التجسس بين الحلفاء.. أوروبا هدفًا للتجسس الأمريكي في قطاع الدفاع

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

ما زالت “فضائح” تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية، تشغل حليفاتها الأوروبية، خاصة في أعقاب ما كشفه عميل الاستخبارات الأمريكي سنودن عام 2013، بتجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية على حليفاتها الأوروبية خاصة ألمانيا.

ساعدت المخابرات الدنماركية نظيرتها الأمريكية “NSA” وكالة الأمن القومي في التنصت على كبار السياسيين الأوروبيين والألمان، وفقا لتحريات جديدة. وما يثير السخرية هو أن الحكومة الدنماركية كانت ضحية أيضا للتجسس . وقالت الدنمارك إن تحقيقها أظهر أن وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) “استغلت تعاون مراقبة دنماركي أمريكي سري للغاية للتجسس عمدا على الوزارات المركزية والشركات الخاصة في الدنمارك”. وذكرت الإذاعة أن الكثير من عمليات التجسس تتعلق بقطاع الدفاع وخاصة مناقصة الدنمارك لطائرة مقاتلة جديدة لتحل محل أسطولها القديم.

انتهى الأمر بكوبنهاجن بطلب 27 طائرة من طراز F-35 من الشركة المصنعة الأمريكية Lockheed Martin ، التي تغلبت على  شركات Eurofighter و Saab Gripen السويدية.   وكشفت تقارير دنماركية إن حلفاء آخرين للولايات المتحدة ، مثل ألمانيا وفرنسا والنرويج وهولندا والسويد ، كانوا أيضًا أهدافًا للتجسس الأمريكي في قطاع الدفاع.

أفادت الإذاعة العامة الدنماركية DR، في 16 سبتمبر 2020 أن جهاز المخابرات الأمريكي NSA أساء استخدام اتفاقية تعاون مع الدنمارك للتجسس على الحلفاء في أوروبا ، بما في ذلك هولندا. وفقًا للإذاعة الدنماركية ، وقعت وكالة الأمن القومي والخدمة العسكرية الدنماركية FE اتفاقية في عام 2008 ، تنص على أن الأمريكيين سيساعدون الدنمارك في النقر على كابلات الإنترنت في الدولة الأوروبية. 

وتمكنت وكالة الأمن القومي من الوصول إلى كابلات الإنترنت إلى أوروبا الشرقية، عندما قاموا معًا بمعالجة البيانات في مركز بيانات بالقرب من مطار كوبنهاغن ، والذي تم إنشاؤه لهذا الغرض. لكن الولايات المتحدة استخدمت أيضًا هذا الوصول إلى الإنترنت للتجسس على الدنمارك نفسها، والدول المجاورة بما في ذلك هولندا وألمانيا والسويد.

الولايات المتحدة تجسست على حلفاء مقربين

بعد سبع سنوات من فضيحة إدوارد سنودن، ظهرت ادعاءات جديدة في نوفمبر 2020 بأن الولايات المتحدة تجسست على حلفاء مقربين في الدنمارك، وهذه المرة فيما يتعلق بصناعة الدفاع وطائرة مقاتلة دنماركية فازت بها الولايات المتحدة.  

ويبدو أن وكالة الأمن القومي الأمريكي كان لديها وصول مباشر إلى محطة تنصت بالقرب من كوبنهاغن. هذا ما قالته مصادر استخباراتية دنماركية لفريق من الإذاعة الدنماركية، الذي أجرى بحثا استقصائيا بالتعاون مع محطة إذاعة شمال ألمانيا (NDR) ومحطة إذاعة غرب ألمانيا (WDR) إضافة إلى صحيفة زود دويتشه تسايتونغ. وربما كانت الحكومة الدنماركية على علم بالتجسس منذ عام 2015 على أبعد تقدير.

