في السودان.. بورصة الذهب ضرورة اقتصادية عاجلة

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

قبل نحو عام من الآن أعلنت الحكومة السودانية عن مخطط لإنشاء بورصة للذهب في الخرطوم، لتنشيط الاستثمار في قطاع تعدين المعدن النفيس ومحاربة ظاهرة التهريب وتقنين عمليات التعدين الأهلي وبالتبعية زيادة احتياطات البلاد من النقد الأجنبي، وفي نهاية أبريل الماضي أجازت اللجنة الفنية بمجلس الوزراء السوداني أمر تأسيس بورصة الذهب والمعادن، ليخطو السودان أولى الخطوات التنفيذية باتجاه تصويب أخطاء الماضي فيما يتعلق بإدارة واحد من أهم موارد الدولة بعد النفط.

السودان.. أرض الذهب

السودان هو ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا وغانا، ويقدر إنتاجه السنوي بنحو 100 طن من الذهب سنويا، فيما تشير إحصاءات غير رسمية إلى إنتاج سنوي يتجاوز الـ200 طن، يتم تهريب ما نسبته 75% منه إلى خارج البلاد، بسبب ضعف أسعار شراء الذهب داخل البلاد -إذ كانت الحكومة في السابق تفرض الشراء عبر المركزي بأسعار أقل من الأسعار العالمية- وينتج قطاع التعدين الأهلي -غير المنظم- هذه النسبة التي يجري تهريبها، ويعمل فيه نحو مليوني “معدن”، فيما ينتج القطاع المنظم النسبة الباقية من الإنتاج، وتعمل فيه نحو 361 شركة، منها 149 تحظى بامتيازات تنقيب كبيرة، و152 شركة تنقيب صغيرة، و48 شركة أخرى تعمل في مجال مخلفات تعدين الذهب.

تاريخيا، ومنذ نحو 4 آلاف عام قبل الميلاد عرفت ممالك السودان القديمة “الكوشية” و”النوبية”، حرفة التنقيب عن الذهب، وأظهرت الحفريات مشغولات ذهبية مدفونة في مدافن ملوك هذه الممالك، ما يعني أن الحضارة السودانية عرفت المعدن الأصفر واكتشفته في أرض الوطن قبل العصر الحديث.

يتركز الذهب في صحاري وجبال شرق نهر النيل وبمحاذاة البحر الأحمر وأعلى سلسلة جبال البحر الأحمر بشرق السودان، وأيضا في مناطق جبال النوبة ومنطقة كردفان ودارفور وبعض مناطق النيل الأزرق في المناطق المتاخمة للحدود الإثيوبية، ومع ذلك لم تركز عليه الأنظار كثروة قومية ومورد هام إلا بعد العام 2011 عندما انفصل الجنوب عن الشمال بعد استفتاء تقرير المصير، ومع هذا الانفصال فقدت الخرطوم 75% من عائدات النفط و80% من موارد النقد الأجنبي، ونشط التعدين الأهلي بصورة غير مسبوقة في نحو 13 ولاية و في أكثر من 200 موقع تعدين، بحسب تقرير لصحيفة “الإندبندنت”.

وبينما لم يتجاوز إنتاج البلاد من الذهب خلال الفترة بين 1996-2008 ” 10 أطنان”، ارتفع الإنتاج إلى 82 طناً في عام 2015 وإلى 93.4 طن في 2016، وإلى 107 أطنان في 2017، ثم تراجع إلى 93 طناً في 2018، كل هذا بفضل حمى التعدين الأهلي.

محاصرة التهريب.. أهم أهداف بورصة الذهب

ومع زيادة عمليات التهريب كان من الطبيعي أن يشهد عام 2019 تداول نحو 127 طن ذهب سوداني في بورصات العالم، بينما أظهرت الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المركزي السوداني أن الإنتاج المحلي بلغ 20 طنا فقط!

