إضراب عام في لبنان.. صرخة وجع في وجه سلطة صماء

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

بعد أن باتت الأمور السياسية والاقتصادية في لبنان مفتوحة على كل الاحتمالات وتحديدا الأكثر ضبابية وقتامة، بدأ الجميع في التنصل من المسؤولية وتبادل الاتهامات بتعطيل تأليف الحكومة ومحاولة تفجير البلد، وفي المقابل قرر الشارع التحرك للمطالبة بتشكيل حكومة إنقاذ بشكل عاجل في ظل أزمة طاحنة لا ترحم وصلت إلى حد خروج الجيش عن صمته المعتاد لانتقاد الطبقة السياسية والتحذير من تداعيات الأزمة على الوضع العام وعلى معنويات رجال الجيش الذي بحسب البنك الدولي بات مهددا بأحد أسوأ الانهيارات المالية، التي شهدها العالم خلال الـ150 عاما الماضية.

إضراب عام وقطع طرقات

منذ أن انفجر الشارع اللبناني غضبا في يوليو الماضي إثر قرار الحكومة برفع سعر رغيف الخبر المدعوم إلى 2000 ليرة، لتتبعه قائمة طويلة من السلع الأساسية ارتفعت أسعارها بنسب تتراوح بين 50% إلى 146%، وأقدمت حكومة حسان دياب على تقديم استقالتها والبلد يعيش أزمة مفتوحة فاقمت منها جائحة كورونا وانفجار المرفأ في أغسطس الماضي وتكليف زعيم تيار المستقبل سعد الحريري – الذي يحظى بدعم غالبية الشركاء السياسيين فيما عدا الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل زعيم التيار الوطني الحر- بتشكيل حكومة جديدة.

والآن بعد نحو 6 أشهر على تكليف الحريري ما زالت الأوضاع على حالها بل إنها تسير باتجاه الأسوأ، فهناك أكثر من نصف اللبنانيين يعيشون تحت خطر الفقر والعملة الوطنية فقدت أكثر من 85% من قيمتها والمصرف المركزي يناشد الحكومة إقرار خطة لترشيد الدعم، وسط تدني إجمالي احتياطيات العملات الأجنبية لديه إلى نحو 15.8 مليار دولار منتصف الشهر الحالي، وحاليا يبلغ معدل الصرف من الاحتياطي نحو 500 مليون دولار شهريا – وهو معدل مرتفع للغاية- حيث تم صرف نحو 260 مليون دولار في النصف الأول من الشهر الحالي، بحسب تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط”.

ومعظم ما يصرف من الاحتياطي يتم توجيه لتغطية لشراء السلع المدعومة، وتكلفة بواخر مادة الفيول المخصصة لمعامل الكهرباء، وعلى ذكر الكهرباء يعاني لبنان من أزمة حادة في تأمين المازوت اللازم لمولدات الكهرباء وبالتالي باتت ساعات الانقطاع أطول من ساعات الخدمة ووصلت إلى حد أن الجامعة اللبنانية تضطر حاليا إلى امتحان طلابها داخل قاعات بلا مكييفات أو إضاءة صناعية من الأساس.

أمام هذا ما زالت لغة المصالح والمحاصصة الطائفية تقف عائقا أمام تشكيل الحكومة، ما دفع الاتحاد العمالي إلى الدعوة إلى تنظيم  إضراب عام اليوم الخميس الموافق 16 يونيو ضد السلطة السياسية، وقال رئيس الاتحاد بشارة الأسمر إن “الاتحاد سيقوم بجملة تحركات يوم الخميس حيث سيكون هناك تجمعات في مختلف المناطق اللبنانية التي سترفع الصوت عاليا”، مشيرا إلى أن “العنوان الأساسي هو تشكيل حكومة إنقاذ”.

