شهادة «يعقوب» تصدم مريديه.. والداعية يتنصل من أفكاره

إبراهيم جابر

كتب – إبراهيم جابر:

القاهرة – أثارت شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب، أمام محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار محمد السعيد الشربينى، خلال محاكمة ١٢ متهما بالقضية المعروفة إعلاميا بـ«داعش إمبابة» أمس الثلاثاء، ردود فعل كبيرة، بعد تنصل الداعية السلفي من أفكاره، وإنكاره معرفته بالعديد من التيارات التي انتصر لها في السابق، وهجومه في نفس الوقت عليهم.

“سطوة الدعاة الجديد”

صاحب الـ65 عاما، والذي ملأ السماء والأرض بالضجيج حول مذهبه ومنهجه “السلفي”، وغرد ليلا ونهار عن الحلال والحرام، والجهاد ونصرة الدين، من أعلى المنابر وفي دروس المساجد ومن خلال شاشات القنوات التلفزيونية على مدار عقود، مهاجما ومتهما كل ما دونه، صدم مؤخرا كل مريديه بتصريحات جديدة أعادت إلى الأذهان قصة ظهوره وتاريخه الدعوي.

قصة يعقوب وصلت إلى قمتها منتصف العقد قبل الماضي، من خلال برامجه على قناتي الرحمة والناس، رفقة عدد من الدعاة الجدد حينها، أمثال محمد حسان، وأبو أسحاق الحويني، ومحمود المصري، وحازم شومان..”، وحينها كانوا بعيدين جميعا عن التطرق إلى أي خلاف سياسي أو حتى مناقشة أي قضية تظهر على الساحة المصرية والعربية خلال تلك الفترة.

في تلك الفترة بزغ نجم الدعاة وعلا شأنهم، مستغلين غياب الأزهر بشكل كبير عن أداء دوره، وعدم قدرة وزارة الأوقاف على فرض سيطرتها على المنابر، معتمدين منهج خاصا بهم، لم يعتده المصريون، ليبنوا قواعدهم مستغلين حلو الكلام في إقناع عقول لم تؤمن إلا بـ”فطرة ضعيفة”.

“كرب يناير”

أحداث ثورة 25 يناير عام 2011، كانت بداية ظهور مشايخ الفضائيات على العامة منخرطين في المشهد السياسي، ومحاولين التأثير على الشباب باستخدام “رهبة الدين”، لتبدأ تدخلاتهم في استفتاء مارس عام 2012، بالتأكيد على أن التصويت بـ”نعم” على التعديلات الدستورية لنصرة الدين، والسعي الحشد في مشهد سموه حينها بـ”غزوة الصناديق”.

المشهد حينها جسدته تصريحات محمد حسين يعقوب وسط أنصاره، خلال إعلان نتيجة الاستفتاء، قائلا: «انتصارنا في غزوة الصناديق، كان السلف يقولون بيننا وبينكم الجنائز، واليوم يقولون لنا بيننا وبينكم الصناديق، وقالت الصناديق للدين (نعم)»، كبروا تكبيرات العيد احتفالاً بموافقة 77% من الناخبين على التعديلات».

ولم يتخل يعقوب ورفاقه عن موقفهم، فأخذوا على عاتقهم دعم تيار الإسلام السياسي في مصر، ليتمكنوا من السيطرة على مجلسي الشعب والشورى حينها، ووصول الرئيس الإخواني محمد مرسي العياط إلى كرسي الحكم، متخذين من دعوتهم ومنهجهم سببا في تخويف الناس من “الوقوع في الحرام ومعاداة الدين”.

وظل يعقوب على موقفه حتى مع إعلان الفريق عبد الفتاح السيسي، إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في أعقاب أحداث ثورة 30 يونيو عام 2013، ليعتلي يعقوب ورفيقه في الدعوة محمد حسان منصة اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي بميدان مصطفى محمود بالمهندسين، في أغسطس 2013، داعيا المعتصمين إلى الثبات والوقوف ضد إرادة الشعب، قائلا: «نحن بين أيديكم ودماؤنا دون دمائكم، ونقول لمن يقول إنه سيفض الاعتصامات لن تفض الاعتصامات وستستمر كما هي».

وقال حسان في كلمته: “دماؤنا دون دمائكم، وإننا سعينا بكل ما نملك من إصلاح وحقن للدماء ولا تتصوروا إلى أي مدى وصلنا، فقد سعينا إلى الحلول السلمية لكني جئت لكم اليوم في اعتصامكم السلمي لأقول لكم إن دمي يسبق دماءكم”، متابعا: «اصمدوا أثابكم الله».

“اختفاء متعمد”

وفي أعقاب فض اعتصامات الإخوان اختفى الدعاة الجدد، خوفا من ظهور أسمائهم بين المتورطين في أعمال إرهابية، أو المحاولين زعزعة استقرار البلاد، لكن المتهمين في القضايا المتعلقة بالإرهاب كرروا أسماءهم في مئات التحقيقات، مؤكدين أن سيرهم في طريق “الإرهاب” كان بناء على فتاوى محمد حسين يعقوب ومحمد حسان وأبو إسحاق الحويني وغيرهم.

لتلجأ محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار محمد السعيد الشربينى، والتي تنظر محاكمة ١٢ متهما بـ«داعش إمبابة»، إلى استدعاء يعقوب وحسان، واللذان تهربا من الحضور، قبل أن يحضر الأخير إلى المحكمة جالسا على كرسي متحرك، ليدلي بشهادته التي أثارت جدلا واسعا.

