بمقترح أمريكي.. الشركات متعددة الجنسيات في مرمى ضرائب عالمية جديدة

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

نهاية الأسبوع الماضي، كشفت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن مقترح تم رفعه إلى الشركاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يتعلق بتوحيد وتحديد نسبة الضرائب على أرباح الشركات متعددة الجنسيات بـ15% كحد أدنى، وهو ما اعتبرته الدول الأوروبية تقدما كبيرا باتجاه صفقة شاملة تتعلق بمقدار ما تدفعه هذه الشركات من ضرائب للحكومات بغض النظر عن مقرها الضريبي.

ترحيب واسع بالمقترح الأمريكي

 خلال اجتماع لوزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي في لشبونة، السبت الماضي، قال وزير المالية الألماني أولاف شولتس: واشنطن لأول مرة تقترح رسميا نسبة محددة للحد الأدنى للضرائب على الشركات متعددة الجنسيات، وهذا يعد تقدما كبيرا.

وأضاف: ستكون لدينا فرصة حقيقية خلال الصيف للتوصل لصفقة، والاتفاق الذي كنا نعمل لأجله داخل منظمة التعاون الاقتصادي ومجموعة العشرين منذ فترة طويلة.

من جانبه قال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير: إن المسألة الرئيسية ليست معدل الضريبة، حتى نسبة 15% أو أعلى قليلا  يمكن أن تكون حلا وسطا جيدا بين جميع أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن المسألة الرئيسية تبقى هي تحديد إطار عالمي للضرائب على الشركات الرقمية تحديدا ووضع حد أدنى  لهذه الضرائب والتوصل إلى حل وسط سياسي في موعد لا يتجاوز قمة مجموعة العشرين مطلع يوليو في إيطاليا.

وفي طوكيو، قال وزير المالية الياباني تارو آسو -في تصريح صحفي- إن الاقتراح الأمريكي يمثل تقدما كبيرا، ونتوقع تحركاً نحو صفقة مبدائية تنهي الجدل بشأن ضرائب الشركات متعددة الجنسيات بما فيها الشركات الرقمية، في الاجتماع الصيفي لمجموعة العشرين، لكن الصفقة النهائية قد يتم التوصل إليها في وقت لاحق من 2021.

تريد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم نحو 36 دولة، الحصول على اتفاق عالمي مبدئي يوحد الحد الأدنى للضرائب التي تفرضها الحكومات على الشركات متعددة الجنسيات، وذلك في اجتماع مجموعة العشرين لوزراء المالية المقرر في 9 و10 يوليو المقبل، ثم الوصول إلى اتفاق نهائي  في اجتماع أكتوبر.

خلال العام الماضي، قدرت المنظمة أن وضع حد أدنى لضرائب الشركات العملاقة عالميا يقدر بنحو 12.5%، سيعزز إيرادات الحكومات بنحو 100 مليار دولار سنويا تقريبا، وهو رقم سيرتفع في حال إقرار معدل أعلى للضرائب.

من أجل الحد من المنافسة الضريبية وتمويل خطط التعافي

ترى وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، إن وضع حد أدنى عالمي لمعدل الضريبة على الشركات متعددة الجنسيات، بغض النظر عن مقارها من شأنه الحد من المنافسة الراهنة بين الدول لتخفيض الضرائب من أجل جذب استثمارات أجنبية أكبر، فيما يشبه “سباق نحو القاع” لإغراء الشركات بنقل مقارها إليها مقابل ضرائب أقل.

وتقول -في تصريحات نقلتها صحيفة نيويورك تايمز- معاً نستطيع استخدام حد أدنى عالمي للضرائب، للتأكد من أن الاقتصاد العالمي يزدهر على أساس تحقيق قدر أكبر من المساواة عند فرض الضرائب على هذه الشركات، وأيضا التأكد من أن الحكومات تمتلك أنظمة ضريبية مستقرة توفر عائدات كافية للاستثمار في السلع العامة الأساسية والاستجابة للأزمات.

باسكال سانت أمان مدير مركز منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للسياسة والإدارة الضريبية قال مطلع هذا الشهر، أنه يأمل في أن تتوصل دول المنظمة إلى اتفاق بشأن الحد الأدنى لمعدل الضرائب على الشركات العملاقة بنسبة قريبة من 21%، لوضع حد للمنافسة الضريبية بين الدول.

 منذ سنوات ودول المنظمة تحاول الوصول إلى اتفاقيات لتحقيق هذا الهدف الذي أشارت إليه يلين وتحدث عنه سانت أمان، إذ تحترف الشركات العملاقة جني الأرباح سواء في الملاذات الضريبية أو الدول ذات معدل الضريبة المنخفض، وتتجنب دفع مساهماتها الضريبية في بلدان أخرى حتى لو كانت بلدان المنشأ أو المقر، على سبيل المثال سبق وأن أشار بايدن إلى أن أكثر من 50 شركة أمريكية كبرى لم تدفع أي ضرائب على الإطلاق على مدار 3 سنوات أو أكثر.  

