الجزائر على موعد مع برلمان جديد وسط مخاوف من صعود الإسلاميين

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

تنطلق اليوم أول انتخابات تشريعية بالجزائر بعد عامين من الاضطرابات السياسية التي أدت إلى استقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وسط رهانات بفوز لافت للمستقلين واستغلال طامح للإسلاميين لتشكيل قوة داخل البرلمان المقبل، الذي سيشكل في نهاية المطاف حراكًا سياسيًا غير مسبوق للانتقال الديمقراطي في السلطة وسط آمال بتحقيق إصلاحات جذرية ومخاوف من صعود الإسلاميين كبديل للفراغ السياسي.

انطلاق الانتخابات

انطلقت، اليوم السبت، أول انتخابات برلمانية بالجزائر حيث توجه الناخبون إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات تشريعية في البلد منذ أدت احتجاجات شعبية إلى استقالة الرئيس السابق، عبدالعزيز بوتفليقة، في عام 2019 بعد 20 عامًا في سدة الحكم.

ويحق لأكثر من 24 مليون ناخب الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، التي تشهد مشاركة 1483 قائمة، تضم 646 قائمة حزبية و837 قائمة لمرشحين مستقلين، بحسب وكالة “الأنباء الجزائرية الرسمية”.

وسعى المرشحون لحشد مؤيدين، خلال حملاتهم الانتخابية، إلا أن الإقبال المنخفض على المشاركة في عمليات التصويت في الآونة الأخيرة سلط الضوء على حالة من التحفظ لدى عامة الناس.

وعلى الرغم من انتخاب عبد المجيد تبون رئيسًا للبلاد في عام 2019 بدلاً من بوتفليقة، والموافقة على دستور معدل، يعتقد العديد من الجزائريين أن المؤسسة الأمنية والعسكرية لا تزال تحتفظ بالسلطة الحقيقية.

ومن المقرر إغلاق مراكز الاقتراع رسميًا الساعة 1900 بتوقيت جرينتش على أن تُعلن النتائج الأحد.

وتعد هذه الانتخابات هي سابع انتخابات برلمانية في الجزائر منذ 30 عامًا، بعد أن احتكر حزب جبهة التحرير الوطني (الذي قاد حرب التحرير ضد الاحتلال الفرنسي) العمل الحزبي منذ الاستقلال في عام 1962 دون أن يتاح النشاط القانوني لأي حزب آخر.

ومن أبرز المتنافسين على مقاعد المجلس الشعبي الوطني، التي يبلغ عددها 407، كل من: جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم وحركة البناء الوطني وجبهة العدالة والتنمية، وأحزاب جديدة أبرزها جيل جديد والفجر الجديد وصوت الشعب وطلائع الحريات، بالإضافة إلى المرشحين المستقلين.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد حدد 12 يونيو موعدًا للانتخابات التشريعية بعد أن أعلن في فبراير الماضي حل المجلس الشعبي الوطني.

فرص المستقلين والإسلاميين

تأتي الانتخابات التشريعية المبكرة بهدف إضفاء شرعية جديدة على النظام، لكنها مرفوضة من قبل جزء من المعارضة والحراك المناهض للنظام، في مناخ يواجه مزيدًا من القمع تجاه الحراك.

وفي المقابل، يصر النظام على المضي قدمًا في استراتيجيته بدون أي اعتبار لمطالب الشارع (دولة القانون والانتقال الديمقراطي والقضاء المستقل وحرية الصحافة، ودولة مدنية ماشي عسكرية) بحسب ما ذكرت صحيفة “الجزائر تايمز”.

وأمام ذلك تبدو فرص المرشحين الأحرار في الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان في اقتراع اليوم ، متباينة أمام أحزاب متمرسة على مثل هذه المواعيد الانتخابية، فمن الناحية النظرية بإمكان القوائم الحرة الفوز بالمراتب الأولى في الانتخابات، على غرار ما حققته في انتخابات سابقة، لكن ذلك أمامه عقبات كثيرة، وحتى إن تمكنت من الحصول على إحدى المراتب الثلاث فذلك لا يعني بالضرورة أن هناك “تغييرا جذريا سيحدث”.

وبالنسبة للنواب المستقلين فتأثيرهم على الحياة السياسية محدود لأن أغلبهم داعم للحكومة وبرامجها، إلا عندما تتعارض مع مصالحهم ومن ثم فالإصلاح الجذري من خارج الحكومة ليس من بين أولوياتهم.