وأضاف الأسمر “ما نراه اليوم من انهيار للمنظومات التربوية، الصحية، البيئية، والاقتصادية، والحد الأدنى بات يساوي 30 دولارا، علينا التصدي لهذا الوضع بالتكافل من أجل الحفاظ على عمال لبنان وكل فئات الشعب وهذا لا يتحقق إلا بوجود حكومة إنقاذ”، موضحا “لا شيء أكبر من لبنان، ويجب أن ندافع عنه وطنا نهائيا لجميع اللبنانيين، وما يمارس علينا اليوم هو تهجير من وطننا ومحاولة قتل من دون رصاص”.

استجابة لهذا النداء أعلنت عدة نقابات من بينها نقابات عمال ومستخدمي منشآت النفط في الزهراني ونقابة مستخدمي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ونقابة موزعي المحروقات واتحاد نقابات قطاع التأمين والضمان ونقابة موظفي وعمال صوامع الحبوب في مرفأ بيروت ونقابة عمال ومستخدمي النقل المشترك، عن التزامها بالإضراب.

صباح اليوم، شهدت غالبية طرقات لبنان إقفالا عاما، بعد أن أقدم المحتجون على قطع الطرقات الرئيسية في بيروت وطرابلس وغيرهما، فقطعت طرقات أبرزها أوتوستراد المنية الدولي بالاتجاهين عند محلة المخاضة، وأوتوستراد خلدة – بيروت، وطريق الكولا – بيروت، وطريق عام حلبا العبدة محلة الحصنية، وأمام هذا حاولت القوى الأمنية التدخل وقامت بتحويل اتجاه السير في بعض المواقع إلى طرق فرعية منعا لأي اشتباكات مباشرة مع المتظاهرين الغاضبين.

سلطة صماء تتبادل الاتهامات

من المضحك المبكي أن السلطة التي خرج الشارع للانتفاض ضدها، أعلنت أمس أنها ستشارك في الإضراب العام فأكدت بيانات صادرة عن كل من التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل وكذلك تيار المستقبل التزام هذه الأحزاب السياسية بالإضراب تحت عنوان استكمال الضغط باتجاه الإسراع في تأليف الحكومة!.. كيف يمكن للجلاد أن يرتدي عباءة الضحية بكل هذه السهولة!

هذه الأحزاب أوصلت البلد إلى ما هو عليه الآن من إفلاس وانهيار واليوم تتظاهر بالوقوف في صف الشعب عوضا عن تحمل مسؤولياتها في لحظة فارقة للغاية.

منذ أيام ولبنان يشهد حرب بيانات تحديدا بين قصر بعبدا وعين التينة، فالرئيس ميشال عون لم يغفر بعد لـ”بري” أنه رفض كتابه الذي رفعه إلى مجلس النواب للمطالبة بسحب تكليف الحريري، وبات واضحا أنه يمتعض للغاية من تحالف بري والحريري معا ويرى فيه تهديدا لعهده، الأمر الذي دفع الرئيس للدخول مباشرة على خط الحكومة وبلهجة أوضح ورفض مبادرة بري لحل أزمة التأليف على قاعدة حكومة الـ24 وزيرا أو صيغة  888 أي توزيع الحقائب الوزارية بالتساوي بين الفرقاء السياسيين أو لنقلها صريحة بين الطوائف، وفي المقابل المطالبة بتلبية طلب تياره “التيار الوطني الحر” المتمثل في تسمية وزيرين مسيحين إضافيين على صيغة الـ24 دون تدخل من رئيس الحكومة المكلف، الأمر الذي رفضه بري قبل الحريري.

بري قال في بيان صادر عن رئاسة البرلمان أمس: قرار تكليف رئيس حكومة خارج عن إرادة رئيس الجمهورية، بل هو ناشئ عن قرار النواب أي السلطة التشريعية، لافتةً إلى أن “الذي يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة هو رئيس الحكومة المكلف وفق الماده 64 من الدستور.