أن أجهزة الاستخبارات الألمانية “تجسست بشكل منهجي على الدول الحليفة ومنظمات في العالم أجمع وإن “جهاز الاستخبارات الألمانية الخارجي تجسس بشكل منهجي على أصدقاء في العالم أجمع، منها وزارات الداخلية الأمريكية والبولندية والنمساوية والدنماركية والكرواتية.

التعاون بين وكالة الأمن القومي الأمريكي والمخابرات الألمانية

اتخذت الحرب على الإرهاب منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، التي راح ضحيتها آلاف الأشخاص، بعداً جديداً في مختلف دول العالم، فقد شُددت القوانين، وكثفت أجهزة المخابرات الغربية تعاونها. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على التعاون بين وكالة الأمن القومي الأمريكي والمخابرات الألمانية، ويبدو أن هذا التعاون لم يأخذ في نظر الاعتبار كثيراً من القوانين المعمول بها. ويمكن استنتاج هذا من الوثائق التي نشرها الموظف السابق بوكالة الأمن القومي الأمريكية إدوارد سنودن صيف 2013 .

أعلن برنامج “فرونتال 21” أنه اطلع  يوم الرابع من مايو 2015 على وثيقة سرية للحكومة الألمانية أكدت فيها تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية (إن إس إيه) على أهداف أوروبية وألمانيا حتى أغسطس عام 2013 على الأقل. وبحسب البيانات، تبين لدى وكالة الاستخبارات الألمانية (بي إن دي) في 26 أغسطس عام 2013 أن وكالة الأمن القومي الأمريكية (إن إس إي) تجسست على عناوين بريد إلكتروني حديثة لساسة أوروبيين ووزرات في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي ومؤسسات تابعة للاتحاد ومقار تمثيلية لشركات ألمانية. وجاء في الوثيقة أن الممارسات التجسسية الأمريكية تعارضت مع مصالح ألمانية.

أكدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل 04 مايو أيار 2015، ضرورة وضع حد للتجسس بين الدول الصديقة وسط مزاعم بأن أجهزة الأمن في برلين اشتركت مع وكالة الاستخبارات الأمريكية (إن اس ايه) في التجسس على جيران ألمانيا والمفوضية الأوروبية . دافعت الاستخبارات الألمانية الداخلية عن التعاون مع الاستخبارات الأجنبية في مكافحة الإرهاب، وذلك على خلفية فضيحة التجسس لوكالة الاستخبارات الألمانية الخارجية (بي إن دي) ووكالة الأمن القومي الأمريكية (إن إس إيه).

كشفت تقارير إعلامية ألمانية أن وكالة الأمن القومي الأمريكية حاولت التجسس على مرافق حكومية في النمسا من خلال التعاون مع جهاز المخابرات الألمانية الخارجية. وأفادت صحيفة “بيلد أم زونتاغ” الألمانية أن المخابرات الألمانية بحث بتكليف من الوكالة الأمريكية عن مصطلحات بحث على الإنترنت مثل „gov“ و“diplo“ وأخرى تتعلق بمكاتب حكومية، وذلك من خلال محطة الرصد التابعة للمخابرات الألمانية في مدينة باد أيبلينغ الواقعة بولاية بافاريا.

وكانت تقارير إعلامية ألمانية قد كشفت في وقت سابق قيام المخابرات الألمانية بمساعدة وكالة الأمن القومي الأمريكية في التجسس على الحكومة الفرنسية والمفوضية الأوروبية في بروكسل طوال سنوات. وتم استخدام محطة الرصد ذاتها للتجسس على مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية الفرنسية وقصر الاليزيه وكذلك المفوضية الأوروبية الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي.

