ما آلت إليه المفاوضات النووية.. لقد عاد المفاوضون للتشاور حول القرار الأخير

يوسف بنده

رؤية

يسعى الرئيس الأمريكي الديموقراطي، جو بايدن إلى إعادة العمل بالقيود النووية الواردة في الاتفاق وتمديدها إن أمكن، وفي الوقت نفسه التصدي لما وصفه بأنشطة إيرانية أخرى مزعزعة للاستقرار.

وتسير إدارة بايدن بخطوات وئيدة عبر حقل ألغام زرعها سلفه دونالد ترامب، وذلك في إطار بحثها عن طريق يعيدها إلى الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015.

وتعتبر طهران أن الخلافات ما زالت قائمة مع الولايات المتحدة الأمريكية في المباحثات الجارية لإنقاذ اتفاق عام 2015 بشأن البرنامج النووي الإيراني. 

عادوا للتشاور

في إشارة إلى خفض الخلافات في المحادثات، قال مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية عباس عراقتشي: هناك بعض القضايا الرئيسية التي تحتاج الى حل والآن حان الوقت لعودة الوفود إلى عواصمها لإجراء مشاورات نهائية وبعد ذلك سنواصل المحادثات.

وأضاف عراقتشي رئيس الوفد الإيراني المفاوض في فيينا، بشأن آخر تطورات المحادثات: بعد أسبوعين من المفاوضات، سنعقد اجتماعا لإجراء المشاورات النهائية بشان حصيلة المحادثات.

وتابع كبير المفاوضين الإيرانيين في محادثات فيينا: لقد تم إحراز تقدم جيد خلال الأسبوعين الماضيين، وفي الجولة الرابعة من المحادثات، موضحا أن هناك بعض القضايا الرئيسية التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة واتخاذ القرار في العواصم، معربًا عن الأمل في أن يجري خلال الأيام القليلة القادمة بحث الحصيلة النهائية للمفاوضات.

وأشار عراقجي إلى أن محادثات واجتماعات مكثفة جرت على كافة المستويات بين الوفود المشاركة موضحا: إننا سعينا للتوصل إلى حصيلة بشأن المواضيع المختلف عليها وبالتالي بتنا في وضع نمتلك فيه حصيلة جامعة.

وأضاف عراقتشي: هناك بعض القضايا الرئيسية التي لابد من حلها، أما بقية الموارد فقد تم الاتفاق بشأنها، كما تم تدقيق النصوص بشكل جيد وحان الوقت لعودة الوفود إلى بلدانها للتشاور النهائي ثم استئناف المفاوضات.

وقد ذكرت صحيفة “اعتماد” الإيرانية، في تقرير لها أن المفاوضات النووية تسير بشكل مطلوب وإن التطورات في هذا الخصوص إيجابية، مضيفة أن المراجعة التي يقوم بها ممثلو كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية إلى عاصمتي بلديهما، هي من أجل الحصول على موافقة لتقديم بعض التنازلات أو تعدي الخطوط الحمراء المرسومة سابقا.

ونوهت الصحيفة إلى أن التطورات الأخيرة في فلسطين لم تؤثر على مسار المفاوضات، إلا إلغاء زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى فيينا بسب دعم وحماية النمسا لإسرائيل، مقررة أن هذا الإلغاء للزيارة لم يكن له تأثير على استمرارية المفاوضات.

كما أشارت الصحيفة إلى قرب انتهاء المهلة التي حددتها إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ودعت الصحيفةُ القيادة الإيرانية إلى تمديد هذه المهلة مرة أخرى، وإعطاء فرصة جديدة للدبلوماسية لكي لا يتحول هذا الموضوع إلى عامل لتخريب مسار رفع العقوبات عن طهران.

حقل ألغام

يوضح حصر أجرته وكالة رويترز لقرارات وزارة الخزانة الأمريكية أن هذه الألغام ليست سوى عقوبات فرضها ترامب على أكثر من 700 جهة وفرد بعد انسحابه من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات التي رفعت بمقتضاه عن إيران.

ومن هذه الألغام القائمة السوداء التي أدرج فيها ترامب حوالي 24 مؤسسة حيوية في الاقتصاد الإيراني ومنها البنك المركزي وشركة النفط الوطنية مُستغلا قوانين أميركية ترمي لمعاقبة أي أطراف أجنبية على دعم الإرهاب أو نشر السلاح.

ويُعد رفع الكثير من هذه العقوبات أمرا حتميا إذا كان لإيران أن تصدر نفطها وهو ما سيمثل أكبر استفادة تحصل عليها طهران من الالتزام بالاتفاق النووي وتقييد برنامجها النووي.

غير أن إسقاط هذه العقوبات من شأنه أن يجعل الرئيس بايدن عرضة لاتهامات بالتساهل مع الإرهاب وهو ثمن سياسي ربما لا يتمكن من تفاديه إذا كان للاتفاق النووي إن يصبح ساري المفعول من جديد.

وأثار هذا الاحتمال بالفعل انتقادات شديدة من الجمهوريين. فقد قال مايك بومبيو وزير الخارجية السابق في إدارة ترامب الشهر الماضي خلال الترويج لتشريع من شأنه أن يجعل من الصعب على بايدن رفع العقوبات السارية على إيران “هذا غير أخلاقي”.

ووصف جون سميث مدير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة من 2015 إلى 2018 موجة العقوبات التي فرضها ترامب على إيران بأنها “غير مسبوقة من حيث المدى في التاريخ الأمريكي الحديث”.