وأَضاف “كان القاضي راضي: طالما ارتفع عدد الوزراء إلى 24، وطالما حل موضوع الداخلية إلى أن أصريتم على 8 وزراء + 2 يسميهم رئيس الجمهورية الذي ليس له حق دستوري بوزير واحد، فهو لا يشارك بالتصويت فكيف يكون له أصوات بطريقة غير مباشرة”.

وتابع: “متعطل كل شيء والبلد ينهار والمؤسسات تتآكل والشعب يتلوى وجدار القسطنطينيه ينهار مع رفض مبادرة وافق عليها الغرب والشرق وكل الأطراف اللبنانية إلا طرفكم الكريم – في إشارة إلى عون- فأقدمتم على البيان البارحة صراحة تقولون: لا نريد سعد الحريري رئيساً للحكومة، هذا ليس من حقكم، وقرار تكليفه ليس منكم، والمجلس النيابي قال كلمته مدّويه جواب رسالتكم إليه”.

اليوم أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا قالت فيه: إن الرئاسة لن تتوقف عند الأسلوب غير المألوف لدى بري في التخاطب السياسي شكلا ومضمونا، مضيفة: من المؤسف حقا أن يتحدث الرئيس بري عن عدم حق رئيس الجمهورية بالحصول على وزير واحد في الحكومة مبررا ذلك بعدم مشاركته في التصويت، وكأن البيان الصادر عن الرئيس بري أراد أن يؤكد ما بات مؤكدا بأن الهدف الحقيقي للحملات التي يتعرض لها رئيس الجمهورية هو تعطيل دوره في تكوين السلطة التنفيذية ومراقبة عملها مع السلطة التشريعية، وإقصائه عن تحمل المسؤوليات التي ألقاها الدستور على عاتقه.

بالنسبة لحليف الرئيس عون وكذلك حركة أمل بزعامة بري، “حزب الله” فحتى اللحظة هو يقف على الحياد وكل ما يفعله هو محاولة المقاربة بين الطرفين لا أكثر، وبحسب تقارير لبنانية الحزب لا يعتزم أن يعادي التيار الوطني الحر أو الرئيس عون، وسيحافظ على دوره كوسيط فليس من مصلحته أن يفقد شريكه الأساسي “بري” أو حليفه الذي يؤمن الغضاء السياسي له ولسلاحه “عون”.

أما تيار الحريري “تيار المستقبل” فقال كلمته عندما اتهم الحريري صراحة في وقت سابق من الشهر الجاري الرئيس عون بتعطيل كافة محاولاته لتشكيل الحكومة.

إذا لبنان وصل إلى عنق الزجاجة في كل أموره سياسيا واقتصاديا وبات على شفا الانهيار التام، بفعل الاقتتال السياسي والانقسامات الطائفية والأزمة الاقتصادية، واليوم إذا تحركت فرنسا لدعم الجيش اللبناني عبر مؤتمر دولي لتأمين مساعدات بعشرات ملايين اليوروهات، فالأكيد أنها وغيرها من دول العالم لن تمد يدها للسلطة السياسية في لبنان بعد أن أيقنت جيدا أنها تضع العصى في الدولايب بنفسها ولا تستجيب لأي مبادرة للحل بقدر رغبتها في الحفاظ على المحاصصة الطائفية والمكاسب السياسية… الآن يدور في لبنان حديث عن احتمالات أن يقدم الحريري خلال اللحظات المقبلة اعتذاره عن تشكيل الحكومة ليرمي بالكرة في ملعب الرئيس وصهره إلا أن هذا السيناريو لن يكون حلا بقدر ما سيعقد الأمور، فيما تتحدث أطراف عن أن حزب الله سيهدد باسيل من أجل التقارب مع بري وحلحلة الأمور مع الحريري.. كل شيء ممكن في بلد مثل لبنان لكن الأكيد أن الحل لن يأتي لبنانيا خالصا.

ربما يعجبك أيضا