراء.

ربما يعجبك أيضا