برنامج أوروبا العالمية

يعالج برنامج أوروبا العالمية القضايا الحيوية التي تؤثر على القارة الأوروبية ، والعلاقات الأمريكية الأوروبية ، وعلاقات أوروبا مع بقية العالم. يقوم بذلك من خلال الباحثين المقيمين والندوات ومجموعات دراسة السياسات والتعليقات الإعلامية والمؤتمرات والمنشورات الدولية. تغطي الأنشطة مجموعة واسعة من الموضوعات، من دور الناتو والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى أمن الطاقة الأوروبي، والنزاعات التجارية، وتحديات الديمقراطية، ومكافحة الإرهاب. يبحث البرنامج في النهج الأوروبية لقضايا السياسة ذات الأهمية للولايات المتحدة، بما في ذلك العولمة، والتحول الرقمي، والمناخ، والهجرة، والحوكمة العالمية، والعلاقات مع روسيا وأوراسيا والصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ والشرق الأوسط وأفريقيا.

التقييم

بات معروفا إن التجسس هو “حق مشروع” يحق للدول استخدامه في جمع المعلومات لأغراض الأمن القومي، منها ما يتركز في معرفة التهديدات الخارجية للأمن القومي وربما التهديدات الداخلية ضمن مهام الاستخبارات الداخلية الوطنية. لكن التجسس بين الحلفاء هو يتعارض بدون شك مع المواثيق والصكوك الموقعة بين الحلفاء أو الأصدقاء. 

لكن لو تحدثنا عن أوروبا أو تحديدا الاتحاد الأوروبي، بدون شك لا يوجد تجسس في مجالات الدفاع والأمن، بقدر ما يتركز على التجسس في مجال “الصناعات” وبراءات الاختراع، وربما كانت أوروبا قد شهدت أنشطة استخباراتية ساخنة على أراضيها من اجل الحصول على ما يجري في مختبراتها ماعدا حرب الحصول على التجهيزات.

أما الحديث عن تجسس الولايات المتحدة على حليفاتها الأوروبية، خاصة ألمانيا، فهو يأخذ شكلا آخر، وربما من الصعب في هذه الحالة الفصل ما بين التعاون الأمني والاستخباراتي وما بين تجسس الولايات المتحدة على ألمانيا والدنمارك ودول أوروبية حليفة لها. 

كثيرا ما اتهمت الاستخبارات الألمانية بانها تعمل لصلح الاستخبارات الأمريكية، والتحقيقات أطاحت برؤوس الاستخبارات الخارجية الألمانية والداخلية. الأمر صعب فهمه ربما حتى من قبل اللجان الأمنية داخل البرلمانات، فمهما حصل أعضاء البرلمانات من خبرة استخباراتية، بدون شك لا ترتقي إلى خبرة رجال الاستخبارات المتمرسين وخاصة الميدانيين، وهذا ما يثير الشك حول الاتهامات التي تواجهها الاستخبارات الأوروبية بانها تعمل بالوكالة لصالح الاستخبارات الأمريكية.

المشكلة، لم تعد مشكلة حديثة، بقدر ماهي وليدة نتائج الحرب العالمية الثانية ومشروع مارشال والحرب الباردة بعد عام 1945 . 

وهذا يعني أن عمليات التجسس هذه سوف تبقى مستمرة ولا يمكن إيقافها، أما إذا تحدثنا عن تجسس الولايات المتحدة على دول أوروبا تحديدا، فهذا يعود إلى سبب ضعف إمكانيات وقدرات أوروبا في محركات الإنترنت أولا، والتجسس الفضائي، فهي تقف عاجزة أمام وكالة ناسا، وهذا ما يجعل أوروبا تقع تحت سيطرة “ناسا” وكالة الأمن القومي تحديدا، والتقديرات تقول: إن أوروبا لا تستطيع الخروج من المظلة الأمريكية ” وكالة ناسا” إلى عقود من الزمن.

ما تحتاجه أوروبا هو النهوض بأمنها القومي، في مجال الأمن الإستراتيجي غير التقليدي، بضمنه محركات الأنترنت، التجسس الفضائي وأمن السايبر.

ربما يعجبك أيضا