بعد تحفيزات التعافي.. هل يدخل العالم حقبة التضخم الدائم؟

كتب – حسام عيد

مع اشتداد تداعيات جائحة كورونا الوبائية “كوفيد-19″، في عامها الأول -2020 عام الجائحة- سارعت بلدان العالم المختلفة، وفي مقدمتها الدول المتقدمة، إلى إقرار وضخ حزم مالية ونقدية واسعة لتحفيز اقتصاداتها، والخروج من مأزق الركود، والعودة مجددًا لمؤشرات التعافي. الغاية والهدف هنا كان واضحًا وهو كيفية إضفاء المرونة على مختلف القطاعات لتجاوز الآثار السلبية ومحاولة استعادة مستويات ما قبل الجائحة، رغم المخاوف من الأعراض الجانبية للخطط التحفيزية، والتي أبرزها تسارع وتيرة التضخم، وخاصة في الدول المتقدمة، مثل ما يحدث فعليًا اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية، واقتصادات أوروبية كبرى.

الأسوأ هنا قد يبدو أصعب على الاقتصاد العالمي، فحقبة التضخم المتصاعد، تعني موجة واسعة من ارتفاع أسعار السلع والخدمات والمواد الخام، ما يعني بطبيعة الحال الإضرار بالاقتصادات النامية المرتكزة على قاعدة الاستيراد، ومن ثم دخول تلك الاقتصادات في مرحلة “ركود تضخمي”، وهي أسوأ ظاهرة قد تصيب أي اقتصاد في العالم.

تسارع التضخم الأمريكي

في يوم الثلاثاء الموافق 8 يونيو 2021، أبدى نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق “دونالد كوهن” قلقه من أن البنك المركزي ليس في وضع جيد للتعامل مع التهديد المتزايد حيال تسارع التضخم.

وقال “كوهن” في ندوة عبر الإنترنت نظمها معهد “أمريكا إنتربرايز”: “هناك مخاطر للاتجاه الصاعد للتضخم في الولايات المتحدة”.

ويرى “كوهن” الذي عمل في الاحتياطي الفيدرالي لمدة 40 عامًا أن إطار السياسة النقدية الجديد الذي اعتمده البنك المركزي في العام الماضي زاد من فرص حدوث ارتفاعات أعلى للأسعار.

وأوضح صانع السياسة النقدية السابق أن الخطر يكمن في أن البنك المركزي سينتهي به الأمر إلى رفع معدلات الفائدة بشكل أكبر وأسرع، في مسعى لإبقاء التضخم تحت السيطرة.

ويعتقد “كوهن” أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يجب أن يغير سياسته النقدية بعد، لكن مسؤوليه بحاجة للاعتراف بالمخاطر التضخمية التي يواجهونها لتنعكس على التوقعات الاقتصادية الفصلية.

ويشير استطلاع للمتنبئين أجرته “بلومبيرج”، إلى أن الرقم الرئيسي السنوي سيشير إلى ارتفاع في مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 4.7%، أي أعلى من رقم أبريل البالغ 4.2%،

التحفيزات وخطر انفلات الأسعار

هناك عاملان يجعلان التضخم خطرًا جسيمًا، ألا وهما: التحفيز النقدي والمالي المفرط، وضعف المقاومة السياسية للتهديد.

وفي الولايات المتحدة، جادل وزير الخزانة السابق “لاري سمرز” بشكلٍ مقنع بأن التحفيز المالي مُفرط. كما يتردد العديد من الاقتصاديين في انتقاد خطط “بايدن” التحفيزية لأنهم يشاركونه مخاوفه بشأن المشكلات الاجتماعية والسياسية في البلاد.

واقعيًا، بدأت التحديات تظهر وتتشعب، من منطلق أن درجة التحفيز لا تتناسب مع حجم أية فجوة ناتج معقولة. فالخطط التريليونية في أمريكا والمليارية في دول أخرى فاقت حد المنطق بهدف إنقاذ الاقتصادات، وكان يجب إدارتها جيدًا لتجنب الإنزلاق إلى مرحلة التضخم المتصاعد.

ويعد جدل التضخم مألوفاً لأي شخص يتابع الأسواق المالية أو المناقشات السياسية في واشنطن، وكانت الاستجابة السياسية هائلة، ووصلت التدابير المالية إلى 22% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بخلاف الدعم المباشر لقطاع الرعاية الصحية، وقاد هذا إلى مخاوف من أن الحكومة “تفرط في ملء حوض الاستحمام”، وتُخلِّف تضخماً أعلى، والذي بمجرد أن تترسخ جذوره، سيكون من الصعب القضاء عليه.

وفي نفس الوقت، من المتوقع أن يرتفع التضخم قليلاً، مع إعادة فتح الاقتصاد وبدء عودة العملاء إلى القطاعات الأكثر تضرراً من الفنادق إلى شركات الطيران.

وتزيد مجموعة من عقبات سلاسل التوريد -بدءاً من نقص أشباه الموصلات إلى تأخيرات حاويات الشحن- الضغوط الصعودية على الأسعار.

وعلى الرغم من أن جائحة كوفيد-19 دمرت الاقتصادات، إلا أن تأثيرها كان على كل من العرض والطلب.

وقد صيغت قضية التوسع النقدي الكبير في مارس 2020 كرد فعلٍ على “الأسواق المختلة”، ولكن لم يتم سحب الحقن النقدي بمجرد عمل الأسواق المالية بشكل طبيعي.

لاحقاً، تم تبرير التحفيز بالاستناد إلى منطق “دعم الاقتصاد”؛ وبالفعل، كانت الحكومة الأمريكية بحاجة إلى دعم الاقتصاد -إلا أن التحفيز النقدي الكبير يكون مناسبًا فقط عندما ينحرف إجمالي الطلب بشكل ملحوظ عن إجمالي العرض.

وبالتطبيق العملي على الاقتصاد البريطاني، يبلغ تقدير البنك المركزي لفجوة الناتج حوالي 1% في الربع الأول من عام 2021، وينخفض ​​إلى الصفر في الربع الأول من العام المقبل.

وبالاستناد إلى كليهما، فسيتضح أن فجوة الناتج في أكبر حالاتها لم تزد على حوالي 1% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن تتقلص بمرور الوقت. وهذا يجعل من الصعب القول بأن هناك حاجة إلى حافز نقدي ومالي كبير.

أزمة تؤرق الاقتصادات

من الواضح على الأقل أن جزءاً كبيراً من التضخم المشهود مؤخراً لا يقتصر فقط على الولايات المتحدة.

ففي حالة تزامن التضخم مع ارتفاع عالمي ومحلي في أسعار السلع والخدمات، فقد يؤدي ذلك إلى ركود تضخمي، وهي أسوأ ظاهرة قد تصيب أي اقتصاد في العالم.

وتسلط حقيقة ارتفاع التضخم بشكلٍ مؤقت في العديد من الدول الضوء على الدور الذي ربما تلعبه قيود المعروض، فتأخيرات حاويات الشحن على سبيل المثال تزيد ضغوط التكاليف.

وختامًا، ما يثير القلق هو الزيادات الإضافية في الإنفاق العام الممول ليس عن طريق الضرائب المرتفعة، وإنما من خلال إنشاء الأموال من البنوك المركزية، كما أنه لا يمكن لأي بنك مركزي معرفة المستوى المناسب لأسعار الفائدة بعد عام من الآن، لذا فإن خطر الاستجابة البطيئة لعلامات ارتفاع التضخم قد تطول تداعياتها لسنوات.

ربما يعجبك أيضا