من جهة أخرى، يأمل الإسلاميون في استغلال حالة الفراغ السياسي التي تركها تراجع الأحزاب التقليدية، باعتبارهم الأكثر خبرةً وتنظيمًا مقارنة ببقية الأحزاب حديثة التشكيل، لضمان الفوز بأكبر مقاعد برلمانية، وهو ما ذكرته صحيفة “العربي الجديد اللندنية”.

ووفقا للقراءات السياسية فإن القوائم المستقلة لا تملك مشروعًا سياسيًا مشتركًا، وهو ما يعني أن الإسلاميين أمام فرصة مهمة لتشكيل قوة داخل البرلمان المقبل، مستغلة في ذلك التصويت العقابي ضد أحزاب السلطة، وغياب الكتلة الديمقراطية التي قاطعت الانتخابات، والضعف اللافت لأحزاب الموالاة التي تخلت عنها السلطة وشهدت نزيفًا كبيرا قبل المرحلة الانتخابية وخلالها.

وفي هذه الحالة، ستكون السلطة مجبرة على التعامل معهم بشكل أو بآخر، توازيًا مع كتلة المستقلين التي يتوقع أن تكون الأكبر في البرلمان المقبل.

طموح الإسلاميين كشفت عنه الحملات الانتخابية للاستحقاق النيابي المقرر، اليوم وأكدتها ‘لغة الغزل’ الموحدة للتيارات الإخوانية الموجهة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، والتي دفعت لطرح تساؤلات من قبل مراقبين عن إن كان ذلك التملق ‘محاولة من الجماعة للتموقع في المشهد المقبل الذي سيفرزه البرلمان الجديد ، أم أن الأمر مرتبط بـ ‘حسابات سياسية’ جديدة للسلطة الجزائرية من خلال الدفع بتيارات الإخوان لتكون بديلًا جديدًا جاهزًا لواجهة النظام بعد ورطة فراغ أحزاب السلطة التي كانت مسيطرة في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

حراك سياسي غير مسبوق

وبغض النظر عن التكهنات بشأن الفائز في الانتخابات، وصف المراقبون الانتخابات الجزائرية بأنها “حراك سياسي غير مسبوق في تاريخها المعاصر منذ أن أنهت حالة الاحتراب الداخلي التي مرت بها خلال العقود الماضية”.

كما أن إجراء الانتخابات يشكل “فرصة سانحة لتعزيز أمن واستقرار الجزائر الذي حقق استقرارًا خصوصًا في مجال الحركة الصناعية التي يشهدها الاقتصاد الجزائري والمصاحبة للمشروع التعليمي”.

وعقب هذه الانتخابات، سيمثل الشعل الجزائري البطل الوحيد الذي انتخب لأول مرّة رئيس جمهوريته، بكل حرية وشفافية، وشارك في استفتاء الدستور، وسيختار نوابه كذلك بكلّ ثقة وأمل من أجل استكمال الباقي المتبقي من مسيرة التغيير والإصلاحات، نحو جزائر جديدة قوية ومؤثرة وصلبة وموحّدة وحرّة.

من جهة أخرى، يأمل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وقادة الجيش الذين يدعمونه في أن تؤذن الانتخابات البرلمانية التي ستجرى اليوم السبت 12 يونيو 2021 بنهاية الاضطرابات التي استمرت عامين، لكن في شوارع العاصمة المتعرجة، بدا حماس الناس فاترا.

وفي الوقت الذي حشد فيه آلاف المرشحين أنصارهم في فعاليات الحملة الدعائية الرسمية لانتخابات تأمل الأحزاب الإسلامية المعتدلة في الفوز بها، فإن ضعف الإقبال على المشاركة في الانتخابات التي أجريت في الآونة الأخيرة سلط الضوء على مدى ارتياب الرأي العام في تلك العملية.

ويأتي التصويت بعد أسابيع من إخماد القوات الأمنية للمظاهرات التي نظمتها في الآونة الأخيرة حركة احتجاجية حاشدة اندلعت في عام 2019 وأجبرت الرئيس المخضرم عبدالعزيز بوتفليقة على التنحي عن منصبه وحصلت على وعود رسمية بالتغيير.

وفي الوقت الذي من المرجح فيه أن يقاطع أنصار الحراك التصويت، يبدو الطريق ممهدا أمام أحزاب أخرى. وتأمل أحزاب إسلامية معتدلة أن يتيح ذلك لها كسب أغلبية من المقاعد وتأمين دور في حكومة تبون المقبلة.

ربما يعجبك أيضا