مؤتمر باريس.. خطوة دولية لكسر عزلة السودان ودعم اقتصاده

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تستضيف العاصمة الفرنسية باريس، اليوم الإثنين، مؤتمرا دوليا لدعم السودان يستمر لمدة يومين، برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبمشاركة نحو 40 دولة وجهة مانحة، في خطوة تعيد السودان إلى دائرة الاهتمام الدولي بعد قرابة 30 عاما من العزلة بسبب سياسات نظام البشير، وينتظر أن تسهم في تخفيض سقف ديونه الخارجية الذي يتجاوز الـ56 مليار دولار، كما يهدف المؤتمر إلى تسليط الضوء على الفرص الاستثمارية التي يمتلكها السودان في مجالات عدة أبرزها الزراعة والطاقة والتعدين.

مؤتمر باريس وإنهاء عزلة الاقتصاد السوداني  

السودان لا يريد من هذا المؤتمر المزيد من المنح بقدر ما يريد تعهدات بسداد متأخراته لدى صندوق النقد الدولي، واستثمارات تسهم في إنقاذ اقتصاده من أزمة محتدمة دفعت معدلات التضخم إلى ارتفاع قياسي بنحو 300%، ويبدو أن هذا المسعى سيتحقق، لاسيما وسط تعهدات فرنسية وعربية بمساعدة سخية للسودان بعد رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب في 2020 ونجاح الحكومة الانتقالية في إبرام اتفاق جوبا للسلام مع الحركات المسلحة.

طوال السنوات الماضية تراكمت على السودان متأخرات ضخمة نتيجة تعثره في سداد ديونه الخارجية المستحقة، البالغة نحو 56 مليار دولار، غالبيتها فوائد وغرامات تأخير إذ يتراوح أصل الدين ما بين 17 و20 مليار دولار، والتي تمثل 150% من ناتجه المحلي وعشرة أضعاف حجم صادراته، لكنه بموجب مبادرة صندوق النقد والبنك الدولي للبلدان الفقيرة المثقلة بالديون بات مؤهلا اعتبارا من نهاية مارس الماضي لتخفيف هذه المتأخرات والأعباء بنسبة تتراوح بين 30إلى 50% والاستفادة بقروض جديدة أرخص “بفوائد أقل” من الجهات الدائنة، ما يجعله مستقبلا أكثر قدرة على الوفاء بالتزاماته المالية حيال الدائنين.

وبفضل القروض المؤقتة “التجسيرية” من بلدان مثل أمريكا وبريطانيا والسويد، تمكن السودان خلال الفترة الأخيرة من تسوية ديونه لدى البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، مما أتاح له الوصول إلى قروض تمويلية بنحو ملياري دولار، وأكثر من 200 مليون دولار على هيئة منح من بنك التنمية الآسيوي بمساعدة من فرنسا.

ويتوقع أن يعلن في مؤتمر باريس اليوم، عن خفض لمتأخرات السودان لدى صندوق النقد “1.3 مليار دولار” الذي وافق الأسبوع الماضي على خطة تمويل للمساعدة في حشد الموارد اللازمة لتغطية حصته من الإعفاء من ديون السودان، كما يتوقع أن يجمع المؤتمر نحو 1.4 مليار دولار أو أكثر لسداد هذه الديون.

في وقت سابق، قالت وزيرة الخارجية السودانية الدكتورة مريم الصادق إن المؤتمر سيسهم في تقديم السودان للمجتمع الدولي بشكل جديد، ونتوقع أن يسهم في إعفاء جزء كبير من ديون السودان لدى صندوق النقد، وكذلك يفتح بابا للتعامل مع مؤسسات التمويل العالمية.

وقال رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك -في تصريحات صحفية قبل يومين- إن مؤتمر باريس يهدف لتأكيد عودة السودان القوية والمستحقة إلى المجتمع الدولي، مضيفا نحن ذاهبون إلى باريس لكي نعرض على المستثمرين الأجانب فرص الاستثمار في بلادنا، وقبل ذهابنا توافقنا على معالجة ديون البنك الدولي وديون بنك التنمية الإفريقي وفي باريس سنتوافق على معالجة ديون صندوق النقد وبالتالي سنبدأ عملية إعفاء الديون لأن السودان وبشهادة الصندوق سيكون تأهل تماماً ليستفيد من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون.

مطلع الشهر الجاري كشف وزير الاستثمار السوداني الهادي محمد إبراهيم عن قائمة مشروعات أعدتها الحكومة السودانية للعرض على المستثمرين في مؤتمر باريس، وتشمل القائمة 18 مشروعا باستثمارات تتجاوز الـ15 مليار دولار في مجالات عدة أبرزها الطاقة والزراعة والبنى التحتية والموانئ، مؤكدا أن السودان لن يتسول في مؤتمر باريس، إنما سيذهب لعرض فرص استثمار حقيقية.

تعهدات مسبقة بمساعدة السودان

التعهدات الدولية بمساعدة السودان بدأت قبيل انطلاق فعاليات المؤتمر بشكل رسمي، ففي صباح اليوم نقلت “رويترز” عن مسؤول سعودي مشارك في محادثات إعادة هيكلة الديون الخاصة بالسودان، قوله: إن السعودية ستضغط على دائني الخرطوم للتوصل إلى اتفاق واسع لخفض تراكم ديونها البالغة نحو 50 مليار دولار، مضيفا: “التأجيل وحده لن يساعد، يجب البحث عن أصدقاء مثل السعودية وآخرين لتقديم إعفاءات من الديون.. سندعم أي جهود تبذل في المجتمع الدولي لتوفير ذلك”.

