محكمة «قتلة الحريري».. لماذا غيّبت العدالة ؟

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

ألقت الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها لبنان بظلالها على عمل المحكمة الدولية المختصة بمحاكمة من يقفون وراء اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري، بعدما بات «الإقفال» خياراً مطروحاً بسبب ارتفاع حدة الضائقة المالية التي تواجهها، والعجز عن تأمين الأموال اللازمة لضمان استمرار عملها”.

بيان المحكمة يتزامن مع تقارير صادرة عن البنك الدولي تحذر من أن لبنان يعيش إحدى أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، في ظل حالة الجمود السياسي التي تعيشها البلاد منذ انفجار مرفأ بيروت وفشل المكونات السياسية في تشكيل حكومة تقود البلاد.

لبنان 2

محكمة ابتزاز.. لا عدالة

في عام ٢٠٠٦ تم إنشاء المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري بعد التفجير الذي هزَّ قلب بيروت في 14 فبراير 2005، وأسفر عن مقتل رئيس الوزراء آنذاك رفيق الحريري و21 شخصًا آخرين، وفي عام ٢٠٢٠م تم إدانة المنتمي لميليشيا حزب الله سليم عياش.

لكن وعلى ما يبدو فإن إعلان المحكمة عن وضعها المالي، وتجميد بدء محاكمة عيّاش الذي كان مقرراً في السادس عشر من يونيو الجاري، في ملفات اغتيال المناضل جورج حاوي والوزيرين السابقين إلياس المر ومروان حمادة، يحمل، في طيّاته، محاولة لاستنهاض الرأي العام اللبناني، من أجل الدفاع عن وجود المحكمة، قبل فوات الأوان.

لكن هيهات هيهات، فإن المحكمة، من وجهة نظر غالبية اللبنانيين، لم تحقق أيًّا من أهدافها، فلا هي أوقفت الاغتيالات، ولا هي وضعت حدًّا للإفلات من العقاب، وتاليًا، فهم، ولا سيّما في هذه الظروف المأساوية التي يعيشونها، لديهم هموم غيرهَمْ هذه المحكمة، لينتفضوا من أجلها، في حال وجدوا القوّة على التحرّك أصلاً.

لبنان المثقل بالأزمات دفع طيلة السنوات الماضية ملايين الدولارات، ومع ذلك لم تنته المحكمة من إكمال تحقيقاتها، بعد أن غيبت الحقيقة بضبابية مقصودة رغم معرفة الجميع بالجهة التي تقف وراء الاغتيال من فرق الموت التابعة لميليشيات إيرانية في لبنان.

تمويل المحكمة

بالنظر في تمويل المحكمة التي أنشئت عام 2006 أي بعد عام واحد من اغتيال الرئيس الحريري، نجد أنها تعتمد منذ تأسيسها بدرجة كبيرة على المساهمات الطوعية من الدول المانحة، لتمويل نسبة 51 في المئة من موازنتها، في حين أن لبنان مسؤول عن تمويل نسبة 49 في المئة منها.

بلغ حجم المبالغ التي صرفت على المحكمة منذ نشأتها عام 2006 حتى اليوم، أكثر من مليار دولار أمريكي، غير أنه ونتيجة الأوضاع الاقتصادية العالمية الناتجة من جائحة كورونا وظروف لبنان الصعبة والمقلقة، خفضت المحكمة موازنتها لعام 2021 بنسبة عالية، بلغت 37 في المئة تقريباً مقارنة بالسنوات السابقة.

وتكشف المحكمة الدولية أنه في مارس (آذار) 2021 قدمت الأمم المتحدة للمحكمة إعانة قدرها 15.5 مليون دولار أمريكي، تغطي 75 في المئة من مساهمة لبنان في موازنتها، بهدف دعم استمرار العمل القضائي للمحكمة. لكن وعلى الرغم من هذه المساهمة، إلا أن المحكمة الدولية بقيت بحاجة إلى مساهمات أخرى، إذ لا تزال تفتقر إلى الأموال اللازمة لأداء مهماتها القضائية.

إنجازات «وهمية»

في تقريرها السنوي الـ12 الذي رفعته المحكمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة والحكومة اللبنانية، سلطت المحكمة الدولية الضوء على أنشطتها خلال الفترة الممتدة بين الأول من مارس 2020 وحتى 28 فبراير 2021، وعددت أيضاً أهدافها لعام 2022.

أما أهم الإنجازات بحسب التقرير فكان صدور حكم غرفة الدرجة الأولى في قضية عياش وآخرين في 18 أغسطس (آب)، ثم حكم تحديد العقوبة في الـ11 من ديسمبر (كانون الأول) 2020. وكانت رئيسة المحكمة القاضية إيفانا هردليشكوفا، اعتبرت أن صدور هذين الحكمين “يمثل دليلاً على ما يمكن تحقيقه لمن طالبوا بوضع حد للإفلات من العقاب، وشعاع أمل لمن تضرروا من جرائم الإرهاب بأن الحقيقة لا بد من أن تتجلى”.

يوضح الخبير البارز في القانون الجنائي والعدالة الدولية السويسري، روبير روت، حقيقة هامة في هذا السياق، وهي أن جميع المحاكم من هذا النوع هي ذات طابع سياسي، لكونها تخضع بشكل مباشر أو غير مباشر للأمم المتحدة، المنظمة التي تمارس السياسية، وليس للقانون. في حين تخضع المحكمة الجنائية الدولية للدول.

السياسة إذن وليس القانون هو من يسيّر ويسيّس عمل مثل هذه المحاكم، وبما أن السياسة والساسة لهم ألاعيبهم ومصالحهم، فمن الضروري أن تستمر هذه المحاكمات لفترة أطول، تضمن مزيد من الابتزاز والتلويح بعصا المحاكمات، حتى أن مجلس الأمن الدولي وفي لحظة «مساومة دولية» قلّص صلاحياتها حتى لا تطال لا الدول ولا التنظيمات، بل تقتصر على الأفراد الذين كان واضحاً أنّ هذه الدول والتنظيمات «المحصّنة» سوف تحميهم، ليس بمنع تسليمهم فحسب بل أيضاً، بعرقلة العدالة، من خلال إخفاء الأدلة أو التلاعب بها وترهيب كل من توهّم أن المحكمة سوف توفّر له مظلة واقية، حسب الكاتب اللبناني، فارس خشان.

ربما يعجبك أيضا