مجموعة العشرين أيضا تسعى إلى تحقيق الهدف نفسه، وسبق أن أكدت في نهاية 2019 على ضرورة بناء نظام ضريبي دولي عادل ومستدام يعزز النمو الاقتصادي، عبر تسريع الجهود الرامية إلى جمع الضرائب من شركات التكنولوجيا متعددة الجنسيات بشكل أكثر فاعلية وعدالة، استنادا إلى الأماكن التي يحققون فيها مبيعات وليس فقط أماكن تواجد الفروع الرئيسية، كما يحدث حاليا، إذ تتفق غالبية الدول على أن هذه الشركات لا تدفع نصيبها العادل من الضرائب.

بالطبع من المهم للدول الآن ليس فقط وضع حد لممارسات الشركات العملاقة وتحديدا شركات التكنولوجيا التي حققت مكاسب فلكية جراء جائحة كورونا، لكن أيضا إيجاد حلول لتمويل ميزانياتها لا سيما وسط الحاجة إلى مزيد من الأموال لتمويل خطط التعافي في فترة ما بعد الجائحة والحد من أزمة الديون التي باتت تضر بأكبر الاقتصادات وتشكل عبئا عليها، في أمريكا على سبيل المثال، تسعى إدارة بايدن حاليا إلى تمرير خطة في الكونجرس بقيمة 2 تريليون دولار لتطوير البنية التحتية ودعم الاقتصاد، وتتضمن الخطة زيادة الضرائب المفروضة على الشركات المحلية إلى 28% – بعد أن تم تخفيضها خلال عهد ترامب من 35% إلى 21%- ويشمل ذلك ضرائب على أرباح الشركات متعددة الجنسيات بغض النظر عما تدفعه هذه الشركات خارج أمريكا.

عقبات أمام المقترح الأمريكي

داخل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومجموعة العشرين توجد بعض الأصوات التي أبدت معارضتها للمقترح الأمريكي، فعلى سبيل المثال قال وزير المالية الأيرلندي باسشال دونوهو: إن الضرائب يمكن أن تكون جزءاً من عرض تنافسي للبلدان الصغيرة، وإن تحفظات حكومته بشأن أي إجراء عالمي لتوحيد الحد الأدنى للضرائب على الشركات الكبرى يمكن أن تكون قوية جدا.

أيرلندا هي واحدة من الدول التي تفرض ضرائب منخفضة على الشركات ضمن استراتيجية اقتصادية تهدف لإغراء الشركات الأجنبية لفتح مقار لديها تدخل فيها حساباتها الرئيسة للتهرب من الضرائب المرتفعة في بلدان أخرى مثل فرنسا التي يصل معدل الضريبة فيها على أرباح الشركات إلى نحو 34%، أو أمريكا 21% أو ألمانيا 29%، أما في أيرلندا فهذا المعدل لا يتجاوز الـ12.5%، لذا كان من الطبيعي أن تسجل إيرادات ضريبية بنحو 14 مليار دولار خلال العام الماضي بالرغم من تداعيات الجائحة.

هناك عقبة أخرى قد تواجه أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي في التوافق بشأن المقترح الأمريكي، تتعلق بالخلاف حول معاملة عمالقة التكنولوجيا مثل فيسبوك وأمازون وجوجل، إذ أن هذه الشركات تحديدا تدفع ضرائب لا علاقة لها غالبا بالعائدات والأرباح الضخمة التي تحققها محليا، وكثيرا ما استفادت من معاملة خاصة لها نتيجة رغبة الحكومات في تشجيع قطاع التكنولوجيا، إلا أن بعض الدول اتخذت خطوات حاسمة لوضع حد لممارساتها سواء الضريبية أو الاحتكارية فعلى سبيل المثال فرضت فرنسا عام 2019 ضرائب مشددة على نحو 30 شركة بينها فيسبوك وأمازون.  

قضية شائكة أخرى سيتعين على أعضاء المنظمة التفاوض بشأنها تتعلق بتحديد الشركات المتعددة الجنسيات التي ستخضع للضريبة العالمية الجديدة، وهنا تقترح واشنطن اقتطاع الإيرادات الضريبية من أكبر 100 شركة متعددة الجنسيات.

رغم هذه العقبات من المتوقع أن يدفع المقترح الأمريكي أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي ومجموعة العشرين بقوة نحو توافق قريب بشأن معدل الضرائب العالمية على أرباح الشركات متعددة الجنسيات، بعد سنوات من التعثر بفعل سياسات ترامب أحادية الجانب وحروبه التجارية.. ويبقى هذا المقترح مجرد بداية لتغييرات قد تطرأ مستقبلا على المساهمة الضريبية لهذه الشركات في الاقتصاد وترجح “مورجان ستانلي” أن تكون البداية أسهل بالنسبة لشركات الأجهزة التكنولوجية والأدوية، فيما ستكون المواجهة داخل أمريكا أقوى إذ ستدفع الشركات الأمريكية ضرائب أكبر من منافسيها في حال نجاح خطط بايدن الضريبية محليا وعالميا.

ربما يعجبك أيضا