وسبق وأن تعهدت السعودية باستثمار 3 مليارات دولار في السودان، ومن المرجح أنها ستعيد التأكيد على هذه التعهدات اليوم أمام مؤتمر باريس.

وتعد السعودية ثالث أكبر دائني السودان، بحوالي 4.6 مليار دولار، بعد الكويت وفرنسا، وقد أعلنت الأخيرة هذا الصباح أيضا عن تقديم قرض بـ1.5 مليار دولار للمساهمة في تسديد متأخراته لدى صندوق النقد، وفي حال نجح مؤتمر باريس في إغلاق ملف ديون السودان لدى صندوق النقد وغيره من المؤسسات المالية الدولية، بمساعدة دول على رأسها فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، فسيكون هناك مجال أفضل للحديث عن جدولة دوينه الثنائية المستحقة.

وقال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير لوسائل الإعلام: إن فرنسا ستساعد السودان المثقل بالديون في تسديد متأخراته من الديون لصندوق النقد من خلال إقراضه 1.5 مليار دولار، مضيفا سنعمل من أجل تخفيف عبء الدين عن السودان في أقرب وقت ممكن.

وقالت هوا تشون ينغ المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية – قبيل انطلاق المؤتمر، اليوم- إن الصين -وهي إحدى الدائنين الرئيسيين للخرطوم- خفضت بعض ديون السودان المستحقة وألغت البعض الأخر، وستشجع المجتمع الدولي على التعاطي بنفس النهج من أجل دعم البلد الأفريقي المثقل بالديون.

مؤتمر باريس بالإضافة إلى قمة دعم الانتقال الديمقراطي في السودان التي ستعقد اليوم أيضا في العاصمة الفرنسية، يأتيان تنفيذا لوعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لرئيس الوزراء السوداني أثناء زيارته إلى باريس في 30 سبتمبر 2020، بتوفير دعم دولي لعملية الانتقال الديمقراطي في السودان.

السودان ينفتح على العالم

خلال افتتاح مؤتمر باريس، أكد حمدوك أن السودان بلد غني ولا يريد صدقات من العالم بل يريد استثمارات، موضحا أن حكومته ورثت جبلاً من الديون يقدَّر بـ 60 مليار دولار، لكنها تسعى لدفع عجلة الاقتصاد وجذب المزيد من الاستثمارات اعتمادا على ما يملكه السودان من فرص في قطاعات مهمة مثل الثروة المعدنية والطاقة المتجددة وغير المتجددة والزراعة.

الحكومة السودانية في إطار الإعداد للمؤتمر أعدت خطة تنمية تتضمن 18 مشروعا لعرضها على المستثمرين الدوليين، من بينها مشروعات في قطاع التعدين بنحو 700 مليون دولار ومشروعات في قطاع الطاقة تتجاوز الـ1.5 مليار دولار ومشروعات لتطوير البنية التحتية بقيمة تتجاوز الـ4.5 مليار دولار، كما قامت باتخاذ عدة خطوات لإصلاح الاقتصاد لتأكيد التزامها باشتراطات صندوق النقد، كان أبرازها توحيد سعر الصرف “تعويم الجنيه السوداني” مطلع العام الجاري.

وخلال الشهور الماضية أقرت الحكومة عددا من القوانين لتشجيع الاستثمار الأجنبي كان أبرزها قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الذي يسمح بدخول القطاع الخاص المحلي والأجنبي كشركاء في مشاريع القطاع الحكومي.

كما اتخذت الحكومة خطوات لإصلاح الميزانية العامة وتخفيض الدعم السلعي، بالتوازي مع إعداد استراتيجية للحد من الفقر -والتي يجري إعدادها كجزء من مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون- تهدف إلى زيادة الإنفاق على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة وتوجيه الدعم إلى الفئات الأكثر احتياجا.

سيكون الطريق طويلا وصعبا أمام حكومة حمدوك والمجلس الانتقالي لتحقيق التوازن بين ما يريده صندوق النقد والمانحين والمستثمرين من جهة وما يريده الشارع السوداني من جهة أخرى، لكن لا شك أن مؤتمر باريس سيكون فرصة جيدة لتقديم السودان وما يملكه من فرص استثمار لدول العالم، وفي حال نجح في تسوية جانب كبير من ديونه وجذب اهتمام المستثمرين ستكون الفرصة سانحة لهذه الحكومة لإنجاح خطة الإصلاح الاقتصادي وتغير قواعد اللعبة لصالح البلد الأفريقي المتطلع إلى عهد جديد من الديمقراطية.. فالهدف من المؤتمر هو  تخفيف أعباء الديون وليس إلغاء كامل لها، والوصول بالسودان إلى مستوى يكون قادرا على الوفاء بالتزاماته المالية وتأكيد عودته إلى المجتمع التمويلي الدولي كدولة ليست فاشلة ماليا أو متعثرة بما يفتح له آفاق أرحب للاستفادة من التمويل الميسر والمنح وجذب الاستثمارات الأجنبية.

ربما يعجبك أيضا