“الداعية المثير للجدل”

يعقوب والذي بدا متوترا خلال الإدلاء بشهادته، حاول في البداية منع تسجيل وتصوير شهادته لكن رفض القاضي أجبره على الاستمرار، أنكر العديد من الأمور التي ارتبطت به على مدار أكثر من 3 عقود، فأكد في بداية حديثه أنه نشأ وسط أسرة دينية وتلقى علوم الدين من والده وجده، مشددا على أنه “لا يفتي”، ويسأل العلماء ويستشيرهم وليس له علاقة بالسياسة.

العالم الكبير بين أتباعه، أدلى باعتراف جديد غير الذي يدلي به كل أتباع “الكلام” عن قراءته، بأنه يأخذ من الكتب ما يريده ولا يقرأها كلها، منوها بأن كل ما يقوله عبارة عن اجتهادات شخصية من خلال قراءاته، وأن حديثه موجه للعامة من الملتزمين والشباب، منكرا انتمائه إلى أي حزب أو جماعة، أو حتى الانتماء إلى التيار السلفي، مبينا أنه ينتمي إلى المذهب الحنبلي.

وخلال رد يعقوب على سؤال حول تفسيره لما قرره أحد المتهمين بأنه ينفذ تعليمات أبو إسحاق ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب ومصطفى العدوى، قال: “محمد حسان يخاطب الملتزمين وأنا اخاطب العوام”، وأنه يهتم بالنجاة من النار ومساعدة الناس على النجاه منها، وأنه إذا كان أحد تكفيري أو داعشي فليس له علاقة به وهو يسأل عن هذا .

الشيخ السلفي المعروف، تنصل من تعريف الفكر السلفي، و”الفكر السلفي التكفيري”، منكرا معرفة بهما، مجيبًا في الأول “يوجه إلى دعاه الفكر السلفي”، وقائلا في الثاني: أنه يعرف أن “السلفي سلفي والتكفيري تكفيري”، مشيرا إلى أنه كان يحدث اتباعه وتلاميذه بكلمة الجهاد،  وأنه يقصد به جهاد الكلمة، قائلا: “لنا جهاد الكلمة، وجهادنا أن نكثر الصالحين حتى لا تهلك الأمة وهذا معنى الجهاد”.

“التنظيمات الإرهابية”

وفسر الداعية المعروف، والذي بدأ الدعوة في عام 1987، المقصود بالإمام والخليفة بأن الإمام هو خليفة المسلمين الذي نصره أهل الحل والعقد، وأن الخليفة هو الذي بايعه المسلمون جميعا على مستوى العالم، مشددا على أنه لا يوجد خليفة لعدم اجتماع المسلمين عليه، وأن ولي الأمر هو رئيس الدولة.

وأبدى يعقوب جهله بتنظيم القاعدة وتنظيم داعش الإرهابي والفئة الممتنعة وأفكارهم، ورموزهم مثل أسامة بن لادن وفارس أبو جندل، وعدم معرفته بأسباب تعدد مسميات الجماعات الإرهابية وهل تختلف في الفكر والمضمون، لافتا إلى أنه لا يستطيع إطلاق حكم بشأن الانضمام إلى الجماعات الإرهابية لعدم درايته بما يفعلونه، وأن القول بأن مصر لا تنفذ الشريعة الإسلامية “خطأ شكلا ومضمونا” .

وقال يعقوب في رده على سؤال حول رأيه في أقوال المتطرفين إن الجهاد في سبيل الله هو ارتكاب العمليات الإرهابية التي تستهدف مؤسسات الدولة؟: “هؤلاء جهلة ودماغهم هي اللي وصلتهم لكده لآن أي ولد معاه تليفون بثلاثة تعريفة يعرف يشوف حاجات أغرب من الخيال على النت فهو بحر لو غاص فيه سوف يضلله ضلالا مبينا”.

“كذبة الإخوان”

حديث يعقوب، كان مختلفا بعض الشيء عن جماعة الإخوان الإرهابية، فحين سئل عنها، قال: “أعرف أن جماعة الإخوان المسلمين (ماليين الدنيا)، وأن حسن البنا عقب إسقاط الخلافة الإسلامية دعا الناس إليها وبحث عن الوصول إلى الحكم”، مشيرا إلى أنه لا يجوز التعصب لشخص واتباعه مطلقا إلا رسول الإسلام محمد بن عبد الله، وأنه لا يجوز الانحياز إلا لجماعة الصحابة.

وفي رده على سؤال حول رأيه في إيديولوجية الإخواني سيد قطب، بين أنه عقب سفره إلى أمريكا أراد الالتزام بالدين، وأنه لم يتفقه في علوم الدين ولم يتعلم على يد شيخ، لتكون شهادته بحق جماعة الإخوان وقيادتها مؤخرا صادمة كثيرا بعد تأييده لهم، وتحزبه ضد كل ما هو ضدهم.

شهادة يعقوب، أثارت جدلا بين مهاجم للداعية على فتاويه وتصريحاته السابقة، ومساهمته في زيادة التعصب الديني وإفساد المجتمع على مدار عقود، لكن أتباعه ومريديه دخلوا في نوبة صمت من هول الصدمة، قبل أن يستفيقوا جزئيا محاولين إيجاد مبررات لكلمات شيخهم، وإنكار صحة ما قاله، ليبقى تساؤل جديد، حول كيفية إزالة آثار دعوة يعقوب ورفاقة من عقول آمنت بهم.

ربما يعجبك أيضا