الشيخوخة في أوروبا.. أزمة تهدد النمو الاقتصادي والحل لدى المهاجرين

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

يبدو أن القارة العجوز لن تتحرر قريبا من هذا اللقب بل أنها ستكون في أقل من 30 عاما من الآن صاحبة أعلى معدلات للشيخوخة في العالم، إذ من المتوقع أن يكون ربع سكانها ممن هم فوق الـ65 عاما بحلول 2050، ما سيمثل عبئا مزدوجا على اقتصادها، إذ ستتناقص لديها الأيدي العاملة بصورة حادة مقابل زيادة أعباء المتقاعدين.

شيخوخة وتباطؤ اقتصادي يهددان أوروبا   

بحسب تقرير صدر حديثا عن مركز التنمية العالمي في واشنطن، ستعاني أوروبا من نقص في اليد العاملة بحلول 2050 يقدر بـ95 مليون عامل مقارنة بعام 2015، إذ سينخفض عدد سكانها الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و64 عاما بأكثر من 100 مليون وبالتبعية ستسقط في دائرة التباطؤ الاقتصادي المستمر.

وبحسب تقرير لـ”الأمم المتحدة” أوروبا هي بين 55 بلدا ومنطقة يتوقع مع حلول العام 2050 أن تشهد انخفاضا في نسبة السكان بأكثر من 15%، وأن يكون لديها فقط 10% من سكان الكرة الأرضية، وحاليا أوروبا يبلغ عدد سكانها نحو نصف مليار نسمة، منهم حوالى 191 مليون شخص تتجاوز أعمارهم الـ60 عاما.

ويقول الخبير الأمريكي تشارلز كيني – مؤلف تقرير مركز التنمية العالمي- إن أزمة نقص اليد العاملة في أوروبا تعود لأمرين أساسيين: أولا تمتع الأوروبيين بصحة جيدة، مما يعني أمد حياة أطول ومزيدا من المتقاعدين، ثانيًا انخفاض معدل المواليد الجدد، ما يعني عدد أقل من العمال المستقبليين.

ويوضح في تصريحات لـ”سكاي نيوز”، أن المتقاعدين يستخدمون المزيد من خدمات الرعاية الصحية بالإضافة إلى تلقيهم معاشات، مما يزيد الإنفاق الحكومي عليهم، وهم في المقابل لا يعملون أو يدفعون نفس القدر من الضرائب التي يدفعها السكان “العاملون”.

واختصارا زيادة عدد المتقاعدين دون عدد يوازيهم من الأيدي العاملة أو يزيد عنهم، يعني مزيدا من الضغوط على معدل النمو الاقتصادي في البلد التي يعيشون على أراضيها.

المهاجرون هم الحل.. وأفريقيا شريك جيد

يرى كيني أن السياسات الأوروبية الرامية إلى زيادة معدلات المواليد – كأجازات الأمومة المدفوعة أو الأبوة- كان لها تأثير ضئيل للغاية، كما أن رفع سن التقاعد لا يحظى بشعبية، ورغم فرض مبدأ تكافؤ الفرص وتشجيع النساء على العمل يبقى غير كاف لمعالجة أزمة نقص العمالة، لذا الحل الواضح لتجنب آثار شيخوخة السكان هو اللجوء إلى الهجرة لسد الفجوة.

كما يرى أن أفريقيا شريك جيد لأوروبا في هذا الاتجاه لعدة اعتبارات أهمها القرب الجغرافي ومعدل النمو السكاني الجيد لديها، وحاجة شبابها لفرص عمل بالخارج.

بحسب تقديرات الأمم المتحدة من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان أفريقيا بحلول عام 2050، حتى لو انخفضت مستويات الخصوبة في المستقبل القريب بنسبة كبيرة، فالعدد الكبير من الشباب الموجودين في القارة حاليا -وهم من يُتوقع وصولهم سن البلوغ في السنوات المقبلة وأن يكون لديهم أبناء- يضمن أن تضطلع القارة بدور رئيسي في تشكيل حجم سكان العالم وتوزيعهم على مدى العقود المقبلة.

ووفقا لتقرير المركز، من المتوقع أن يرتفع عدد سكان أفريقيا الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و64 عاما من 534 مليون إلى 1.3 مليار بين 2015-2050.

المواقف الأوروبية السلبية من المهاجرين.. يجب أن تتوقف

التقرير أيضا سلط الضوء على المواقف السياسية السلبية تجاه المهاجرين والتي وصلت إلى حد التهديد بتركهم في عرض المتوسط للموت غرقا، يقول كيني أعتقد أنه من الضروري التفكير في المهاجرين كبشر أولا، فالوفيات المأساوية في البحر الأبيض المتوسط، هي جزئيًا نتيجة تحول البشر إلى أرقام فقط في إحصاءات اللاجئين.