وقال سميث الشريك الآن في شركة موريسون آند فورستر للاستشارات القانونية إن استهداف المؤسسات الإيرانية لدعمها للإرهاب أو بسبب صلات تربطها بالحرس الثوري الإيراني جعل إحياء الاتفاق النووي أصعب كثيرا.

وتابع “إضافة الإرهاب العالمي والحرس الثوري وانتهاكات حقوق الإنسان إلى أيّ قائمة تجعل رفع تلك الأسماء من القائمة شديد الصعوبة سياسيا بدرجة لا تصدق. بإمكانك أن تفعل ذلك لكن رد الفعل الذي قد تواجهه سيكون أكبر كثيرا”.

وأوضح مسؤول أمريكي بأن هذا الحصر للعقوبات التي فرضها ترامب قريب من الحصر الذي أجرته إدارة بايدن رغم أن اختلاف التقديرات فيما يجب إدراجه قد يؤدي إلى اختلاف العدد الإجمالي قليلا.

لا تنازل عن الرفع الكامل

وقد قال أكثر من 200 عضو في البرلمان الإيراني، في بيان بشأن محادثات فيينا، إنهم لن يقبلوا اتفاقًا “يحافظ على جزء من الضغط الاقتصادي ويمنع أو يعطل الفوائد الاقتصادية”.

وبحسب وكالة “إيسنا”، جاء في بيان هؤلاء البرلمانيين، أمس الثلاثاء 18 مايو/أيار: “إذا لم ترفع العقوبات بنسبة 100 بالمائة فينبغي أن لا يرفع أي منها، والقبول ببعضها سيؤكد شرعية تلك العقوبات”.

ووفقا لما تعتقد هذه المجموعة من البرلمانيين، فإن اجتماعات فيينا تظهر أن “الولايات المتحدة وأوروبا ليس لديهما إرادة جادة لرفع جميع العقوبات، وإنهما يسعيان أيضًا إلى فرض اتفاق على إيران يتضمن المزيد من القيود على الأنشطة النووية ويمهد الطريق للمحادثات الإقليمية والأمنية”.

وفي وقت سابق، قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس ردًا على دعوة إيران برفع جميع العقوبات المفروضة على إيران: “لم يرد في نص الاتفاق أن الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى في العالم لا يمكنها محاسبة إيران على سلوكها ونفوذها المدمرين”.

كما أشار البيان الصادر عن أكثر من 200 عضو في البرلمان الإيراني إلى قانون البرلمان بشأن برنامج إيران النووي المسمى “العمل الاستراتيجي لرفع العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية”، مضيفًا أن هذا القانون “لعب دورا هاما في عملية التفاوض لرفع العقوبات”.

وطالب الموقعون على البيان بتنفيذ باقي أحكام هذا القانون ودعوا الحكومة الإيرانية إلى عدم قبول “طلب وكالة الطاقة الذرية في المراقبة الإضافية”.

تعتيم على المفاوضات

لم تلتزم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، منذ انطلاق المحادثات النووية في فيينا بين الإيرانيين والقوى العالمية، الشفافيةَ بشأن سير المفاوضات؛ فبينما يقول الروس والإيرانيون منذ أسابيع إنهم يحرزون تقدما صوب التوصل إلى اتفاق واصلت إدارة بايدن التهوين من إمكانية التوصل إلى اتفاق داخل الولايات المتحدة وأمام الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط، في مقدمتهم إسرائيل والسعودية.

وحسب تحليل معهد “جيتستون”؛ يهدف التعتيم الإخباري من قبل واشنطن بشأن المفاوضات مع إيران إلى إبقاء حلفاء الولايات المتحدة دون علم للحيلولة دون إثارة غضب من شأنه تعطيل جهود الإدارة لإحياء الاتفاق النووي.

وكان الرئيس بايدن قال في وقت سابق إنه سيرفع العقوبات عن إيران بهدف التوصل إلى اتفاق نووي جديد، وإنه سوف يعمل مع حلفاء أميركا من أجل تحقيق هذا الهدف. ولكن يبدو أنه يعتزم رفع العقوبات من أجل إحياء اتفاق 2015. وعلاوة على ذلك يبدو أنه لم يتم إطلاع حلفاء واشنطن، مثل إسرائيل أو القوى الإقليمية الأخرى، على سير المفاوضات.

ورغم أن بايدن أشار إلى أنه يريد اتفاقا أكثر قوة وأطول أمدا من الاتفاق النووي السابق، فإنه من المرجح أن يكون الاتفاق الجديد هو نفسه القديم.

ويكشف التوصل إلى اتفاق في مثل هذا الإطار الزمني القصير عن عدم إدخال قضايا جديدة إلى المفاوضات. وبالإضافة إلى ذلك كانت السلطات الإيرانية واضحة بشأن عدم قبولها اتفاقا مختلفا، والذي قد يتضمن قيودا على برنامج الصواريخ الباليستية، أو ربما يتطرق إلى سياسة إيران الخارجية المتشددة في الشرق الأوسط.

ومن المرجح بقوة أن يتضمن الاتفاق الجديد بين إيران والقوى العالمية “شروط الانقضاء” التي تحدد موعدا لإنهاء تقييد البرنامج النووي الإيراني، والذي تصبح لقادة إيران بعده حرية تشغيل أجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم بأي مستوى يرغبون فيه.

كما أن هذا الاتفاق المحتمل قد يعفي المواقع العسكرية الإيرانية من عمليات التفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإلى جانب ذلك سوف يساعد إحياء اتفاق 2015 النظام الإيراني على العودة إلى النظام المالي العالمي وتحقيق المزيد من الشرعية، بالإضافة إلى تدفق مليارات الدولارات على خزائن النظام والميليشيات التابعة له.

ربما يعجبك أيضا