محاولات تركيا لتحسين علاقاتها مع مصر.. التودد والعداء «مستمر»

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

عادت “أنقرة” على لسان رئيسها رجب أردوغان، لخطب مزيد من الود مع القاهرة بعد سنوات من علاقات متوترة وشائكة لأسباب تتعلق باحتضان تركيا العديد من كوادر وشخصيات تنتمي لجماعات إرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، إضافة إلى التدخل التركي السافر في الشأنين المصري والعربي، ومحاولات تركية للهيمنة في ملف الغاز شرق المتوسط والسيطرة على الثروات النفطية والإضرار بأمن مصر القومي عبر التدخل العسكري في ليبيا وهو ما انتقدته مصر ورفضته جملةً وتفصيلًا وسارعت بردع التدخل التركي في أرض المختار ورسمت له “خطًا أحمر”.

ورغم المحاولات التركية على ألسنة المسؤولين الأتراك وزيارة أخيرة للقاهرة ووساطات للتقارب وتحسين العلاقات لا تزال قنوات الإخوان ومنصاتهم الإرهابية والتحريضية تفيض بكره مصر ومحاولات الإساءة، وحدها الأيام ستكشف عن تطورات الأحداث في ملف العلاقات المصرية التركية.

محاولات واتصالات

في وقت فسره كثيرون بأن مصالح تركيا تقتضي عودة التقارب مع مصر، بعد حالة الجفاء التي تعيشها مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس جو بايدن وعلاقاتها الضبابية بجيرانها في أوروبا وعلى رأسهم فرنسا، وتأزم أطماعها في السيطرة على ثروات نفطية لدول عربية ومنها العراق وسوريا وليبيا، شهدت الشهور الأخيرة محاولات تركية للتقارب مع مصر بشتى الطرق وأهمها تصريحات لمد أواصر الود والمحبة مع الدولة المصرية التي طالما سمح نظام رجب أردوغان بالإساءة إلى جيشها وشعبها من بلاده بواسطة أبواق إعلامية تطل عبر فضائيات وقنوات ومواقع إلكترونية كان شغلها الشاغل معارضة لمصر ومحاولة النيل منها بكل السبل.

وفي مارس 2021، أعلنت تركيا استئناف اتصالاتها الدبلوماسية مع مصر، كما وجهت لوسائل الإعلام المصرية المعارضة العاملة في الأراضي التركية، بينها تابعة لجماعة “الإخوان”، بتخفيف النبرة تجاه السلطات في القاهرة، وخلال 5 و6 مايو الماضي، أجرى وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية، سادات أونال، خلال أول زيارة من نوعها منذ 2013، محادثات “استكشافية” في القاهرة مع مسؤولين مصريين قادهم نائب وزير الخارجية، حمدي سند لوزا.

وحدة القدر

التطورات التي تطرأ على العلاقات بين مصر وتركيا، تسير من جانب القاهرة، بمقدار انتظار أن تقدم تركيا بوادر حسن النية، واعتبر الرئيس التركي، رجب أردوغان، أن تركيا ومصر تجمعهما علاقات قوية وتاريخية، مشيرًا إلى أن هناك “وحدة في القدر” بين شعبي البلدين. وأضاف: “لدينا فرص تعاون جاد مع مصر في منطقة واسعة من شرق البحر المتوسط إلى ليبيا”.

وأشار أردوغان إلى اتصالات بين أجهزتي الاستخبارات ووزارتي الخارجية لكلا البلدين، مضيفًا: “أعطينا تعليمات لكل وزاراتنا حول عقد اجتماعات مع نظيرتها المصرية، كما أعطينا تعليمات لجميع المؤسسات المالية والاقتصادية للاستفادة من جميع الإمكانيات والطاقات المشتركة بين مصر وتركيا وتطوير العلاقات الثنائية لتحقيق ربح مشترك”.