في تصريحات سابقة لوزير الطاقة والتعدين عادل علي إبراهيم قال إن “بورصة الذهب” السودانية خطوة تأخرت كثيراً وتسببت في فقدان السودان نحو 70% من عائد صادرات الذهب خلال السنوات الماضية، لكنه أكد أن البلاد تسير باتجاه الانتهاء قريبا من إطلاق بورصة الذهب والمعادن.

ومطلع يونيو الجاري، اعترف وزير المالية جبريل إبراهيم، بأن حكومته عاجزة عن السيطرة على تهريب الذهب، وأن هناك إجراءات تقوم بها للحد من التهريب، للاستفادة من عائدات الذهب في زيادة حصيلة البلاد من العملات الأجنبية، واستيراد السلع.

وبحسب تصريحات للمدير العام لشركة الموارد المعدنية بالسودان المهندس مبارك أردول، أكثر من 72% من إنتاج الذهب لا يدخل تحت سيطرة شركة الموارد المعدنية “الحكومية”، وهناك أكثر من خمسين شركة تعمل لم توفق أوضاعها منذ سنوات طويلة وحتى إن هناك بعض الإنتاج يخرج عن سيطرة الحكومة في بعض مناطق النزاعات.

وحاولت الحكومة السودانية المؤقتة منذ أن تولت زمام الأمور بالبلاد اتخاذ مجموعة من التدابير الاقتصادية لمعالجة العديد من الأزمات أبرزها انهيار العملة الوطنية والسوق السوداء للدولار وتجاوز معدلات التضخم عتبة الـ350%، وارتفاع سقف الديون الخارجية لأكثر من 56 مليار دولار.

وضمن خططها لمعالجة الأوضاع الاقتصادية سعت للسيطرة على سوق الذهب وعمليات التعدين الأهلي، فدفعت البنك المركزي باتجاه شراء الذهب المنتج محليا بالأسعار العالمية وسمحت للقطاع الخاص العالم في قطاع الذهب بالتصدير وتوسعت في توقيع اتفاقيات التنقيب عن المعدن الأصفر فمنذ مطلع العام وقعت نحو 10 اتفاقيات مع شركات أجنبية ومحلية، إلا أن هذا لم يكن كافيا، وأكد حاجة البلاد لبورصة تنظم سوق الذهب أكثر وتجذب المزيد من الاستثمارات الوطنية والأجنبية إلى هذا القطاع الهام.

خطوات على طريق تأسيس بورصة الخرطوم للذهب

وبحسب مقال للخبير الاقتصادي عبدالعظيم الأموي -نشر في صحيفة “الإندبندنت” نهاية 2019- تأسيس بورصة للذهب في السودان يحتاج إلى توفير عدة عوامل أهملها:

-تطوير قطاع الإنتاج التقليدي وتوفير الخدمات للمعدنين التقليدين.

-تخفيض الرسوم المفروضة على الشركات والجهات العاملة في القطاع.  

–  تطوير “مصفاة الخرطوم للذهب” التي افتتحت في عام 2015 ورفع معايير التصفية العالمية.

 -إنشاء مخازن خاصة للاحتفاظ بالمنتجات الذهبية مسجلة، بعد معالجة المعدن في المصفاة وتحويله إلى سبائك أو نقود معدنية أو غيرها.

-تأسيس شركات متخصصة في نقل المعادن من المصفاة إلى مخازن البورصة لتسجيل معدن الذهب رسميا واعتماده ثم طرحه بعد ذلك للتداول.

-سن  قوانين تحكم انتقال الذهب على طول سلسة التصنيع في جميع مراحلها.

ستحقق بورصة الذهب العديد من المكاسب للدولة السودانية غير محاصرة المهربين، لعل أبرزها زيادة الاحتياطي الأجنبي للبلاد وتنويع احتياطي البلاد من الأصول، وتوفير فرص استثمار آمن في قطاع الذهب سواء للمستثمر الوطني أو الأجنبي، بما سيدعم على المدى المتوسط والبعيد العملة الوطنية ويسهم في تعزيز الوضع الاقتصادي، لاسيما وأن صندوق النقد يتجه نحو تقديم إعفاء شامل للسودان من ديونه خلال الفترة المقبل.

ربما يعجبك أيضا