بفعل كورونا.. ألمانيا تسقط في براثن الركود ولكن

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

جائحة كورونا منذ أن ضربت العالم في فبراير 2020 وهي تواصل الضغط على اقتصادات العالم بما فيها الكبرى منها، وحتى اللحظة كشفت كافة نقاط الضعف في هذه الاقتصادات وبلا رحمة فاقمت من أزماتها، الاقتصاد الألماني وهو أكبر اقتصاد في أوروبا وكثيرا ما يُضرب به المثل في القدرة على التكيف والنمو المنضبط لم يفلت من براثن الجائحة، ففي نهاية العام الماضي سجل أسوأ انكماش له منذ الأزمة المالية العالمية، معلنا دخوله في دائرة الركود، وخلال الربع الأول من عامنا هذا واصل الانكماش -وإن كان بوتيرة أقل- بفعل تراجع معدلات الإنفاق الاستهلاكي مع تفعيل قيود جديدة، خشية انتشار سلالات أكثر شراسة من الفيروس التاجي.

ركود عميق ومؤشرات مقلقة

بالأمس، كشف مكتب الإحصاءات الاتحادي، أن الاقتصاد الألماني انكمش بنسبة 1.8% على أساس فصلي خلال الفترة من يناير إلى مارس الماضي، متجاوزا التوقعات، وعلى أساس سنوي انكمش الناتج المحلي الإجمالي بـ3.1%، أرجعت “رويترز” هذا الانكماش إلى عودة قيود كورونا وتأثيرها سلبا على معدلات الاستهلاك الخاص.

وخلال مايو تسارع معدل التضخم في ألمانيا ليرتفع بنحو 2.4% من 2.1% خلال أبريل، متجاوزا بذلك المستوى الذي يستهدفه المركزي الأوروبي البالغ حوالي 2%، ويتوقع الأخير أن يواصل “التضخم” ارتفاعه في ألمانيا وصولا إلى أكثر من 3% هذا العام.

كان الاقتصاد الألماني انكمش خلال 2020 بـ5%، ودخل في واحدة من أسوأ فترات الركود في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وسجلت ميزانيته عجزا بعد نحو 8 سنوات من الفائض وعقود من النمو، وتسببت الموجة الأولى من انتشار الوباء خلال ربيع 2020 في انخفاض قياسي في إجمالي الناتج الداخلي إلى سالب 9.8% خلال الفصل الثاني.

وسجلت ألمانيا في 2020 ثاني أعلى عجز في ميزانيتها منذ إعادة توحيدها، إذ بلغ عجز الموازنة نحو 4.8% من الناتج المحلي، وبحسب أرقام رسمية أنفقت الحكومة العام الماضي ضمن خطط احتواء الجائحة وتداعياتها أكثر من 158.2 مليار يورو، فيما أشارت دراسة أجراها معهد الاقتصاد الألماني “دي آي دبليو” إلى أن حجم الديون التي تحملتها ألمانيا لمكافحة الجائحة حتى اللحظة بلغ 650 مليار يورو.

توقعات بالتعافي

صحيح أن الجائحة دفعت الاقتصاد الألماني لتسجيل واحدة من أسوأ فترات الركود منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أنه ما زال بعيدا عن  مستويات الأزمة المالية العالمية عندما انكمش بـ5.7%، ويتوقع خبراء “دي آي دابليو” أن يقلب مساره إلى النمو خلال الربع الثاني ويسجل نموا بنحو 2% في إجمالي الناتج المحلي.

وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير توقع – في تصريحات نقلتها “رويترز”، أمس- أن ينمو أكبر اقتصاد في أوروبا بنسبة تتراوح بين 3.4 % و3.7 % خلال العام الجاري، وأن يستعيد قوته ويعود لمستويات ما قبل الجائحة بحلول نهاية 2021.

وقال ألتماير: “في المجمل، سيستعيد الاقتصاد الألماني قوته التي كان عليها قبل الجائحة بحلول نهاية هذا العام، ونتوقع أن ينمو 4% العام القادم، مؤكدا أنه يراقب الزيادة الحالية في معدلات التضخم عن كثب”.

كانت معاهد اقتصادية استطلعت “رويترز” آراءهم في أبريل الماضي، رجحت نمو الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا بـ3.7% هذا العام، في خفض عن توقعات سابقة بـ47%، إلا أنها رفعت توقعاتها للنمو خلال العام المقبل من 2.7% إلى 3.9%، بفعل توقعات بنشاط جيد للإنفاق المحلي والاستهلاك مع رفع قيود الإغلاق.

وفي مؤشر على صحة هذه التوقعات، خفضت السلطات الألمانية اعتبارا من الأول من يونيو الجاري مستوى خطورة انتشار كورونا من “مرتفع جدا” إلى “مرتفع”، بفعل تراجع ملحوظ في معدلات الإصابة اليومية للمرة الأولى منذ بداية 2021.

وقال وزير الصحة ينس شبان –أمس، خلال مؤتمر صحفي- إن تفعيل حملة التطعيم في البلاد، وتوسيع نطاق الفحوصات والقيود المفروضة بسبب الجائحة، ساعدت كلها في تجاوز الموجة الثالثة من تفشي العدوى، الأمر الذي مكن السلطات من “إعادة تقييم الوضع”، مضيفا: هدفنا الآن هو تجنب إعادة فرض القيود على المستوى الوطني، والتي يتم رفعها بشكل مطرد.

حتى اللحظة تمكنت ألمانيا من توزيع أكثر من 35,1 مليون جرعة من لقاح كورونا، ويبلغ متوسط معدل التطعيم فيها نحو 852 ألفا و184 جرعة في اليوم الواحد، ووفق “بلومبرج” بهذا المعدل، يتوقع أن تستغرق ثلاثة أشهر فقط لتطعيم 75% من سكانها بجرعتين من اللقاح.

في العموم أظهرت حكومة المستشارة ميركل منذ بداية الوباء الكثير من الحكمة في تعاملها مع الأزمة محاولة تحقيق التوازن بين الحفاظ على الصحة العامة ومصالح قطاع الأعمال، وإذا كانت التوقعات حاليا تصب في صالح العملاق الألماني، فهذا الأمر مرهون بتطورات الوضع الوبائي وبقدرة الحكومة على رفع قيود الإغلاق تدريجيا وكسر الموجة الثالثة من كورونا بأقل خسائر وتشجيع الإنفاق الاستهلاكي والسيطرة على التضخم، والأهم القدرة على الوصول إلى مناعة القطيع وتأهيل مواطنيها لفكرة أن الوباء لم ينته بعد، حتى في حال رفع جميع القيود، وهو ما ترفضه ميركل حتى يومنا هذا.

ربما يعجبك أيضا