وتابع: “ما زلنا نقوم على هذه الأسس، أي الربح لكلا الدولتين، ونريد رفع التعاون بيننا إلى أقصى درجة، وعلاقاتنا مع دول الخليج مبنية كذلك على هذا الأساس”. وأشار إلى أنه لا يمكن مقارنة العلاقات بين تركيا ومصر مع العلاقات المصرية اليونانية، مشددًا على أن هناك “وحدة في القدر بين الشعبين المصري والتركي”.

وأضاف أردوغان: “أعرف الشعب المصري جيدًا وأكن له المحبة، فالجانب الثقافي لروابطنا قوي جدًا، لذلك نحن مصممون على بدء هذا المسار من جديد”.

العداء مستمر

بينما تسعى الدولة التركية للتودد إلى القاهرة بكل السبل المتاحة، واصل مستشار أردوغان ياسين أقطاي إطلاق تصريحات ضد مصر، حيث وصف خلال حديث مع فضائية” فرانس 24″، أمس، ما شهدته مصر عام 2013. وأكد أن أنقرة لن تتنازل عما وصفه بموقفها الأخلاقي، بشأن ما حدث عام 2013، (سقوط حكم جماعة الإخوان) مؤكدا أنها نقطة خلاف بين البلدين.

وتناغمًا مع تصريحات أقطاي، عاودت الفضائيات الإخوانية في إسطنبول انتقاداتها للقاهرة، إذ انتقد المذيع الإخواني محمد ناصر، في برنامجه اليومي على فضائية “مكملين” السياسات المصرية، وذلك بعد هدنة مؤقتة التزم فيها بتعليمات السلطات التركية تخفيف حدة الانتقاد لمصر. فيما نفى القيادي الإخواني باسم خفاجي المالك القديم وممول فضائية “الشرق” رحيله إلى سنغافورة بتوجيهات من السلطات التركية، أو وجود محاولات وضغوط تركية لإجباره على الرحيل.

مصير المصالحة

قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري ردًا على سؤال بشأن “تقديره لمصير” عملية المصالحة المصرية التركية، متحدثًا في مقابلة لفضائية “Ten”: “هناك بوادر ورغبة من قبل تركيا لتغيير المسار والوفاء بالمتطلبات التي كانت مطروحة دائمًا في أن تكون هناك مراعاة هامة لطبيعة العلاقات الدولية واحترام الخصوصيات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم رعاية أي عناصر مناهضة للدولة”.

وتلت ذلك مجموعة من التصريحات التي أدت إلى بعض الإجراءات التي اتخذتها الدولة التركية في تحويل مسارها بعيدًا عن بعض الممارسات التي كانت تتدخل فيها بالشؤون الداخلية المصرية أو رعاية عناصر متطرفة معادية لبلاده.

وأوضح شكري أن ذلك أدى إلى رفع مستوى التواصل إلى المستوى السياسي فيما وصفناه بالمشاورات الاستكشافية”، وتابع: “بالتأكيد بعد هذه الفترة الزمنية من تعثر العلاقة الثنائية والعلاقة في الإطار الإقليمي، من الضروري أن يكون هناك حوار سياسي معمق، نؤكد فيه مرة أخرى توقعاتنا لكيفية إدارة هذه الأزمات وتوضيح سياستنا في كيفية تحقيق الاستقرار في المنطقة.

القاهرة تتوقع تعديل مسار السياسة التركية بحيث لا تتقاطع مع المصالح المصرية، خاصة عندما يكون الأمر مرتبطا بالأمن القومي المصري وأن يكون ذلك في إطار اتخاذ خطوات عملية يمكن رصدها وتقييمها.

وذكر: “ستكون هناك جولات أخرى استكشافية تقود بعد ذلك إلى تطبيع العلاقة عندما نطمئن أن المصالح المصرية تتم مراعاتها بشكل كامل”. وأشار وزير الخارجية المصري إلى تواصله مع نظيره التركي، مولود تشاووش أوغلو، بشأن الأزمة الحالية بقطاع غزة، لكن اللقاءات الثنائية فيما بينهما ستأتي عندما يتم الانتهاء من المشاورات الاستكشافية.

ربما يعجبك أيضا