ويرى أنه على السياسيين الأوروبيين التوقف عن استخدام المهاجرين ككبش فداء أو مادة للدعاية والنفوذ السياسي، والبدء في الاعتراف بأن الأوروبيين يحتاجون إلى الأفارقة بقدر ما افترضوا دائما أن الأفارقة بحاجة إليهم.

وبحسب التقرير نتيجة لهذه المواقف السلبية في القارة العجوز، يتوقع أن يهاجر واحد فقط من كل أربعة مهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي أو المملكة المتحدة من أفريقيا خلال الأعوام القليلة المقبلة.

التجربة الألمانية.. وسياسة الباب المفتوح

من المعلوم أن أزمة المهاجرين في أوروبا طفت إلى السطح بقوة خلال السنوات العشر الأخيرة بسبب موجة النزوح القوية التي أعقبت اندلاع أحداث الربيع العربي عام 2011 تحديدا من سوريا وليبيا، إذ بدأت أوروبا تستقبل يوميا عبر قوارب الهجرة غير الشرعية العابرة للبحر المتوسط آلاف المهاجرين الراغبين في اللجوء إليها، فعلى سبيل المثال بين عام 2010 وعام 2013، وصل نحو 1.4 مليون شخص من خارج الاتحاد إلى بلدان القارة، وتلقت الدول الأوروبية في عام 2015 أكثر من 1.2 مليون طلب لجوء لأول مرة في تاريخ الاتحاد.

أمام أزمة تدفق اللاجئين بدأت بعض دول الاتحاد تتخذ مواقف معادية للمهاجرين ورفضت المساعدة في عمليات الإنقاذ التي تديرها بامتياز إيطاليا في عرض المتوسط بالشراكة مع دول مثل ليبيا وتونس، فبدأت اليونان وكذلك إيطاليا بغلق أبوابهما أمام المهاجرين غير الشرعيين وتقييد طلبات اللجوء.

في ألمانيا، اختارت المستشارة أنجيلا ميركل أن تنتهج سياسة الباب المفتوح فاستقبلت خلال السنوات الأخيرة أكثر من 5 ملايين لاجئ من السوريين وغيرهم من الجنسيات، ليس فقط من باب دورها الإنساني ومسؤوليتها كدولة صاحبة أقوى اقتصاد في أوروبا، لكن أيضا من أجل التصدي لأزمة شيخوخة السكان والحفاظ على شراهة الماكينات الألمانية، فألمانيا تعاني من تدني معدل الخصوبة مقابل ارتفاع معدلات الشيخوخة، وتمثل فئة الأعمار الأقل من 15 عاما لديها 16% فقط من مجموع السكان.

تدفق المهاجرين إلى ألمانيا نجح في معالجة أزمة الشيخوخة بعض الشيء، فبحسب دراسة لمعهد الاقتصاد الألماني “آي دابليو” أجرت العام الماضي، بلغ عدد الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و29 عاما خلال عام 2017 نحو 12% من السكان، وأكدت الدراسة أنه من دون هجرة كانت ستصبح هذه النسبة أقل بمقدار 1%، إذ زادت نسبة الأطفال من عمر شهر حتى 9 سنوات والذين تتراوح أعمارهم بين 30 و39 عاما، بوضوح عبر الوافدين وأطفالهم الذين أنجبوهم داخل الدولة.

وأكدت الدراسة أن الهجرة تساعد على تباطؤ معدلات شيخوخة المجتمع، وأوصت بأن تركز سياسة الهجرة بشكل متزايد على البلدان خارج الاتحاد، ذات التركيبة السكانية العالية كالهند وأمريكا اللاتينية.

أوروبا فعليا باتت في حاجة ملحة إلى إعادة رسم سياسات الهجرة لديها، بشكل يبتعد عن العدائية أو الاستغلال السياسي، ويركز فقط على البعد الإنساني وكيفية خلف مصلحة متبادلة مع المهاجر، والأهم الاعتراف أولا بالحاجة إلى هذا المهاجر أو اللاجئ كعنصر منتج في المجتمع وتذليل العقبات أمام هذه المهمة عبر استقطاب المهاجرين المؤهلين وإعداد برامج تأهيل لدمجهم في المجتمع وتدريبهم على الوظائف المتاحة، والسماح بقبول أعداد أكبر من اللاجئين.. وهذه السياسات تحتاجها بلدان أخرى مهددة أيضا بالشيخوخة مثل أمريكا الشمالية والصين واليابان وحتى الولايات المتحدة التي تشهد حاليا أدنى معدل للنمو السكاني في تاريخها منذ الكساد الكبير، ويبقى أن نذكر بأنه بحلول 2050 سيكون 16% من عدد سكان العالم أكبر من 65 عاما.

ربما يعجبك أيضا